ممارسات بن غفير ترجح فشل مشروع نتنياهو للتطبيع مع دول الخليج
رجح الخبير السياسي "جريجوري أفتاندليان" فشل مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في توسيع التطبيع ليشمل باقي دول الخليج العربية، مشيرا إلى أن الاستمرار المتوقع لممارسات وزير الأمن القومي الإسرائيلي "إيتامار بن غفير" الاستفزازية هو السبب وراء ترجيحه.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر "أفتاندليان"، أن زيارة "بن غفير" الأخيرة إلى الحرم القدسي شهدت توجيه اتهامات لإسرائيل، ليس فقط من جانب الفلسطينيين والحكومة الأردنية، ولكن من دول الخليج العربية، بما فيها تلك التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بموجب ما يسمى باتفاقات إبراهيم.
ورغم أن توقيع هذه الاتفاقيات، في سبتمبر/أيلول 2020، قدم مؤشرا على أن هذه الدول ستذهب في طريقها الخاص فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل بغض النظر عن المشاعر العامة تجاه القضية الفلسطينية، إلا أنه من المرجح أن تؤدي استفزازات المتطرفين الإسرائيليين مثل "بن غفير" إلى التأثير على علاقات إسرائيل الثنائية مع المنامة وأبو ظبي.
فـ "بن غفير"، الذي شارك منذ فترة طويلة في حركة المستوطنين الإسرائيليين وأدين مرة بالتحريض على العنصرية ضد العرب، استطاع أن يحظى بمنصب وزير الأمن القومي، ما يجعله مسؤولاً عن الشرطة الإسرائيلية.
ومن المرجح أن يكون "بن غفير" صوتًا مؤثرًا، ليس فقط لصالح توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، بل ربما لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة بالكامل.
تطور التطرف
وتسبب دعم "بن غفير" القوي للمستوطنين الإسرائيليين في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، في مايو/أيار 2021، باندلاع أعمال عنف استمرت 11 يومًا بين حركة حماس وإسرائيل.
كما دعا الوزير الإسرائيلي منذ فترة طويلة إلى تغيير السياسة المتعلقة بزيارات منطقة الحرم القدسي، ثالث أقدس موقع في الإسلام، والذي يضم على المسجد الأقصى وقبة الصخرة، التي يشير إليها الإسرائيليون باسم جبل الهيكل.
ومنذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، عمل الأردن كوصي على هذه المنطقة، ويحظر الوقف الأردني حاليًا أي صلاة لغير المسلمين في الموقع.
وإزاء ذلك، كان الحرم القدسي حافزًا للعديد من الاضطرابات الكبرى في الماضي، ففي عام 2000 زحف زعيم المعارضة الإسرائيلية "أرييل شارون"، ومعه مئات من أفراد الأمن إلى المنطقة في محاولة لعرقلة جهود رئيس الوزراء آنذاك "إيهود باراك" للتوصل إلى اتفاق سلام مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات".
كانت جهود شارون ناجحة، على الأقل من وجهة نظره، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وجعل اتفاق السلام المقترح غير مقبول سياسيًا لأي من الجانبين.
أكسبت هذه الاستفزازات "شارون" شعبية كبيرة بين الإسرائيليين اليمينيين وساعدت على إنتاج نهج متشدد مماثل بين المشرعين الإسرائيليين الآخرين.
ورغم أن "نتنياهو" حذر من تغيير الوضع الراهن للمكان المقدس، إلا أنه صمت هذه المرة عن حيلة "بن غفير" في مواجهة الإدانات المحلية والإقليمية والدولية.
في الواقع، كانت تصرفات الوزير الجديد تحظى بشعبية كبيرة بين مؤيدي "نتنياهو"، لا سيما بين اليهود الأرثوذكس المتدينين، الذين عارضوا منذ فترة طويلة حظر العبادة اليهودية في الحرم القدسي. وبينما صرح "نتنياهو" بأن يديه "على عجلة القيادة"، بما يعني أنه سيوجه سياسات الحكومة وليس وزرائه، إلا أنه امتنع عن انتقاد "بن غفير" لتجنب الانقسام المبكر داخل ائتلافه.
ما يعتقده الجيران
ومع ذلك، فإن مثل هذه الخلافات تمثل مشكلة لسياسة "نتنياهو"؛ الخارجية لأنه أعرب منذ فترة طويلة عن اهتمامه بتعميق العلاقات التجارية والأمنية بين إسرائيل ودول الخليج.
