هكذا يحمي محمد بن سلمان تيار صهيوني سعودي
في خضم تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، عمد محمد بن سلمان إلى حماية تيار صهيوني سعودي يدافع عن إسرائيل ويشيطن فصائل المقاومة الفلسطينية.
Table of Contents (Show / Hide)
وبدا واضحا أن تيارا صهيونيا سعوديا مدفوعا بتوجهات حكومية حمل على عاتقه مهمة مناهضة القضية الفلسطينية وشيطنة الفلسطينيين وتزكية الاحتلال الإسرائيلي وتلميعه والتعاطف معه.
ويعتمد هذا التيار في التعامل مع الإسرائيليين كملائكة منزلين لهم الحق في الأرض والعيش والمؤاخاة، وبرز بقوة دور هذا التيار منذ أن استعرت الحربُ على غزة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بحسب صحيفة “صوت الناس” المعارضة.
وبعد الربيع العربي ومع صعود بن سلمان لسلم السلطة، ظهرت أصوات نشاز بينهم كتاب وصحفيين وإعلاميين وناشطين لم يكونوا معروفين من قبل، يتحدثون عما أسموه “حق الصهاينة في فلسطين”، وتبنوا خطابات معادية للفلسطينيين، ويزعمون أن الحكومة فعلت كل شيء للقضية الفلسطينية، ويروجون إلى أن التقارب مع المحتل أمرا يجب أن يكون واقعاً.
وتكشف تباعا مع تلاحق الأحداث أن أصحاب تلك الأصوات ما هم إلا مأجورين ومتملقين ويدورون في فلك السلطات الحاكمة لفرش أرضية تمهيدية لتهيئة الشعب السعودي لتمرير التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي “المرفوض شعبيا”، والذي كشف بن سلمان قبل أقل من 20 يوما من عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر أن الرياض وتل أبيب اقتربا من تحقيقه.
ومع تصاعد القصف الإسرائيلي على غزة وتدمير الاحتلال للبنية التحتية واستهداف المستشفيات وقتل قرابة الـ10 آلاف فلسطيني بينهم أطفال ونساء، تبنى تيار سعودي الرواية الإسرائيلية وبرر له جرائمه الوحشية وعدوانه، وخرج معلنا أن “إسرائيل ليست قضيتي”، بل ولم يجدوا حرجا في الظهور على القنوات الإسرائيلية لإعلان الدعم والتأييد للاحتلال.
وأبرزهم الصحفي السعودي عبد العزيز الخميس، المعروف بتأييده المطلق للاحتلال، والذي غرد مع بداية انطلاق طوفان الأقصى ضد الاحتلال انتصارا للمسجد الأقصى وللأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان، بأن ما حدث هو 11 سبتمبر إسرائيل، مدعيا أن العملية في إسرائيل والهدف اتفاقية الدفاع بين الرياض وواشنطن والبرنامج النووي السعودي.
وكتب تغريدة على حسابه بمنصة إكس وحذفها لاحقا قال فيها: “بقاء إسرائيل عامل توازن في المنطقة، وليس من مصلحة الخليج أن يختل هذا التوازن، فهي بشكل أو بآخر تمثل حماية للخليج من إيران. وإذا كانت الإمارات تمثل الواجهة السياسية والاقتصادية للشرق الأوسط فإن إسرائيل تمثل الوجه الأوروبي والغربي في المنطقة”.
وزعم في تغريدة أخرى، أن المشاهد التي تبث من غزة للأطفال الشهداء جراء القصف الإسرائيلي هي مسرحيات، كما ظهر في مقابلة مع قناة كان الإسرائيلية، وتحدث كما لو كان إسرائيليا معاديا للفلسطينيين، قائلا: “إذا انتهت الحرب بدون التخلص من حماس فهي هزيمة للعالم الحر.. حماس يجب أن تنتهي لتعيش غزة في أمان واستقرار”.
وحاول الغاوي تبني الرواية الصهيونية بإطلاق وصف “إرهابية” على حركات المقاومة، وكان قد حذر الصحفي حسين الغاوي، في أعقاب بدء الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ توغل بري في قطاع غزة تصدى له الفلسطينيون، من تمجيد المقاومة، مدعيا أن هؤلاء لا يهمهم إسرائيل، بل همهم السعودية، ودول الخليج، ومصر والأردن.
وقال الغاوي المعروف بخدمته للرواية الصهيونية والذي روج بأن الفلسطينيين يعتدون على الأسرى الإسرائيليين ويسيئون معاملتهم: “اخوتنا في فلسطين عانوا الأمرين من كيان مغتصب إرهابي وأدوات أدمنت الخيانة والارتزاق تحت ما يسمى مقاومة”.
