ما القصة.. إسرائيل تدق ناقوس الخطر بشأن ”تحولات أيديولوجية” في أميركا
"كيف كراهية إسرائيل ومعاداة السامية تغلغلت في المؤسسات التعليمية الأميركية، ولماذا اندلعت بقوة أكبر في الشارع الأميركي بعد بدء حرب غزة الأخير؟"
Table of Contents (Show / Hide)
سؤالان يثيران قلق معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، دفعاه لإعداد تقرير مطول، حاول من خلاله الإجابة عليهما على النحو التالي:
انتشار كراهية إسرائيل
استهل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريره بالقول إن "الحرب ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أدت إلى اندلاع كراهية غير عادية لإسرائيل ومعاداة السامية في الولايات المتحدة".
وقال إنه من السمات البارزة لهذه الظاهرة ارتفاع مستوى العداء تجاه إسرائيل، وعدد كبير من حوادث العنف ضد اليهود، والمشاركة العالية في التظاهرات الاحتجاجية من قبل جيل الشباب (جيل الألفية والجيل Z)، والتي ترفض أجزاء كبيرة منها الرؤية الإسرائيلية، وتبرر تصرفات حماس.
ورأى أن "أصل هذه الظواهر هو التيارات الأيديولوجية التي انتشرت في المجتمع الأميركي في العقود الأخيرة، والتي تقوم على أيديولوجيات راديكالية فيما يتعلق بعدم المساواة العرقية والجنسية والاجتماعية، متأثرة بمقاربات ما بعد الحداثة ذات الخصائص المناهضة لليبرالية".
وبالرغم من كونها مثيرة للجدل، تدعي الورقة التي أعدها المعهد الأمني أن "هذه المفاهيم أُدخلت في نظام التعليم العام والتعليم العالي في الولايات المتحدة، وهي اليوم تشكل وعي جيل الشباب وتؤثر أيضا على موقفهم تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكذلك موقفهم تجاه المجتمع اليهودي".
ويقول معهد دراسات الأمن القومي: "لقد تجلى اندلاع العداء والكراهية تجاه إسرائيل في الفضاء العام الأميركي بشكل واضح بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واندلاع الحرب ضد حماس".
وعلى غرار الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في جولات القتال السابقة، تجلت الموجة الحالية أيضا في ثلاث ساحات رئيسة: المظاهرات في مراكز المدن، والمظاهرات في حرم الجامعات، والزيادة الحادة في المنشورات المناهضة لإسرائيل والمعادية للسامية على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما على تيك توك وإكس.
وأشار إلى أن "الموجة الاحتجاجية الحالية تظهر عددا من الخصائص التي تميزها عن الجولات السابقة:
-
التماهي الأيديولوجي الواضح والصريح للمتظاهرين مع حماس، مع تقديم شعار "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" كمطلب مشروع.
-
استعداد كبير للعمل بعنف ضد اليهود ومؤيدي إسرائيل، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى حوادث عنيفة معادية للسامية في مراكز المدن وفي الجامعات.
-
صمت وتجاهل، أو ردود متأخرة أو غامضة من جانب إدارات الجامعات فيما يتعلق بما حدث في 7 أكتوبر، ولاحقا أيضا فيما يتعلق بعنف المتظاهرين ضد الطلاب اليهود.
-
شكل جديد من أشكال الاحتجاج على الإزالة المنهجية لإعلانات الرهائن التي يوزعها مؤيدو إسرائيل.
-
وإلى جانب قيادة المنظمات الفلسطينية والإسلامية، برز وجود نشطاء من مجتمعات الأقليات الأخرى، بما في ذلك اليهود المناهضون للصهيونية، مع التركيز على منظمة İالصوت اليهودي من أجل السلام".
أيديولوجية متطرفة
وعزا المعهد الأمني تفاقم العداء ضد إسرائيل ومعاداة السامية في الولايات المتحدة إلى "المفاهيم الأيديولوجية المتطرفة التي انتشرت في المجتمع ونظام التعليم الأميركي منذ حوالي عقدين من الزمن".