واتفقت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وهما أول دولتين توقيعا على اتفاقيات إبراهيم، على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون الإصرار أولاً على تسوية القضية الفلسطينية، وهو مطلب كانت جميع الدول العربية الأخرى قد اشترطته مسبقًا للانخراط في علاقات طبيعية مع الدولة العبرية.
ولطالما رغب "نتنياهو" في تهميش القضية الفلسطينية وكسب قبول الدول العربية. وهكذا، قُدِّمت اتفاقيات "إبراهيم" للإسرائيليين على أنها انتصار دبلوماسي كبير.
ومع ذلك، ورغم أن العديد من تلك الدول تشارك إسرائيل كراهية إيران وترغب في تطوير علاقات تجارية مع الاقتصاد الإسرائيلي عالي التقنية، إلا أن قضايا المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية، إلى جانب القضية الأوسع لحقوق الفلسطينيين وإقامة الدولة، تظل حساسة للغاية بالنسبة لجماهير تلك الدول.
ولذا فإن الأعمال المثيرة، مثل تلك التي قام بها "بن غفير"، تجعل مثل هذه الحكومات تخشى مشاركة أكبر مع تل أبيب.
وفي هذا الإطار، دانت الإمارات بشدة "اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى" ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى "وقف الانتهاكات الجسيمة والاستفزازية التي تحدث هناك". كما دانت دول خليجية أخرى الاقتحام، منها السعودية وقطر والكويت.
لم يفعل "نتنياهو" الكثير لإخفاء رغبته في أن تنضم السعودية، أكبر دول مجلس التعاون الخليجي وموطن أقدس المواقع الإسلامية، إلى اتفاقيات إبراهيم.
وبعد فوزه الانتخابي في أواخر عام 2022 ، انتشرت تقارير مفادها أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستحاول الحصول على دعم إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في إقناع الرياض بفوائد التقارب السعودي الإسرائيلي.
لكن بعد أن انتقد فريق "بايدن" تصرف "بن غفير" ووصف هبأنه "يحتمل أن يؤدي إلى تفاقم التوترات وإثارة العنف" ، فإن احتمالات إقامة الرياض لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل على المدى القريب أصبحت الآن أقل احتمالا.
لا طريقة للمضي قدمًا
ومن غير المرجح، في الوقت ذاته، أن تدفع تصرفات "بن غفير" الدول ذات العلاقات القائمة مع إسرائيل إلى قطعها بين عشية وضحاها، ومع ذلك فإن سلوك المواجهة المتزايد من اليمين المتطرف لإسرائيل يعني أن فكرة تعميق العلاقات الدبلوماسية من المحتمل أن يتم تأجيلها في الوقت الحالي.
إن دول الخليج تخشى إثارة غضب جماهيرها، لا سيما فيما يتعلق بقضية القدس الحساسة دينيًا، والتي تتجاوز القضية الفلسطينية.
كل هذا يمثل مشكلة لـ "نتنياهو"، ومن المرجح أن يتعرض لضغوط سياسية من شركائه اليمينيين في الائتلاف لدعم بناء المزيد من المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، وحتى ضم الأخيرة. ومن ناحية أخرى، يعلم "نتنياهو" أن أيًا من هذه السياسات ستقتل، على الأرجح، محاولاته للتواصل مع دول الخليج العربية، وستؤدي إلى توتر في علاقات تل أبيب بواشنطن والاتحاد الأوروبي.
لكن تبدو أولوية "نتنياهو" في تحصين نفسه بالأساس، إذ لا يزال رئيس الوزراء متهما بالفساد وربما يأمل في أن يتمكن، عبر بقائه في السلطة، من الحصول على حصانة من الملاحقة القضائية.
وهذا يعني أنه على الرغم من أن "نتنياهو" قد لا يوافق على جميع السياسات المتطرفة لـ "بن غفير" وأعضاء التحالف اليميني المتطرف الآخرين، إلا أنه سيتردد في كبح جماح هؤلاء الفاعلين بدافع الرغبة في حماية موقعه.
وإذا حدثت المزيد من هذه الأعمال والسياسات الاستفزازية، وهي نتيجة تبدو مؤكدة بشكل متزايد، فمن المرجح أن يفشل ذلك محاولات "نتنياهو" للتطبيع مع باقي دول الخليج العربية.
المصدر: الجزيرة