وأساء الكاتب السعودي صاحب الآراء المناهضة للقضية الفلسطينية والداعمة للاحتلال رواف السعين، للفلسطينيين، ودعا دول الخليج إلى طردهم وعدم السماح لهم بالدخول حتى لا يخربوا بلادهم، قائلا: “لا تدخلوا الفلسطينيين لبلادكم”، وزعم أنهم “سيكونون سبباً في خراب الأخلاق والعقليات والسلوك والتربية”.
وحرض في مقطع فيديو تداوله ناشطون على منصة إكس، على الفلسطينيين المقيمين بدول الخليج خصوصا والدول العربية عموما قائلا: “إن الأعداء بتلفون واحد فإنهم يعرضون البلاد إلى التفكيك وتخرج فيها المظاهرات”، وأضاف: “لا تجعل الفلسطيني يقترب من بلادك إذا كنت تريد بلدك وشعبك.. دعوهم يذهبون إلى أوروبا ويعودون إلى بلادهم من حيث أتوا”.
وللكاتب مقاطع أخرى عرضها على مدار الأعوام السابقة، أعلن خلالها دعمه للتطبيع وتأييده للاحتلال، وشن هجوما على الفلسطينيين، وخاطب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وطالبه بحرق الفلسطينيين وتخليص العالم منهم؛ كما ادعى في أحد مقاطعه أن قيام دولة فلسطينية سيكون بمثابة كارثة عربية سيدفع ثمنها العرب دون غيرهم.
وعقب مجزرة مستشفى المعمداني التي تعرف بالمستشفى الأهلي العربي التي ارتكبها سلاح الجو الإسرائيلي بشنه غارة جوية على المستشفى التي تقع في حي الزيتون جنوب غزة في 17 أكتوبر، نشر الكاتب السعودي إبراهيم السليمان كاريكاتيرا مسيئا للفلسطينيين يسخر من أوجاعهم، مأخوذا من الرواية الإسرائيلية المضللة التي اتهمت الفلسطينيين بتنفيذها.
وجاء بالرسم الذي نشرته صحف إسرائيلية ونقله السليمان عنها، تمساح يقف فوق مجموعة أطفال ويبكي (قاصداً ضحايا القصف الإسرائيلي على مستشفى المعمداني)، وترمز دموع التماسيح إلى أنها الكذب والمكر حيث تستدرج فريستها عبر النحيب والبكاء.
وبينما كانت الشعوب العربية والغربية تنتفض نصرة للفلسطينيين وتنديدا بتصعيد العدوان الإسرائيلي وقتل المدنيين وقصف المستشفيات وتنادي بإدخال المساعدات الإنساني، قال السليمان إن “من ذهب باتجاه المطالبة بالمظاهرات وفتح الحدود وخلافة من الشعارات الطنانة ثق أنه لن يفوت مسلسلة اليومي على شاشة التلفاز ويذهب لميدان القتال”.
وعلى ذات النهج، يسير الباحث ومقدم البرامج السعودي لؤي الشريف، لتلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي وشيطنة الفلسطينيين ورافضي التطبيع، من خلال تخصص كل حساباته على منصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب والإسهاب في كتابة تغريدات باللغة العربية والإنجليزية والعبرية، وتدشين مساحات وبث فيديوهات وعمل لقاءات مع قنوات إسرائيلية.
وخصص المغرد عبدالله عبيد سلسلة تغريدات للتعريف بلؤي الشريف، موضحا أن والده هو الرائد في الجيش المصري أحمد الشريف، ويملك مجموعة مسار الهدهد للتعليم، والتي يدير من خلالها أكاديميته الإلكترونية لتعليم اللغات، ويعرف نفسه في لينكيد إن بأنه مدير في شركة ARETAS PUBLIC RELATIONS ، المسجلة في البحرين.
ولفت إلى أن سجلات لؤي تشير إلى أنه المالك لها للشركة المسجلة بالبحرين، وهو مصري الجنسية، قائلا: “يبدو أن لؤي مرّ في حياته بمراحل متعددة، فمن التشدد، إلى انضمامه لفريق يوتيرن من خلال إطلاقه وتقديمه لبرنامج فلمها لتعلم اللغات من خلال الأفلام، ليتبعها بتحوله ليصبح ورق حمام لمؤخرات الصهاينة بعد زواجه من يهودية”.
الحقيقة أن ما ذكرت أسمائهم مجرد نماذج ضئيلة لمن يستحقون بجدارة لقب “المتصهينين العرب”، ويتبين من كتاباتهم والمواد التي يقدموها أنهم يتلقون دعما وتأييدا حكوميا واسعا وإلا لما بقي لهم صوتا في المملكة وخارجها، حيث تلاحق السلطات السعودية منذ وصول بن سلمان لسلم السلطة كل الأصوات التي تخالفها الرأي أو حتى تظهر أي معارضة لسياساتها.