وأشار إلى أن "هذه التحولات الأيديولوجية تعتمد في أساسها على تطبيق المفاهيم العملية المستندة إلى (النظرية العرقية النقدية) والأيديولوجيات الراديكالية حول النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والنضال ضد الاستعمار في المجال العام الأميركي، بما في ذلك نظام التعليم العالمي والتعليم العام".
ولفت إلى أن "النظرية العرقية النقدية طُورت في الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن العشرين على يد أكاديميين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، ويقع في مركزها الادعاء بأن العرق ليس ظاهرة مبنية على الاختلافات البيولوجية، بل هو بناء اجتماعي متجذر في النظام القانوني، والذي يهدف إلى الحفاظ على حالة من عدم المساواة وتوزيع السلطة الموجودة في بلدان الولايات المتحدة".
وتابع المعهد: "ومن تطورات هذه النظرية مصطلح (التقاطعية)؛ وهو ما يعني أن جميع تعبيرات الظلم في العالم مرتبطة ببعضها البعض".
ووفقا لهذا الرأي، فإن اضطهاد الشعب الفلسطيني والاحتلال الاستعماري الإسرائيلي للأراضي يعادل العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة، واضطهاد أفراد مجتمع المثليين، والإيذاء والعنف ضد المرأة وغيرها من ظواهر الظلم والقهر في العالم.
"ومن هنا تنشأ ضرورة توحيد نضالات كافة فئات (المضطهدين) من أجل خلق جبهة موحدة ضد اضطهاد الأغلبية"، يوضح المعهد العبري.
وعلى الرغم من الأساس العلمي الهش والتناقضات الداخلية لهذه النظرية، حسب ادعاءات معهد دراسات الأمن القومي، فقد تبلورت هذه المفاهيم على مر السنين في شكل تيار إيديولوجي قوي، يؤثر على الخطاب الأميركي الداخلي الذي يمزق المجتمع ويقسمه.
وأفاد المعهد بأن الحرب الثقافية الأميركية اشتدت مع ظهور "ثقافة الإلغاء"، والتي قال إنها "أداة مفيدة لرعايا الأيديولوجية الجديدة في صراعهم ضد الأغلبية المهيمنة والقمعية".
يشار إلى ثقافة الإلغاء (أو ثقافة الإبلاغ) هي شكل حديث من أشكال النبذ يجرى فيه إخراج شخص ما من الدوائر الاجتماعية أو المهنية؛ سواء كان ذلك عبر الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو وجها لوجه.
وهو مفهوم يشير إلى أن مجموعة من الأفراد يدعون عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى مقاطعة أحد الأفراد، وعادة يكون ذلك حين ارتكاب أحد المشاهير أو السياسيين خطأ ما.
وشكلت ثقافة الإلغاء مرحلة جديدة في النضال، الذي تحول من صراع ذي طابع أكاديمي إعلامي إلى صراع عملي، وترجم إلى أعمال مقاطعة ونبذ وإلحاق الضرر المعنوي والمادي بمن أصبحوا هدفا لإجراءات الإلغاء".
وقال المعهد: "لقد أضرت (ثقافة الإلغاء) بحرية التعبير من خلال رسم حدود ما هو مسموح وما هو غير مسموح به في الخطاب العام. وزادت هذه الظواهر بشكل كبير من الاستقطاب السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، وتعرضت لانتقادات ليس فقط من جانب يمين الخريطة السياسية، بل أيضا من قبل الرئيس باراك أوباما الذي حذر من عواقب ثقافة الإلغاء".
وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة، تقول الورقة إن "الأيديولوجيات المتطرفة استمرت في تعزيز قوتها على خلفية سلسلة من الأحداث الدرامية، وخاصة مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس عام 2020".
وأردفت: "وفي السنوات التالية، كانت هناك زيادة حادة في حوادث العنف، بما في ذلك أعمال النهب والاشتباكات الخطيرة مع الشرطة. كما تشير الأحداث المعادية للسامية التي وقعت بعد 7 أكتوبر إلى الانتقال إلى مرحلة العنف الجسدي".
