فماذا تفعل واشنطن.. انعطافات قومية صعبة في الرياض وأبوظبي
تشهد كل من السعودية والإمارات "انعطافات قومية محلية صعبة" تهدد باندلاع صدام بين أكبر اقتصادين في مجلس التعاون الخليجي، وتثير تساؤلات بشأن موقف واشنطن حيال إعادة هيكلة الحكم في الرياض وأبوظبي وإبراز نفوذهما في الخارج بما يتعارض مع مصالح وقيم الولايات المتحدة.
Table of Contents (Show / Hide)
تلك القراءة قدمها جون هوفمان، وهو محلل للسياسة الخارجية في معهد "كاتو" بواشنطن العاصمة، عبر تحليل في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية (Foreign Policy) ترجمه "الخليج الجديد".
وتابع أنه "على غرار (ولي العهد السعودي الأمير) محمد بن سلمان، استخدم (رئيس الإمارات الشيخ محمد) بن زايد العسكرة لدعم البرنامج القومي، حيث خصص عطلات مثل "يوم الشهيد"، لتكريم العسكريين الإماراتيين القتلى، مع الإشراف أيضا على زيادة ملحوظة في الإنفاق الدفاعي وصعود الإمارات كقوة إقليمية رئيسية".
وأردف أن "بن سلمان وبن زايد يشرفان على محاولة إعادة الهيكلة الاقتصادية لبلديهما نحو مستقبل مستدام ما بعد النفط (...) وتعتبر مبادرتي رؤية 2030 الجديدة في الرياض وأبوظبي الأساس الاقتصادية لترسيخ السعودية والإمارات كمراكز اقتصادية رئيسية في الشرق الأوسط وأسواق مربحة لرأس المال الدولي".
و"لتحقيق ذلك، عرض البلدان صورا دولية للحداثة والتقدم والاستقرار على أمل حشد الدعم والاستثمار الأجنبي، وشمل ذلك جهودا للترويج للسياحة، ومغامرات في الرياضات العالمية، واستضافة مؤتمرات قمة استثمار دولية، ومبادرات دينية دولية مختلفة تصور هؤلاء الفاعلين على أنهم من دعاة ما يسمى بالإسلام المعتدل"، بحسب هوفمان.
واستدرك: "على الرغم من المبادرات الاقتصادية، لا تزال عائدات النفط ذات أهمية قصوى للرياض وأبوظبي، ويحتاج بن سلمان وبن زايد إلى المال من أجل هذه المخططات القومية، لكن لا تزال اقتصاداتهما، وخاصة السعودية، تعتمد بشدة على النفط".
الربيع العربي
و"تماشيا مع هذه الانعطافات المحلية نحو القومية، قادت الرياض وأبوظبي الثورة الإقليمية المضادة خلال 13 عاما بعد انتفاضات الربيع العربي (أطاحت بأنظمة عربية حاكمة)، إذ تدعمان جهات لعرقلة الحركات التي تتحدى الوضع الراهن السائد في الشرق الأوسط"، كما أضاف هوفمان.
وزاد بأن "بن سلمان وبن زايد أطلقا حملة عسكرية في اليمن عام 2015 (لدعم الحكومة الشرعية في مواجهة قوات جماعة الحوثي المتمردة المدعومة من إيران)؛ مما أسفر عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم ومقتل أكثر من 377 ألف شخص، كما قاد بن سلمان وبن زايد حصارا جويا وبريا وبحريا لقطر (بزعم دعمها للإرهاب) بين 2017 و2021 تضمن، بحسب ما ورد، خططا لعملية عسكرية ردعتها الولايات المتحدة".
وتابع أن "الرياض وأبوظبي وسعتا بشكل كبير علاقاتهما الاستراتيجية مع تل أبيب، إذ قامت الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في 2020".
ولا ترتبط السعودية بعلاقات رسمية معلنة مع إسرائيل، وتشترط على الأخيرة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.
