ما الدوافع والتداعيات.. سعوديون يؤسسون البرلمان الحجازي في لندن
أمام مقر السفارة السعودية في العاصمة البريطانية لندن، اجتمع عشرات المعارضين السعوديين في 2 فبراير/شباط 2023، وأعلنوا تدشين "البرلمان الحجازي" المناهض لولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان.
Table of Contents (Show / Hide)
وتلا البيان التأسيسي للبرلمان المعارض السعودي سلطان العبدلي، داعيا أبناء الأمة "لإيقاف الخطر العظيم على مقدسات المسلمين في أرض الحرمين الشريفين".
وعلى مدار سنوات يحاول المعارضون السعوديون كبح جماح السلطات، وكشف انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات غير الدستورية والمستبدة داخل المملكة.
وأطلقوا عدة مبادرات في الخارج بعدما استحالت عملية الإصلاح في الداخل، مثلما حدث قبل سنوات في 23 سبتمبر/أيلول 2020، بإعلان تشكيل حزب "التجمع الوطني".
وانطلق الحزب المذكور بهدف تأسيس المسار الديمقراطي كآلية للحكم في السعودية، وتجنب انزلاق البلاد إلى اضطرابات أو مسارات عنيفة.
وجاء إعلان تأسيس "البرلمان الحجازي، وسط ظروف صعبة، إذ يسيطر محمد بن سلمان على مقاليد الدولة بقسوة، وتلاحقه اتهامات بارتكاب جرائم عديدة.
أبرزها قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018، وهو الذي أصبح حدثا فارقا في تاريخ ولي العهد، وكيفية تعامل نظامه مع المعارضة.
البرلمان الحجازي
كان أول ما أشار إليه بيان البرلمان الحجازي المعارض، إقدام السلطات على هجمات ممنهجة لمحو آثار الإسلام من بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته وآل بيته الكرام وكل ما له علاقة بالرسول الكريم من مساجد وآبار وحصون، تحت دعاوى التجديد والتوسعة.
وذكر أن تلك الآثار مرتبطة ارتباطا عضويا وروحيا بالسيرة النبوية الشريفة، وفي المقابل تعمل المملكة على تجديد سوق عكاظ وطريق الفيل وآثار ما قبل الإسلام (في محاولة لمحوها).
وقال المعارض سلطان العبدلي: إن "مهمة البرلمان استرداد ما جرت إزالته من الآثار الشريفة التي دمرت، وتسهيل الحج للمسلمين الذين يمنعون من أداء مناسكهم والعبث بمقدساتهم دون رقيب أو حسيب".
وذكر العبدلي أن "مشروع الهدم والتهجير لأهالي الحجاز بحواضره وقبائله والاعتداء على ممتلكات القبائل التي تعود لآلاف السنين ونزع ملكيتها منهم خطر عظيم".
وشدد أن "ابن سلمان هجر أبناء جدة بحجة العشوائيات، وهناك ما يزيد عن مئة ألف ضحية لهذا التهجير، وفي مكة سيجري هدم أكثر من 100 حي وفي المدينة الآلاف سيهجرون".
ولفت إلى أن "الصهاينة يدخلون أخيرا إلى المسجد النبوي، ويتجولون في مكة البلد الحرام دون أن تتحرك الأمة لتوقف الخطر المحدق بالحجاز الشريف مهبط الوحي ومقام رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم".
واختتم أن "على الحجازيين بكل مكوناتهم وتنوعهم استنهاض أهلهم في الجزيرة العربية وأمتهم العربية والإسلامية والمسلمين في أنحاء العالم، لأن الوطن مهدد، ما لم نتحرك لإنقاذه وتحريره وجعل أمره بيد أهله، وإلا سوف نعض أصابع الندم" على حد تعبيره.
سلطان العبدلي
يرأس البرلمان الحجازي الجديد، المعارض السعودي سلطان العبدلي، المقيم في بريطانيا كلاجئ سياسي. وينتمي سلطان إلى أسرة "العبدلي" التي حكمت في الماضي أجزاء من اليمن والجزيرة العربية.
درس العبدلي أصول الفقه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم تعلم المحاماة وافتتح مكتبا له في المدينة.
كان نشطا في المجال السياسي، وله رؤى إصلاحية، وتأثر بتيار الإصلاحيين من الشيوخ أو ما يطلق عليه تيار الصحوة، بقيادة سلمان العودة، وسفر الحوالي وخالد الراشد، وجميعهم محتجزون في سجون المملكة حاليا.
العبدلي نفسه اعتقل قبل ذلك لمدة 7 أشهر في عام 2005، قبل أن يطلق سراحه، لكن مع صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد عام 2017، وجه ضربة لتيار الإصلاح ورموزه، واستطاع سلطان أن ينجو بنفسه.
ظهر العبدلي بوضوح وبرز دوره في القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي عقب حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وينضم إلى جانب العبدلي في تأسيس البرلمان الحجازي، خديجة الحسني (الأمين العام للبرلمان)، وكأعضاء مؤسسين كل من "عبد الرحمن راضي السحيمي، صالح محمد الدوسي، محمد الحربي، خالد محمد الجهني، عبد الله صالح عسيري، وصلاح القحطاني".
