كرة القدم في السعودية لعبة جيوسياسية ودينية.. ليست رياضة فقط
يدور الابتهاج بشراء لاعبي كرة القدم العالميين من قبل أندية رياضية في السعودية، حول أكثر من مجرد البعد الرياضي وتنويع اقتصاد المملكة، بل يتعلق أيضًا بالجيوبولتيك والأبعادٍ الدينية التي تحظى بها المملكة، على الأقل بالنسبة لبعض كبار اللاعبين في العالم الذين ينتقلون إلى أندية سعودية.
Table of Contents (Show / Hide)
هكذا تحدث تقرير لموقع "مودرن دبلوماسي"، وترجمه "الخليج الجديد"، عن الانتقالات الأخيرة رفيعة المستوى إلى الدوري السعودية، وعلى رأسهم كريم بنزيمة لاعب ريال مدريد، ونغولو كانتي وكاليدو كوليبالي لاعبا تشيلسي، وسيكو فوفانا لاعب ليون، وموسى ديمبيلي ورياض محرز لاعبا مانشستر سيتي.
ومن المؤكد أن رسوم الانتقال والرواتب المغرية هي محرك رئيسي.
ولكن بالنسبة للاعبين المسلمين، يلعب التقارب الديني مع السعودية، بلاد أقدس مدينتين في الإسلام، مكة والمدينة، دوراً أساسياً في قراراتهم كذلك.
وكذلك تلعب الهجمات الثقافية الأوروبية التي تغذي المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين والسود، هي دافع قوي في تحرك اللاعبين المسلمين وغير المسلمين من الملونين بعيداً عن الملاعب الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الأندية الأوروبية سجلاً مختلطًا في تلبية الاحتياجات الدينية للاعبين المسلمين، مثل الصيام خلال شهر رمضان وأوقات الصلاة اليومية.
وقد يرقى نزوح اللاعبين المسلمين وغير المسلمين المتدينين إلى نوعٍ من رد فعل عنيف ضد سعي بعض الدول الغربية لنشر ثقافة مجتمع الميم (الشواذ) من خلال رياضة كرة القدم، والذي يرفضها البعض بشكلٍ خاص باعتبارها تتعارض مع عقائدهم ومبادئهم.
وكان بنزيمة قال إنه قرر الانتقال إلى نادي الاتحاد السعودي "لأنني مسلم وهي دولة مسلمة.. لطالما أردت العيش هناك.. الأهم من ذلك، إنها دولة مسلمة، إنها بلد محبوب وجميل".
وعلى موقع شبكة تلفزيون "العربية" المملوكة للسعودية، أكد المحلل الرياضي البحريني عمر العبيدلي، أن "أي شخص مسلم يمارس شعائر دينه أو شخص غير أبيض يعيش في أوروبا سوف يفهم على الفور أن الأمر على الأرجح لا يتعلق بالمال فقط".
وأضاف: "لكي نكون واضحين، فإن ملايين الدولارات المعروضة لانتقال اللاعبين هي بالتأكيد عامل رئيسي.. ومع ذلك، فإن مزيجًا من الغطرسة والجهل يجعل الغربيين البيض العلمانيين الذين يهيمنون على كرة القدم الأوروبية، بما في ذلك وسائل الاعلام الرياضية، يقللون من شأن جاذبية السعودية للاعبين البارزين في مجال الرياضة الأشهر في العالم".
وتابع العبيدلي: "هذا لا يعني أن المملكة خالية من العنصرية، ومع ذلك، فإن نظرة سريعة على أعضاء المنتخب الوطني السعودي ورحلة سريعة عبر المسجد الحرام في مكة، يشيران بوضوح إلى أن من غير المرجح أن يتعرض السود لنوع الكراهية اللاذعة التي أصبحت شائعة بشكلٍ متزايد في أوروبا".
ووفق التقرير، ربما يكون العبيدلي محقاً في وجهة نظره، على الرغم من تساءل النقاد عن سبب عدم بحث اللاعبين الكبار عن أماكن أكثر تناغمًا وأكثر ملاءمة ثقافيًا لهم قبل هذا الوقت، حتى لو كانت فرص اللعب هناك أقل جاذبية في الماضي.
ومن المحتمل أن تكون الإجابة على ذلك ذات أبعادٍ عدة، فالسعودية أصبحت مكاناً مختلفاً منذ أن أدخل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إصلاحات اجتماعية بعيدة المدى عززت بشكلٍ كبير الفرص المهنية والاجتماعية للمرأة، وبدأت بتقليص الضوابط القاسية للفصل بين الجنسين، وأدخلت أنشطة ترفيه على النمط الغربي إلى البلاد في ثورة اجتماعية غير مسبوقة في تاريخها.
علاوة على ذلك، فإن طموحات بن سلمان الرياضية، وهي جزء من خطط التنويع الاقتصادي المصممة لتقليل اعتماد المملكة على صادرات النفط، تجعل السعودية مكانًا مثيرًا للعب كرة القدم.
ووفق تقرير "مودرن دبلوماسي"، فإنه إذا نجحت خطط بن سلمان في تحويل دوري المحترفين السعودي إلى أحد أكبر خمس بطولات دوري في العالم، فإن كرة القدم ستعزز مكانة المملكة كقوة رئيسية في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تتمتع فيه القوى المتوسطة باستقلالية استراتيجية أكبر.