هوفمان استطرد: "وسعت السعودية والإمارات إلى توسيع وجودهما الاستراتيجي خارج مناطق عملياتهما التقليدية، وتحديدا في أماكن مثل شرق البحر الأبيض المتوسط والقرن الأفريقي، وحققتا نموا كبيرا في العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع روسيا والصين".
ولفت إلى أن "الرياض وأبوظبي امتنعتا عن الانحياز لأي طرف في الغزو الروسي لأوكرانيا (منذ 24 فبراير/ شباط 2022)، وتستمران في التنسيق مع موسكو بشأن إنتاج النفط؛ ما يتعارض مع سياسة واشنطن، كما ترفضان حتى الآن فرض عقوبات على روسيا".
وأفاد بأن "الصين عززت علاقاتها الاقتصادية مع السعودية والإمارات وأصبحت أكبر شريك تجاري ومستهلك رئيسي للنفط لكل من الرياض وأبوظبي، فيما زادت الاستثمارات بين السعودية والإمارات والصين بشكل كبير، وتعززت العلاقات في مبيعات الأسلحة".
قوميات متنافسة
هوفمان اعتبر أنه من الأمور الحاسمة لنجاح هذه الانعطافات القومية المحلية هو "ما إذا كان بن سلمان وبن زايد قادرين على إبراز أنفسهما محليا على أنهما أفضل الضامنين للمصالح الوطنية".
وحذر من أنه "يمكن للقومية الشديدة أن تولد بسهولة قوى خارجة عن سيطرة الدولة، وإذا فشل بن سلمان وبن زايد فربما تستهدفهما القوى القومية ذاتها التي يشجعانها بنشاط".
وأردف: "على الرغم من الاتجاه الإقليمي الحالي نحو خفض التصعيد، إلا أن انعدام الثقة الكامن والتوترات الجيوسياسية بين السعودية والإمارات ومنافسيهما الإقليميين يمكن إعادة إشعالها بسهولة".
ومضى هوفمان قائلا إن "القوميات المتنافسة بين السعودية والإمارات أصبحت أكثر علنية بشكل متزايد، إذ يسعى كل من بن سلمان وبن زايد إلى ترسيخ أنفسهما كجهات فاعلة مهيمنة في الخليج والشرق الأوسط بشكل عام".
وشدد على أن "المنافسة على الاستثمار الأجنبي وإنتاج النفط والمخاوف الاستراتيجية في أماكن مثل اليمن والسودان أدت إلى تعميق الخلاف بين الرياض وأبوظبي".
"شيك على بياض"
والطريقة التي تختارها الولايات المتحدة، بحسب هوفان، للرد على مثل هذه التطورات "ستكون حاسمة، فالأهداف المتباينة بين أمريكا والسعودية والإمارات يجب أن تثير تساؤلات حول سياسات "الشيك على بياض" التي اتبعتها واشنطن تجاه البلدين".
وتساءل: "لماذا يجب أن تستمر الولايات المتحدة في دعم أمن بن سلمان وبن زايد بينما يسعيان إلى إعادة هيكلة حكمها محليا، مع إبراز نفوذهما في الخارج؟".
هوفمان استدرك: "ومع ذلك، يبدو أن إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن عازمة على مضاعفة دعمها للسعودية والإمارات، وفشلت في الاعتراف بالسياقات الإقليمية والدولية المتغيرة".
وقال إنه "بحسب ما ورد، يفكر بايدن في توقيع اتفاق أمني مشترك مع السعودية مقابل تطبيعها العلاقات مع تل أبيب، ويأتي ذلك في أعقاب تقارير تفيد بأن واشنطن قدمت مسودة اتفاقية دفاع رسمية إلى أبوظبي في يوليو/ تموز 2022".
وبدلا من التكيف مع الحقائق الجديدة، تخاطر إدارة بايدن بوقوع الولايات المتحدة في شرك الضامن الأمني لحكام لا يشاركونها مصالحها أو قيمها، كما ختم هوفمان.