تهافت المعارضة
وليس البرلمان الحجازي بدعا من الحركات والأحزاب السعودية المعارضة التي تأسست في العقود الأخيرة كجبهات ضد ممارسات السلطة التعسفية.
ومن أبرز رموز المعارضة السعودية، سعد الفقيه، وهو مقيم في لندن منذ 1994، بعد أن أسس الحركة الإسلامية للإصلاح.
كما يعد أحد أبرز الناشطين الإسلاميين الإصلاحيين، الذين وقعوا على بيان المطالب في أبريل/نيسان 1991، ومذكرة النصيحة في يوليو/تموز 1992.
وبيان أبريل ومذكرة يوليو، خطابان جرى تقديمهما للملك الراحل فهد بن عبد العزيز، كدعوة للإصلاح السياسي بالمملكة ومحاربة الفساد.
وفي عام 1993 شارك الفقيه في تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية. وكان مصيره الفوري الاعتقال لشهر، في إطار سلسلة اعتقالات شملت بعض مؤسسي اللجنة وداعميها.
وجميعهم تعرضوا للتعذيب والفصل من وظائفهم بأمر ملكي، وإغلاق مكاتب محاماة بعضهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم والتشهير بهم إعلاميا ومنعهم من السفر.
وفي 23 سبتمبر 2020، أعلن عن تشكيل حزب "التجمع الوطني" بهدف تأسيس المسار الديمقراطي كآلية للحكم في السعودية، وتجنب انزلاق البلاد إلى اضطرابات أو مسارات عنيفة.
وأشار القائمون على الحزب أنه يعد أول تحرك سياسي منظم ضد السلطة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله الأمير محمد، مؤكدين أن منطلقاته وأهدافه تكشف عن وعي سياسي لحساسية المرحلة القادمة.
ومؤسسو الحزب هم الأكاديمية المعارضة مضاوي الرشيدي، الناشط الحقوقي أحمد المشيخص، الداعية الإسلامي سعيد بن ناصر الغامدي، رئيس منظمة القسط لحقوق الإنسان يحيى عسيري، إضافة إلى عبد الله العودة الباحث القانوني في جامعة جورجتاون ونجل الداعية المعتقل سلمان العودة، وأخيرا الناشط السياسي عمر الزهراني.
الأمير المنشق
الحركة المعارضة ضد النظام السعودي، لم تقتصر على المواطنين العاديين فقط، بل وصلت إلى أفراد من العائلة المالكة نفسها.
ففي سبتمبر 2019، أعلن الأمير السعودي المعارض المنشق واللاجئ في ألمانيا، خالد بن فرحان آل سعود، تأسيس حركة سياسية معارضة لتكون نواة للتحول السياسي إلى الملكية الدستورية.
وفسر موقفه عبر مقطع مصور أذاعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في 17 سبتمبر 2019، قائلا: "إن السعودية تشهد نظاما دكتاتوريا بوليسيا رجعيا، يتمسك بشخص الملك (سلمان بن عبد العزيز)، وسيتسبب النظام في انهيار المملكة يوما ما".
وطالب حينها ابن فرحان بتطبيق الملكية الدستورية، بحيث يظل أحد أفراد الأسرة الحاكمة منتخبا من مجلس الأسرة الحاكمة، ويكون رئيس الوزراء منتخبا من برلمان منتخب.
وذكر أن الملكية الدستورية ستسمح للمواطنين السعوديين بحكم أنفسهم وفي ذات الوقت تجري المحافظة على المملكة عن طريق الرمز المنتخب من مجلس الأسرة الحاكمة.
تلك المطالبات جعلت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يتحرك ضد الأمير المنشق، وفي الشهر ذاته، كشف أنه جرى استهدافه بخطة لإخفائه على شاكلة الصحفي جمال خاشقجي، وأن السلطات تستدرج المنتقدين باستمرار، بما في ذلك الأمراء إلى لقاءات لخطفهم.
وكان ابن فرحان قد ذكر في حوار مع صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2018، أن "سفارة الرياض طلبت منه مرارا وتكرارا أن يقدم اعتذارا للملك، وأن يتنازل عن لجوئه"، مؤكدا رفضه القاطع لهذا الأمر.
ورأى أن هذه الإجراءات جزء من حملة تصعيدية منتظمة من قبل ابن سلمان لإسكات منتقديه، قائلا: "السلطات السعودية أبلغتني أكثر من 30 مرة أنهم يريدون مقابلتي لكني كنت أرفض كل مرة. فأنا أعرف ما يمكن أن يحدث إذا ذهبت إلى السفارة".
ومن البرلمان الحجازي إلى لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، وحزب التجمع الوطني السعودي، ودعاوى خالد بن فرحان آل سعود والملكية الدستورية، تتسع دائرة المعارضة السعودية في الخارج، وتتشكل جبهات أكثر قوة وشراسة ضد محمد بن سلمان ونظامه.
المصدر: صحيفة الاستقلال