هل هو علامة على نقض السعودية تعهداتها المناخية.. مكعب الرياض
"نماذج غير مسبوقة تتحدى المفاهيم المعاصرة للتعمير".. هكذا وصف الباحث غير المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، والمحاضر في كلية الهندسة والتخطيط بجامعة كولومبيا، ياسر الششتاوي، مشروعات عملاقة، مثل "نيوم" و"ذا لاين" و"القدية" في المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أنها تنطوي على مشكلة بيئية أيضا.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر الششتاوي، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن هذه المشروعات، قيد الإنشاء، تتعرض لانتقادات متزايدها باعتبارها مظاهر للثروة النفطية والرغبة في التنافس مع المدن العالمية على حساب "الاستدامة".
وأحد المشروعات التي توضح هذا التناقض، بحسب الششتاوي، هو مشروع المكعب الجديد، وهو مخطط حديث لمنطقة وسط المدينة في الرياض يتمحور حول المكعب، وهو ناطحة سحاب مكعبة ضخمة.
فبينما حظي المكعب باهتمام كبير، يرى الششتاوي ضرورة إجراء تقييم موضوعي للمشروع، ومكانه في السياق الأوسع لـ "العمارة اليوتوبية" وأثرها البيئي، مشيرا إلى أن جميع دول الخليج العربية وضعت سياسات تعترف بمخاطر النمو الاقتصادي غير المنضبط من خلال إعطاء الأولوية للتنمية منخفضة الكربون.
وأضاف أن أحد الأمثلة على ذلك هو مدينة مصدر في أبو ظبي، والتي تم تصويرها على أنها أول مدينة خالية من الكربون في العالم، لكنها في النهاية لم تحقق طموحاتها النبيلة، مشيرا إلى أن الرؤى الوطنية الخليجية لدعم الاستدامة الاقتصادية غالبًا ما لا يتم تنفيذها.
وهنا يشير الششتاوي إلى أن عديد الدراسات أثبتت أن الشكل والتكوين المادي للمدن يؤثران بشكل مباشر على متطلبات الطاقة وكفاءة الموارد، ما يجعل التشكل الحضري (شكل وهيكلة المدن) عاملاً حاسماً للاستدامة العالمية.
فمدن مثل أبو ظبي بطبيعتها أقل كفاءة في استخدام الطاقة نظرًا لتطورها منخفض الكثافة، واستخدامها المكثف للمركبات الخاصة في النقل، وهو واقع ينعكس سلبا على التصنيفات البيئية. ففي عام 2019، احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثالثة في العالم من حيث معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد. وتعد الإمارات أيضًا واحدة من أكبر مستهلكي المياه للفرد في العالم.
بسبب ندرة المياه العذبة في المنطقة، تلبي الإمارات 90% من احتياجات مياه الشرب بعملية تحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي تعيد بقايا الملح إلى البحر، ما يزيد من ملوحة مياه البحر ويؤثر سلبًا على الحياة البحرية.
وإزاء ذلك، وضعت عديد الدول الخليجية أهدافًا طموحة لزيادة حصة المصادر المتجددة في مزيج الطاقة لديها، إذ تستهدف السعودية توليد 50% من طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وتهدف الإمارات إلى زيادة حصة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة لديها إلى 50% بحلول عام 2050، فيما تهدف عُمان إلى توليد 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
ويرى الششتاوي أن إعلان جميع دول الخليج عن التحول نحو الحلول التكنولوجية وإصلاحات السياسات لتشجيع الاستدامة البيئية يأتي جزئيًا استجابة للضغوط البيئية العالمية والإدراك المتزايد بأن نماذج الطاقة القديمة غير مستدامة.
ومع ذلك، جادل بعض العلماء بأن "رواية الاستدامة" في المنطقة يستخدمها القادة "لنقل صورة الحداثة والريادة التكنولوجية وفائض الرفاهية، وبالتالي تعزيز شرعيتهم وقوتهم" دون التزام حقيقي بالمعايير البيئية والتعهدات المناخية.
فبينما يسمح التركيز على التكنولوجيا للسلطات بالمطالبة بالالتزام بجدول أعمال الاستدامة البيئية العالمية، فإنه يتجاهل البعد الاجتماعي للاستدامة، وهو ما يصفه الششتاوي بـ "الغسيل الأخضر".
من كواكب أخرى
وأطلقت السعودية مشروع المكعب في فبراير/شباط الماضي بحملة إعلامية ضخمة، وتتميز خطط تصمميه الداخلي بإسقاطات ثلاثية الأبعاد لجعل مشاهديه يشعرون كما لو كانوا في حقائق وأوقات وأماكن مختلفة.
مركز المشروع عبارة عن برج حلزوني يتكون من شقق وفندق وطوابق مراقبة ومطاعم، وتم تصميمه ليكون محور منطقة وسط مدينة المربع الجديدة الضخمة.
