مؤيدو الاحتلال يتراجعون.. لماذا يتناقص الدعم الجماهيري لإسرائيل في الغرب؟
يشير تقرير إلى أن تعاطف الديمقراطيين الأميركيين مع الفلسطينيين ارتفع إلى درجة أن النسبة الأكبر من مؤيدي الحزب تتعاطف الآن مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفها مع الإسرائيليين
Table of Contents (Show / Hide)
تباينت ردود الأفعال عالميا حول عملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد الاحتلال الإسرائيلي، ففي حين اتخذت الدول الغربية موقفا منحازا للاحتلال، أعلن الكثير من المشاهير في الغرب تأييدهم للفلسطينيين، فيما امتنع البعض عن التعليق مفضلا التزام الصمت، أما الظاهرة الأهم فهي أن الكثير من المشاهير الذين اختاروا دعم الاحتلال وجدوا أنفسهم عرضة لنقد شديد من قبل الجماهير على مواقع التواصل، ما اضطرهم إلى التراجع.
وجاء الممثل والسيناريست الأميركي "مارك رافالو" على رأس الداعمين للفلسطينيين (1)، حيث كتب على حسابه الشخصي على منصة إكس (X) المعروفة سابقا باسم تويتر قائلا: "أريد أن أشارككم رسالة وصلتني اليوم من ناثان ثرال، وهو مؤلف كتاب "يوم في حياة عابد سلامة"، الذي كان له صدى عميق في عقلي". وتابع رافالو ساردا رسالة الكاتب المذكور: "من المروع أن نرى مدنيين أبرياء يُقتلون ويُحتجزون رهائن، وليس هناك أي مبرر لذلك (وفق قوله). وندعو لهم بالسلامة كما ندعو لسلامة أهالي غزة الأبرياء الذين يتعرضون للقصف والحصار".
بشكل عام، اعتاد رافلو التضامن مع الشعب الفلسطيني وانتقاد إسرائيل في أكثر من مناسبة، حيث سبق أن استنكر عدوان جيش الاحتلال على حي الشيخ جراح قبل عامين، وطالب متابعيه آنذاك في مايو/أيار 2021 بتوقيع عريضة تطالب الحكومة الأميركية بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب عدوانها المتكرر على غزة، كما أرفق تلك التغريدات بوسم "أنقذوا حي الشيخ جراح". وبينما رأى الكثيرون في تعليق رافالو نوعا من العقلانية والشجاعة، فإنه هوجم من قِبل مؤيدي الاحتلال الإسرائيلي، مثلما نال ناثان ثرال هو الآخر هجوما من البعض خلال التعليقات.
يُذكر أن ناثان ثرال صحفي وكاتب أميركي مقيم في القدس، ويُعَدُّ من أبرز المحللين السياسيين في الشرق الأوسط، كما عمل محللا في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. وكتاب "يوم في حياة عابد سلامة" (2) يستعرض بالتفصيل العديد من الحواجز البيروقراطية والإهانات التي تجعل حياة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي أكثر صعوبة، عبر واقعة حقيقية جرت عام 2012، حين توفي الطفل عابد الذي يبلغ من العمر 5 سنوات في حادث تحطم حافلة خلال رحلة مدرسية ميدانية إلى حديقة ترفيهية. ويسلط الكتاب الضوء على البحث اليائس الذي أجراه والده "سلامة" طوال يوم كامل، لتحديد مكان جثة طفله في مدن ومستشفيات مختلفة، حيث واجه العديد من الحواجز والإهانات بسبب نظام الاحتلال الإسرائيلي، مثل بطاقات الهوية المختلفة التي توفر مستويات متفاوتة من الوصول عبر نقاط التفتيش العسكرية ونقص المساعدة من السلطات.
ضغوط الجماهير على مؤيدي إسرائيل
على الجانب الآخر، أعلن اللاعب الأوكراني الذي يلعب لنادي أرسنال الإنجليزي "أولكسندر زينتشينكو" أنه يقف مع إسرائيل، وأرفق ذلك بوضع صورة علم دولة الاحتلال على حسابه الشخصي على موقع إنستغرام، الأمر الذي أثار استياء الكثير من متابعيه، وحاول البعض تذكيره بأن ما تتعرض له أوكرانيا لا يُعَدُّ شيئا مقارنة بما يتعرض له الفلسطينيون منذ نحو 80 عاما على يد دولة الاحتلال، وعلق آخرون أن اللاعب يكيل بمكيالين ما دام يساند دولة احتلال أخرى في الوقت الذي يتباكى فيه على هجوم روسيا على بلاده، ما دفع اللاعب إلى حذف منشوره وحجب حسابه عن الجمهور في الأخير.
