هل يجر نتنياهو المنطقة إلى “حرب كبرى” هرباً من التمزق الداخلي في إسرائيل؟
يخشى بعض المراقبين من أن يجر بنيامين نتنياهو المنطقة إلى حرب كبرى هرباً من أزمات إسرائيل الداخلية، التي تهدد بانهيار الائتلاف الحاكم، وهو ما قد يعني أن رئيس الوزراء سيجد نفسه خلف القضبان.
Table of Contents (Show / Hide)
إذ تعيش إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل تمريرها.
ونشر موقع The Daily Beast الأمريكي تقريراً يرصد تنامي حالة العداء بين إسرائيل ودول المنطقة منذ تولي الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية المسؤولية، حيث ازدادت الاستفزازات بحق الفلسطينيين، وكثفت تل أبيب من هجماتها على سوريا، إضافة إلى الحرب منخفضة المستوى مع إيران.
زيادة التوتر بين إسرائيل وكثير من دول المنطقة
وشهدت الأشهر الأخيرة تعزيزاً واضحاً للتحالفات وتنسيقاً غير مسبوق بين حركة حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله، وإيران، وسوريا، بحسب الموقع الأمريكي، في مواجهة الخطوات الفوضوية التي يتخذها الائتلاف اليميني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يكافح من أجل الإبقاء على سلطته في إسرائيل.
وأدى ذلك إلى تعاظم احتمالية اندلاع حرب محلية بسبب الاشتباكات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركات المقاومة الفلسطينية في غزة، إضافة إلى التوترات مع لبنان والاشتباكات مع حزب الله، والهجمات الجوية ضد سوريا، التي قوبلت مؤخراً بهجمات صاروخية نادرة استهدفت إسرائيل، مما يعني اشتعال الحدود المتعددة لإسرائيل.
وكان تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية قد تناول تأثير سياسات حكومة نتنياهو على علاقاتها الخارجية، وصف كيف أن إسرائيل تواصل إحراج حلفائها الإقليميين والدوليين، محذراً من أن تكون حكومة بنيامين نتنياهو سبباً في الإطاحة نهائياً باتفاقيات التطبيع، بعد أن خرج الغضب الإماراتي عن إطار السرية إلى العلن مؤخراً. وفي الوقت نفسه، تهدد السياسات القمعية والاستفزازية، التي تصر حكومة "السوابق" في إسرائيل على اتباعها بحق الفلسطينيين، بانفجار الأوضاع، وهو ما يضع الدول العربية التي وقَّعت ما يُعرف باتفاقيات أبراهام، أو طبعت علاقاتها مع تل أبيب، في مأزق حقيقي.
عساف أوريون، العميد الإسرائيلي المتقاعد، قال لموقع ديلي بيست الأمريكي إن "إسرائيل على الحافة وفي مواجهة الهاوية"، إذ يعتقد جيش الاحتلال أن الزيادة المشهودة في الهجمات محدودة المستوى رداً على الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع المسلمين ومقدساتهم، تبرهن على تزايد الوحدة بين عدد من الجماعات المسلحة وحركات المقاومة.
وتشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن الهجمات الصاروخية التي وقعت في الشهر الماضي وشُنَّت ضد إسرائيل عن طريق حماس من جنوب لبنان، وقعت حينما كان قائد فيلق القدس يستضيف مسؤولين بارزين من حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحزب الله في سفارة إيران ببيروت.
ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أنه نادراً ما تعاون المحور المُعادي لإسرائيل تعاوناً مباشراً للغاية في الماضي، وقال أوريون، الباحث الكبير في معهد الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن إسرائيل غارقة في الوقت الحالي في موقف غير مسبوق ومحفوف بالمخاطر، وهذه المواجهات قد تتصاعد وتتحول إلى صراع.
وأوضح في حديثه مع موقع The Daily Beast: "كلما زاد عدد الوكلاء الذين يملكون ترسانات أسلحة أكبر ويتواصلون معاً عن قرب وينسقون فيما بينهم، تزيد الفرص. ثمة تقييم متنامٍ بأن المسرح على حافة حريق واسع النطاق، ويتضمن ذلك احتمالية امتداده إلى أراضي إسرائيل".
إلى أين تتجه الأمور في إسرائيل؟
خلال الأشهر القليلة الماضية، أدت الاستفزازات الإسرائيلية إلى وقوع عدد من الصراعات العابرة للحدود مع حزب الله في لبنان وحركة الجهاد الإسلامي في غزة، كما نفذت إسرائيل في الوقت ذاته أيضاً عدداً من الهجمات على الأراضي السورية، لاستهداف ما تقول إنها ميليشيات إيرانية في سوريا، دون الاعتراف رسمياً بتلك الهجمات.
قال أوريون: "يبدو أن الرغبة في المناوشات والتحديات تتزايد؛ لأننا في الشهرين الماضيين شاهدنا أيضاً حزب الله ينفذ هجمات بعبوات ناسفة في إسرائيل".
وزعم أوريون للموقع الإخباري الأمريكي أن إيران تنفذ هجمات منخفضة المستوى عبر وكلائها، حزب الله في الشمال والميليشيات الإيرانية المستقرة في سوريا، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة والضفة الغربية، عن طريق إمدادها بالأسلحة والتمويلات.