ومع وجود لاعبين مسلمين يملؤون صفوف أندية سعودية ناجحة، فإن ذلك سيعزز أيضًا موقع المملكة في المنافسة على القوة الناعمة الدينية في العالم الإسلامي.
ومن شأن ذلك كذلك أن يعزز محاولة المملكة العربية السعودية لتحديد ما يمثله الإسلام في القرن الحادي والعشرين.
يشار إلى أن رياضة كرة القدم اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منذ أن أدخلتها بريطانيا وفرنسا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ولعبت الرياضة الأكثر شعبية في المنطقة منذ ذلك الحين دورًا رئيسيًا في النضالات المناهضة للاستعمار والاحتجاجات المناهضة للحكومات بعد فترة الاستعمار.
كما لعب مشجعو كرة القدم المتشددون دورًا حيويًا في الانتفاضات التي أطاحت بقادة تونس ومصر وليبيا واليمن، وحاولت السعودية في البداية إلى إبعاد نشاطات كرة القدم في البلاد عن تأثيرات الربيع العربي الذي بدأ عام 2011.
وكانت التعليمات التي صدرت للمستشارين الإسبان، الذين تم استقطابهم للعمل في المملكة قبل تسلم بن سلمان ولاية العهد، هي تطوير أول استراتيجية رياضية وطنية في السعودية، مع التركيز على الرياضات الفردية بدلاً من الرياضات الجماعية.
وربما كان أحد أهداف تقليل التركيز على الرياضات الجماعية، هو الحد من احتمالية تحول كرة القدم لمجال لبث أفكار لا تتقبلها الحكومة.
وطالبت صفحة لبعض أنصار نادي النصر السعودي على "فيسبوك"، بعنوان "الثورة النصراوية" في عام 2013 باستقالة رئيس نادي النصر الأمير فيصل بن تركي، ابن أخ الملك سلمان بن عبدالعزيز.
تم نشر مقطع فيديو على موقع يوتيوب يبين ركض الأمير فيصل بن تركي خارج ملعب كرة القدم، بعد أن دفع بوقاحة مسؤولاً أمنياً جانباً.
وجاءت الحملة ضد الأمير فيصل بن تركي في أعقاب الاستقالة غير المسبوقة في عام 2012، من قبل الأمير نواف بن فيصل، وهو حفيد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، كرئيس للاتحاد السعودي لكرة القدم، وهو أول فرد من العائلة المالكة تجبره ضغوط الجماهير الرياضية على القيام بذلك.
وأدت استقالة الأمير نواف بن فيصل، إلى انتخاب اللاعب السابق أحمد بن عيد الحربي رئيساً للاتحاد السعودي لكرة القدم، وهو من عامة الشعب، في بلدٍ لا توجد فيه انتخابات.
ويُنظر إلى الحربي على نطاق واسع على أنه "إصلاحي وداعم لكرة القدم النسائية".
ويبدو أن إصلاحات بن سلمان الاجتماعية، وفق التقرير، قد عززت الثقة ورفعت من مستوى الطموح الجامح في البلاد لتحسين فرصها في النجاح الرياضي مقارنة بالمحاولات التي قامت بها بعض الأندية السعودية في سبعينيات القرن الماضي لاستقطاب بعض أفضل لاعبي العالم من البرازيل.
وتلقى روبرتو ريفيلينو في ذلك الوقت، مثل كريستيانو رونالدو، أول نجوم كرة القدم الذين انتقلوا إلى المملكة هذا العام، ترحيبًا كبيرًا عندما وصل إلى المملكة على متن طائرة كونكورد ليلعب مع نادي الهلال قبل 45 عامًا.
وكان في استقبال ريفيلينو في المطار آلاف المشجعين وهم يلوحون بالأعلام، وتم نقله في سيارة رولز رويس إلى أحد أفخم الإقامات الملكية، وتم تكريمه بمأدبة فخمة ضمت أنواعاً كثيرة من المأكولات الشهية حضرها أفرادٌ من العائلة الحاكمة السعودية.
وكان حكام السعودية آنذاك، مثل الآن، يأملون في أن تعزز كرة القدم الهوية الوطنية للسعوديين.
كما كان التنافس الجيوسياسي كامنًا في خلفية الصراع في المنطقة في ذلك الوقت أيضًا، على الرغم من أن الشاه كان لا يزال يحكم إيران، إلا أن حكام السعودية لم يستسيغوا أن تكون إيران، منافسة المملكة في المنطقة، هي الدولة الوحيدة التي تتأهل لكأس العالم 1978 ممثلة لقارة آسيا.
وقطع السعوديون شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين، حيث تأهلوا لعدة نهائيات لكأس العالم، وهزموا الأرجنتين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في دورة كأس العالم الأخيرة التي نظمتها قطر.
وعلى عكس عام 1978، لا تسعى السعودية إلى تحقيق طموحات كرة القدم بمعزل عن غيرها من الأمور الملحة.
وتعتبر فورة استقدام اللاعبين اللامعين جزءاً من برنامج إصلاحٍ شاملٍ للبلاد.
ويُعزز ذلك فرص المملكة في تحقيق النجاح في كرة القدم، لكنه يجعلها تعتمد على قدرة بن سلمان على تنفيذ إصلاحاته الاقتصادية الأوسع نطاقًا بنجاح.
ويختتم التقرير بالقول: "لازال هناك مسار بعيد ووقت طويل كي نرى ما يتحقق على أرض الواقع".