وبخلاف زينتشينكو، لجأ بعض مشاهير هوليوود إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن دعم دولة الاحتلال، وكان على رأس هؤلاء الأميركيتان مادونا وصوفيا ريتشي والإسرائيلية جال جادوت، المولودة في بلدة كفر قاسم الفلسطينية شرق مدينة يافا، والمعروف أن كفر قاسم شهدت واحدة من أفظع المجازر على يد جيش الاحتلال عام 1956 التي راح ضحيتها 50 فلسطينيا آنذاك، في حين أن جادوت نفسها خدمت في جيش الاحتلال قبل سفرها إلى الولايات المتحدة. لكن اللافت للانتباه هو رد فعل المتابعين الذين سارعوا إلى توبيخ هؤلاء المشاهير ونشر التعليقات والصور المؤيدة لفلسطين، كما وصف البعض هؤلاء المشاهير أنهم لا يعرفون كثيرا بشأن حقيقة ما يكتبون عنه، ما دفع بعضهم إلى التراجع.
على سبيل المثال، الإعلامية الأميركية كايلي جينر شاركت منشورا يؤيد دولة الاحتلال على منصة إنستغرام، ثم أزالته في خلال ساعة بعدما غمر المتابعون منشورها بتعليقات تتضمن أعلام الدولة الفلسطينية ووجهوا لها الانتقادات بسبب افتقارها إلى المعرفة. أما الممثلة الأميركية آشلي تيسديل فقد كتبت منشورا يتعاطف مع دولة الاحتلال وأتبعته بقولها: "إظهار الدعم لإسرائيل لا يجعل الشخص معاديا لفلسطين، وإظهار الدعم لفلسطين لا يجعل الشخص معاديا للسامية"، ما دفع المتابعين إلى الإعراب عن خيبة أملهم في الممثلة، وأعلن الكثيرون أنهم بصدد مقاطعة أفلامها مستقبلا.
الجيل الجديد لا ينحاز إلى دولة الاحتلال
تعد هذه التعليقات جزءا من اتجاه أوسع في المجتمع الأميركي الذي بات يُظهر تعاطفا أقل مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. يوضح استطلاع (3) أجرته مؤسسة غالوب في الولايات المتحدة الأميركية خلال مارس/آذار 2023 أن مشاعر الديمقراطيين من جيل الألفية (الذين تتراوح أعمارهم بين 23-43 عاما) بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد تغيرت خلال العقد الماضي وتحولت من الوقوف بقوة في الزاوية الإسرائيلية إلى التعبير الآن عن المزيد من التعاطف تجاه الفلسطينيين.
ويشير التقرير إلى أن تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين ارتفع إلى درجة أن النسبة الأكبر من مؤيدي الحزب تتعاطف الآن مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفها مع الإسرائيليين (49% مقابل 38% على التوالي). ويذكر التقرير أن أحد الأسباب وراء ذلك هو تقلص نسبة الجيل الصامت في أميركا "مواليد الفترة ما بين أعوام 1900-1945″، في حين تزايدت نسبة جيل الألفية مع وصول المزيد منهم إلى مرحلة البلوغ، ونتيجة لذلك صار جيل الألفية وأعضاء الجيل زد (Z generation) يمثلان نسبة متزايدة من الديمقراطيين كل عام، مما يؤدي باستمرار إلى تضخيم تأثير وجهات نظرهم على الحزب عموما.
ويتابع التقرير رصد تغير انحياز جيل الألفية المستقل أو التابعين للحزب الجمهوري أيضا، إذ أصبح هؤلاء أقل انحيازا كذلك للاحتلال الإسرائيلي مما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن. لذلك، يخلص موقع "التعاون في البث العالمي" (Coopwb co-operation of worldwide broadcast) (4) إلى أن دعم دولة الاحتلال لم يأتِ هذه المرة دون نصيبه من الجدل، وأن العديد من المشاهير الذين أبدوا دعم إسرائيل واجهوا ردود فعل عنيفة، خاصة من الأجيال الشابة، ولم تكن موجة الانتقادات موجهة إلى دعمهم فقط، بل أيضا إلى فهمهم لطبيعة الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، واختيارهم تمثيل الاحتلال في تلك القضية، فيما تحولت هذه المناقشات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مناقشات أوسع نطاقا حول القضية الفلسطينية، مما يعكس طبيعة الاستقطاب.