قال عميد متقاعد آخر في الجيش الإسرائيلي، وهو أودي ديكل، في الشهر الماضي إن التصعيد الأخير "يبرهن على تقارب محور المقاومة الفلسطينية، الذي يعتمد على حماس والجهاد الإسلامي، مع محور إيران-حزب الله".
وقال ناصر هديان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، في حديثه مع موقع The Daily Beast إن طهران كانت تبني وجودها في سوريا ولبنان عن طريق تعزيز العلاقات مع الجماعات الفلسطينية في الخارج، كي تؤسس "حزام ردع ناجع" حول إسرائيل.
وأوضح: "تعرف إسرائيل أن هذا الحزام عندما يكتمل سوف يكون من الصعب للغاية مهاجمة إيران. الوجود (الإيراني) في سوريا ولبنان هو موقف دفاعي إلى حد كبير، ويمنع ليس الإسرائيليين فحسب، بل الأمريكيين بالتبعية، من تنفيذ عمل عسكري ضد إيران".
لماذا يتحدون لمهاجمة إسرائيل الآن؟
يرتبط توقيت موجة الهجمات الحالية ارتباطاً، يراه البعض جزئياً بينما يراه البعض الآخر ارتباطاً كلياً، بالحكومة الإسرائيلية المتشددة وقدرتها على توحيد الجماعات الإسلامية حول المنطقة.
قال هديان: "يجب على الإسرائيليين أن يعرفوا أنهم إذا كانوا سيهاجمون الفلسطينيين ويواصلون الاحتلال، سيكون هناك انتقام".
اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 عقب جولة استفزازية لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون في باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، في حين أن الانتهاكات العنيفة التي ترتكبها قوات الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك اجتياح المسجد الأقصى في 2021، كانت شرارة اندلاع هجوم عسكري مع غزة استغرق 11 يوماً.
وفي السياق نفسه، كانت صحيفة The New York Times الأمريكية قد نشرت تقريراً يرصد كيف أن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تزيد من خطر التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، ووضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاستيطان في طليعة ملفاتها المهمة منذ نيلها ثقة الكنيست الذي يسيطر عليه اليمين واليمين المتطرف، في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وتسبب بن غفير أيضاً في تفاقم التوترات مؤخراً، عندما انضم إلى مسيرة استفزازية لليمينيين الإسرائيليين المتطرفين في الحي الإسلامي بالبلدة القديمة في القدس للاحتفال بيوم القدس، وهو احتفال إسرائيلي لإحياء ذكرى احتلال القدس الشرقية في عام 1967.
ويسعى الفلسطينيون إلى جعل القدس الشرقية المحتلة عاصمة دولتهم في المستقبل، ويتهمون إسرائيل بتهويد القدس عن طريق تشجيع المستوطنات اليهودية غير القانونية في المدينة، بالتزامن مع فرض قيود على الفلسطينيين الراغبين في البناء.
خلال حديثه مع موقع The Daily Beast، قال الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إنهم سيردون دائماً على استفزاز إسرائيل. وأوضح: "ثمة طريقة واحدة لإيقاف المقاومة، وهي إنهاء الاحتلال وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي".
كذلك يعد توقيت الهجمات الموحدة ضد إسرائيل نتيجةً للصراعات الداخلية في إسرائيل، التي تراها الدول المجاورة المعادية لإسرائيل نقطة ضعف لديها.
إذ إن الاحتجاجات التي استمرت لأشهر، من جانب الإسرائيليين الذين يدينون حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتطرفة والانقلاب على النظام القضائي، انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وتُتهم فيها قوات الأمن الإسرائيلية باستخدام القوة المفرطة لتفريقها.
وقالت مصادر داخلية في الجيش الإسرائيلي للموقع الأمريكي إن حزب الله قرر أنه قادر على تعزيز قوته في مواجهة إسرائيل عن طريق وضع قواعد جديدة للعبة عند الحدود الشمالية، مع البقاء في الوقت ذاته دون عتبة التصعيد إلى الحرب.
كذلك تزيد إيران دعمها للوكلاء المؤيدين لفلسطين بعد سنوات عديدة من معاناتها من الهجمات العسكرية الإسرائيلية المنتظمة ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا، فضلاً عن الاغتيالات، التي طالت عدداً من الخبراء النوويين والعسكريين الإيرانيين رفيعي المستوى.
قال سفير إيران السابق لدى جنوب إفريقيا، جافيد غربانوغلي، إن هذه الهجمات الإسرائيلية كانت أعمالاً عدوانية ضد بلد مستقل وذي سيادة، لكنه أوضح أن طهران لا تزال تريد تجنب صراع مباشر مع إسرائيل، وذلك في حديثه مع موقع The Daily Beast. وأوضح: "كانت إيران متأنية حتى الآن ولم تنتقم. أعتقد أن إيران لا تريد أن تقع في هذا الفخ".
الخلاصة هنا هي أنه في الوقت الحالي، يستمر القتال البعيد عن دائرة الضوء، ولكن ربما تكون مسألة وقت فقط قبل أن يتمخض عن الهجمات منخفضة المستوى صراعٌ أشد فتكاً وخطورة.
المصدر: عربي بوست