ويفتخر مطورو البرج بأنه، مع حوالي 2 مليون متر مربع من المساحة الأرضية الداخلية، وارتفاع 1302 قدمًا، فإنه سيكون أكبر مبنى داخل المدينة في العالم.
وتتولى تنفيذ المشروع شركة تطوير المربع الجديدة، التي يرأسها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
ووصفت التقارير الإعلامية موقع المكعب بأنه وجهة مثالية، وزعم مقال، نشرته مجلة "فوربس" أنه سيكون "مكتملًا بالسيارات الطائرة والتجارب التي تنقل الزوار إلى كواكب أخرى"، مضيفًا أن المربع الجديد "يهدف إلى توسيع رقعة العاصمة السعودية لإيواء ما يقدر بـ 350.000 ساكن على مساحة 4695 فدانًا".
وسيضيف مشروع المربع الجديد ما يقدر بنحو 48 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة، ويخلق أكثر من 300 ألف فرصة عمل، حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".
والأهم من ذلك، أن المشروع سيولد إيرادات غير نفطية، وقد يجذب الاستثمار الأجنبي والدخل السياحي، ما يساعد على تعزيز استراتيجية رؤية 2030 لتخفيف اعتماد السعودية على عائدات النفط من خلال سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والصناعات المحلية.
ويخدم المشروع هدف رئيسي آخر لرؤية 2030، وهو زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي إلى مشروعات أخرى طموحة، مثل مدينة نيوم المستقبلية ومدينة "ذا لاين"، التي يبلغ طولها 100 ميل.
استدامة مفقودة بالتصميم
ويلفت الششتاوي إلى أن الاستدامة تقع في صميم رؤية 2030، على الرغم من كون السعودية واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، إذ تهدف المملكة إلى الوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية بحلول عام 2060 وتبنت تقنيات المناخ لتحقيق ذلك.
وتخطط شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو" لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط بمقدار مليون برميل يوميًا من مستويات مايو/أيار 2022 بحلول عام 2027، لكنها تستثمر أيضًا في التقاط الكربون وتخزينه، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا الهيدروجين، في محاولة لتلبية متطلبات الاستدامة.
وتتماشى هذه التطورات مع طموحات رؤية 2030 الأوسع لتسريع انتقال الطاقة بالمملكة وتحقيق أهداف الاستدامة ودفع موجة جديدة من الاستثمار.
لكن من الصعب التوفيق بين هذه الرؤية ومشروع المكعب في شكله الحالي، حسبما يرى الششتاوي، مشيرا إلى أن هكذا مشروعات ضخمة يمكن أن تؤثر سلبًا على البيئة، لا سيما من خلال استهلاك الموارد والانبعاثات.
فعلى سبيل المثال، بينما تهدف المبادرة السعودية الخضراء، جوهر أجندة الرياض للاستدامة، إلى تطوير المساحات الخضراء المفتوحة في المدن، سيكون المكعب مساحة ضخمة ومغلقة تحتاج إلى التبريد والإضاءة على مدار السنة، حسبما يؤكد الششتاوي.
وإضافة لذلك، فإن حجم المبنى سيستلزم توفير كميات هائلة من المياه بمنطقة تعاني من ندرة المياه أصلا.
كما سيؤدي بناء مثل هذا المشروع الضخم إلى توليد كمية كبيرة من النفايات، وسيؤدي نقل المواد أثناء البناء وتشغيل المبنى إلى إطلاق انبعاثات كربونية إضافية.
ورغم وجود استراتيجيات لمعالجة هذه المشكلات في المباني التقليدية، إلا أن نطاق المكعب غير المسبوق يمثل تحديا فريدا في مواجهة الاستراتيجيات التقليدية، حسب تقدير الششتاوي، مشيرا إلى أن "المكعب بالنسبة للرياض قد يكون مثل برج إيفل بالنسبة لباريس، ولكن ستكون هناك حاجة إلى تصميم أكثر استدامة".
ويقترح الششتاوي، في هذا الصدد، أن تكون تجربة المكعب مرتبطة بالبيئة الخارجية، وليست تجربة داخلية فقط، وبدلاً من رؤيته باعتباره مجرد وسيلة للاستثمار، يمكن اعتباره وجهة مبدعة للمقيمين والزائرين لتجربة مشاهدة الرياض من ارتفاعات وزوايا ووجهات نظر مختلفة.
كما يقترح الششتاوي أن تكون المساحات المحيطة بالمكعب بمثابة "قلب أخضر جديد للرياض"، بما يضفي الطابع الإنساني على البيئة المبنية في العاصمة السعودية ويوفر الراحة التي يحتاجها السكان من ضغوط العمل والحياة اليومية.