وتتكاثر هذه النماذج بقوة رغم أنها لا تلق قبولا شعبيا ويسخر بعض المؤثرين حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي لفضحها، لكن تبقى إرادة السلطات في تجذيرها في المجتمع واضحة، لأنها لو كانت لا تتوافق مع هوى ولي العهد لما كان لها صوتا مسموعا، وليس ببعيد عنا اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
ولا يخفى على أحد أن بن سلمان دشن عهده بحملة اعتقالات طالت الفلسطينيين مما كانوا يقيمون في الداخل السعودي، وملاحقة كل المتعاطفين والفاعلين في القضية الفلسطينية، وسجونه مليئة بالمئات من معتقلي الرأي المناصرين للقضية والمناهضين لكل مظاهر التطبيع مع الاحتلال، من كتاب، وإعلاميين، وصحفيين، وحقوقيين، ودعاة.
ومن بينهم علماء الدين الدكتور سلمان العودة، عوض القرني، عبدالعزيز الطريفي، ناصر العمر، سفر الحوالي، خالد الراشد، والناشطين الحقوقيين خالد العمير، محمد الربيعة، وسلمى الشهاب، والمدونان عبدالعزيز العودة، وداود العلي، والصحفية مها الرفيدي، والأكاديميان علي العمري، وعبدالله المالكي، وغيرهم كثيرين غيبوا عمدا في السجون.
وهو النهج المستحدث في عهد سلمان ونجله، خلافا لما كانت عليه المملكة في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز، الذي صرح أكثر من مرة بالموقف الرسمي لبلاده تجاه القضية الفلسطينية، أبرزها حواره الأول مع مجلة ليف المستربوش، المنشور في ٣١ مارس/آذار ١٩٤٣، وخلص فيه إلى أنه لا حق لليهود في فلسطين إنشاء دولة على دماء الفلسطينيين.
وقال خلاله: “إنني لا أعلم أن لليهود أمرا يبرر مطالبتهم في فلسطين لأنها كانت من قبل البعثة المحمدية بقرون لبني إسرائيل، وقد تسلط عليهم الرومان في ذلك الوقت وقتلوهم وشتتوا شملهم ولم يبق أثر لحكمهم فيها، والعرب قد استولت عليها وافتكتها من الرومان منذ ألف وثلاثمائة سنة وكسور، وهي منذ لك الوقت بيد المسلمين”.
وأضاف عبدالعزيز: “من هذا يظهر أن ليس لليهود حق في دعواهم هذه لأن جميع بلدان العالم تقلبت عليها شعوب تملكتها وصارت الآن وطنا لهم لا منازع فيه، فلو أردنا تعقيب نظرية اليهود لوجب على كثير من شعوب العالم المستقر أن يرحل من بلاده، وفلسطين من ضمن هذه البلاد”.
وتابع: “إنني لم أخش من اليهود ومن أن تكون لهم دولة أو سلطة لا في بلاد العرب ولا غيرها، بموجب ما أخبرنا به المولى سبحانه وتعالى على لسان رسوله في كتابه الكريم، فأرى أن تشبث اليهود في هذه البلاد من الخطأ، أولا لأنه ظلم للعرب والمسلمين عموما، ولأنه يورث الفتن والقلاقل بين المسلمين وأصدقائهم الحلفاء، وهذا شيء لا أرى فائدة فيه”.
واستطرد عبدالعزيز: “إذا كان اليهود مضطرين إلى محل يسكنونه فبلاد أوروبا وأميركا وغيرها من البلدان أوسع وأخصب من هذه البلاد وأتم لمصالحهم، وهذا هو الانصاف ولا فائدة في إدخال الحلفاء والمسلمين في مشكلة ليس من ورائها طائل، أما سكان فلسطين القدماء من اليهود فمن رأيي أن تتفق العرب مع أصدقائها لحفظ مصالحهم”.
واشترط ألا يعمل اليهود أعمالا تحصل منها مشاغبة وفتن لا تكون في صالح الجميع، وأن يعطوا ضمانا بكفالة الحلفاء أن لا يسعوا في شراء أملاك العرب التي هي حياتهم بمالهم من قدرة بالأموال الطائلة لأجل تنفيذ مقاصدهم، محذرا من أن هذا ضياع وحصرة لأهل فلسطين ويسبب لهم الفقر والاضمحلال.
وطوال عقود مضت تتابع أبناء عبدالعزيز على الحكم ولم يكن أي منهم يتجرأ أن يطبع مع الصهاينة أو يعلن موقف رسمي بأن إسرائيل دولة لها حق على حساب دماء أهل فلسطين،
حتى المبادرة العربية كانت تشير إلى وجود شروط تسعى إلى حسم الصراع والاقتتال والدعوة إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على أرضها.
ومبادرة السلام العربية هي مشروع قدمة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وتهدف لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، وكانت في عام 2002.