لم يكن هو الوحيد من علّق على هذا النحو، فهذا النوع من الأسئلة المشكّكة الساخرة تملأ فضاء منصات التواصل الاجتماعي: هل ستتحرّر فلسطين بالكلمات والقصائد والروايات؟ هل ستنجح الأغاني في إنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض؟ وما قيمة الحبر إزاء أنهار الدم المسال في شوارع غزّة؟
يشكّك كثيرون في أهمية الكتابة والفنون بحسم نتيجة الحرب الشعواء التي تشنّ على غزّة وفلسطين كلها منذ احتلالها، وغالبا ما يتحوّل التشكيك الى نوع من السخرية تجاه من يحاولون المساهمة، ولو بشقّ كلمة، تحفيزا للفلسطينيين، ورفعا لمعنويّاتهم، وتذكيرا للعالم بما يجري من وجهة نظر أصحاب الأرض والحقّ والدم.
لكن علينا ألا نخضع لهذا النوع من التشكيك الساخر الذي أصبح يتّخذ لنفسه أشكالا وألوانا بقصد أو بغير قصد. فالمعركة الآن، رغم قدسية الدم وفداحة الموت، هي معركة إعلام، يربحها غالبا من ينجح في إقناع العالم بوجهة نظره!
والساحة الإعلامية لم تعُد حكرا على من يملك النفوذ السياسي والاقتصادي، فوسائل التواصل حوّلت كل من يملك حسابا فاعلا فيها إلى إعلامي حقيقي يستطيع المساهمة قدر استطاعته في إقناع من يصل إليه بكلماته وصوره ومنشوراته من خلال ما يلي:
أولا، نشر الحقائق: يعاني الشعب الفلسطيني من تشويه إعلامي وتضليل في وسائل الإعلام العالمية. من خلال النشر، يمكن للمدافعين عن قضية فلسطين نشر الحقائق وكشف الأكاذيب والتلاعب الإعلامي الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني.
ثانيا، توثيق الانتهاكات: يساعد النشر في توثيق الانتهاكات التي يتعرّض لها الفلسطينيون في ظروف الحصار والاحتلال، ومن خلال نشر الشهادات، والتقارير، والمقالات، والمقاطع، والصور، يمكن توثيق الجرائم والانتهاكات وإحضارها إلى الضوء العام دائما.
ثالثا، صناعة التأثير الإنساني: بواسطة الكتابة المؤثّرة، يمكن توجيه الانتباه إلى المعاناة الفلسطينية وهي معاناة حقيقية وتاريخية، والدعوة إلى التضامن والعمل من أجل إنهاء الظلم واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
رابعا، تعزيز التضامن الدولي: يسهم النشر في تعزيز التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني عبر نشر القصص والمقالات التي تعبّر عن العدالة وحقوق الإنسان، وتشجيع الدول والمجتمع الدولي على التحرّك، والعمل من أجل إنهاء الحصار والاحتلال وتحقيق السلام والعدالة في المنطقة.
خامسا، تعزيز الوعي والتثقيف: يمكن للكتابة وغيرها من وسائل التعبير الشخصي أن تلعب دورًا هامًا في تعزيز الوعي والتثقيف بشأن قضية فلسطين. من خلال التذكير بالقوانين الدولية على هذا الصعيد، واستحضار التاريخ والثقافة الفلسطينية، من أجل فهم أعمق وأكثر شمولية لقضية فلسطين.
صحيح أن التعبير الشخصي وحده لن يقوى على حلّ قضية فلسطين، لكنه أداة قوية ومجانية وسهلة ومتوفرة بأيدي الجميع في مجال المناصرة والتوعية بتفاصيل ما يحدُث حاليا.. ودائما.
ولذا، لا ينبغي على أحد التقليل من شأنها بحجّة أو بأخرى، ويكفي للتأكّد من أهمية أثرها أن نتذكّر التحيّة التي وجّهها الناطق الإعلامي باسم المقاومة في غزّة قبل أيام لكل من ساهم ولو بكلمة أو قصيدة أو صورة أو تدوينة أو أغنية في سبيل الإضاءة على الحدث الآن ودائما، فمعركة فلسطين عانت كثيرا من الشياطين المتربصين بها، ولا تحتاج شياطين خرسان يحجمون عن القول، لأنهم غير مؤمنين بأهمية ما يمكن أن يقولوه في سبيلها!
فاكتبوا وتحدّثوا وانشروا كلمة فلسطين، وكونوا صوت المقاومة الصدّاح في زمن الصمت.
*سعدية مفرح كاتبة صحفية وشاعرة كويتية