ما وراء التقارب بين مصر وإيران.. طموح اقتصادي وتراجع أمريكي
قال الدكتور جودت بهجت، باحث متخصص في الدراسات الاستراتيجية، إن مصر وإيران تبذلان جهودا لتطبيع العلاقات بينهما بعد عقود من التوترات، ضمن جهود لخفض التصعيد في الشرق الأوسط، وهي ضرورة تفرضها أزمات وطموحات اقتصادية إقليمية إضافة إلى التصور بشأن تراجع التزام الولايات المتحدة بالمنطقة لصالح مواجهة الصين وروسيا.
Table of Contents (Show / Hide)
ومن أبرز أسباب التوترات بين القاهرة وطهران، علاقة الرئيس المصري أنور السادات (1970-1981) الوثيقة بشاه إيران رضا بهلوي، إذ رحب به في مصر بعد أن أطاحت به الثورة الإيرانية عام 1979، إضافة إلى توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في العام السابق، ودعم القاهرة لبغداد في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988).
وتابع بهجت، في تحليل بـ"منتدى الخليج الدولي" (Gulf International Forum)، أنه لا ينبغي أن يُنظر إلى التطبيع المحتمل للعلاقات بين القاهرة وطهران بمعزل عن التغييرات الأخيرة الأخرى بالشرق الأوسط، وفي ظل صعوبات اقتصادية التي يعاني منها البلدان وخطط اقتصادية في دول أخرى، لاسيما دول الخليج العربي الغنية بالنفط.
واعتبر أن "هذا التقارب سيكون أحدث علامة على موجة خفض التصعيد في أنحاء المنطقة، ففي السنوات القليلة الماضية، قرر العديد من أبرز الخصوم تغيير المسار، والتخلي عن منافسات مستمرة منذ عقود والسعي إلى بذل جهود مشتركة لتحديد وتوضيح مشهد استراتيجي جديد".
وتابع بهجت: "هناك قوتان على الأقل وراء تلك التغييرات الرئيسية، أولا، على مدى عقود تحدث القادة العرب بعبارات كبيرة عن تقليل اعتمادهم على عائدات النفط وتنويع اقتصاداتهم، وفي مواجهة أزمة المناخ المتزايدة والقدرة التنافسية المتزايدة لمصادر الطاقة المتجددة الخضراء، أصبحت هذه الكلمات أخيرا خطيرة.
و"هناك إجماع عالمي متزايد على أن تحول الطاقة أمر لا بد منه، وبالفعل تجاوزت الاستثمارات في الطاقة المتجددة نظيرتها في النفط والغاز الطبيعي. من المرجح أن تظل حصة النفط في مزيج الطاقة العالمي مهيمنة في السنوات القادمة، لكن من الواضح أن عصر النفط يقترب من نهايته"، وفقا لبهجت.
واستطرد: "ردا على ذلك، ينفذ العديد من دول الشرق الأوسط برامج جريئة للإصلاح الاقتصادي، ومن أجل جذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع القطاع الخاص، توجد حاجة لإنهاء النزاعات الإقليمية".
الدبلوماسية والحوار
أما "السبب الثاني وراء موجة خفض التصعيد هذه فهو تصور، سواء صواب أو خطأ، أن الولايات المتحدة أقل التزاما بالشرق الأوسط وأكثر تركيزا على تنافسها مع الصين (في منطقة المحيطين الهندي والهادئ) وروسيا (في ظل حربها المستمرة في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022)"، بحسب بهجت.
وأردف: "عارض كبار المسؤولين الأمريكيين هذا التصور، وأصروا على أن واشنطن بحاجة إلى الحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط للحفاظ على استقرار أسواق السلع ودعم حلفائها".
واستدرك بهجت: "لكن الفحص الدقيق للتقارب الأخير بين الخصوم السابقين (السعودية وإيران بوساطة الصين في مارس/ آذار الماضي) يشير إلى أن القادة الإقليميين قرروا أن يتولوا مسؤولية مستقبلهم".
وتابع: في السنوات الثلاث الماضية، استعادت إيران العلاقات مع الإمارات والسعودية، وأنهت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا تجاريا لقطر بين 2017 و2021، وأعاد العالم العربي العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى حد كبير.
واستطرد: "وأقامت إسرائيل علاقات مع العديد من دول الخليج والشرق الأوسط عبر اتفاقيات إبراهيم، فيما حسّنت تركيا علاقاتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل".
واعتبر بهجت أن "تلك التطورات تشير إلى أن العديد من القادة الإقليميين يعتقدون الآن أن الدبلوماسية والحوار من المرجح أن تجلب السلام والاستقرار والازدهار أكثر من الحروب بالوكالة والصراعات".
السلام والاستثمار
و"مصر وإيران قوتان إقليميتان رئيسيتان يبلغ عدد سكانهما معا نحو 200 مليون نسمة، ومن المؤكد أن التقارب بينهما سيساهم في السلام الإقليمي والتجارة والاستثمار"، كما أضاف بهجت.
وتابع: "على الرغم من العقوبات الأمريكية المستمرة منذ عقود، لم تكن إيران معزولة تماما. وعلى عكس أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الدول العربية أقل قلقا بشأن برنامج إيران النووي وأكثر قلقا تجاه سياستها الإقليمية".
وتتهم عواصم عربية وإقليمية ودولية طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها اليمن ولبنان وسوريا والعراق، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.
وبحسب بهجت "يبدو أن القادة العرب، بمن فيهم المصريون، قرروا محاولة الانخراط في علاقات بدلا من المواجهة، وسيستغرق الأمر بعض الوقت لمعرفة ما إذا كان هذا النهج الجديد سيعمل أم لا كما تنوي القاهرة وطهران ذلك".
واستدرك: "لكن تجربة العقود الماضية تظهر أن المواجهة لم تنجح، بل أدت إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي والتدهور الاقتصادي. حاليا، قرر العديد من قادة الشرق الأوسط خفض التصعيد والانخراط في محادثات لتسوية خلافاتهم، ويعد التقارب بين القاهرة وطهران خطوة مهمة في هذا الاتجاه".