وتدعي الورقة أن "النظرية العرقية النقدية" ازداد تأثيرها على الخطاب الأكاديمي العام وعلى إدارة الجامعات، وترجم إلى نمو أطر ترقية الطلاب من جميع الأقليات (ما عدا اليهود).
حيث أنشأت العديد من الجامعات أقساما جديدة تسمى DEI "التنوع والإنصاف والشمول"، لزيادة نسبة طلاب الأقليات وتسهيل اندماجهم.
وتحولت إدارات الأقسام الجديدة إلى هيئات بيروقراطية منتفخة، واكتسبت مكانة مهمة وميزانيات ضخمة، لكنها لم تحقق الأهداف التي حددتها لنفسها، حسب ادعاءات الورقة.
من ناحية أخرى، تزايدت الانتقادات العامة في ضوء التأثير السلبي لمكاتب DEI على حرية التعبير في الجامعات، وعلى الضرر الذي لحق بالتميز الأكاديمي، والأهم من ذلك، على تعميق الاستقطاب الاجتماعي في الجامعات، وفق ورقة المعهد الإسرائيلي.
وأشار إلى أنه "بعد 7 أكتوبر، لم تحرك مكاتب DEI ساكنا لمنع الحوادث المعادية للسامية في الحرم الجامعي، وذلك لأنها لا تعد معاداة السامية عملا من أعمال القمع أو التمييز على الإطلاق. وقد تم الكشف عن هذا الموقف بقوة أكبر في جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس لرؤساء جامعات النخبة الثلاث، وأدى إلى دعوات لإقالتهم".
وأضافت: "كما تم توجيه انتقادات عامة لاعتماد الجامعات على تبرعات الدول العربية في الخليج العربي؛ ففي الفترة ما بين 1986-2021، وصل هذا التمويل إلى مبلغ 8.6 مليارات دولار، أكثر من نصفه من قطر".
وإلى جانب نظام التعليم العالي، أوضحت الورقة أن الوضع في نظام التعليم العام في الولايات المتحدة ليس أقل تعقيدا.
وأوضحت: "فمنذ بداية العقد، تراكمت الأدلة حول تدريس مفاهيم العرق والجنس والعدالة الاجتماعية، على أساس النظرية العرقية النقدية والأيديولوجيات المتطرفة الأخرى في المدارس العامة".
وأشارت إلى أن بعض الحكام المحافظين حاولوا حظر دراسة المحتوى أعلاه، وفي نهاية فترة ولايته، نشر الرئيس دونالد ترامب أمرا رئاسيا بشأن "مكافحة القوالب النمطية العرقية والجنسية" يحظر على المنظمين الفيدراليين الترويج لوجهات النظر القائمة على النظرية العرقية النقدية أو تمويل الإجراءات التي تشجعها.
بدوره، ألغى الرئيس جو بايدن الأمر وقدم لنقابات المعلمين الدعم الكامل في وضع المناهج المدرسية.
ونتيجة لذلك، حسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فقد تغلغل تدريس محتوى النظرية العرقية النقدية في المدارس في أنظمة التعليم في معظم الولايات الأميركية، باستثناء عدد قليل من الولايات المحافظة، بما في ذلك فلوريدا وأريزونا.
ووفقا لدراسة نشرها معهد مانهاتن الأميركي مطلع عام 2023، فإن معظم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عاما تعلموا مفاهيم تتعلق بالنظرية العرقية النقدية في المدارس العامة.
وأفاد المعهد الإسرائيلي بأن الأوساط الجمهورية تعمل على مبادرات تشريعية جديدة تهدف إلى تسهيل الأمر على الآباء الذين يرغبون في نقل أبنائهم من المدارس العامة، التي تسيطر عليها نقابات المعلمين، إلى المدارس الخاصة أو المستقلة، وذلك لمواجهة الثقافة التعليمية الجديدة.
علاوة على ذلك، ظهرت في السنوات الأخيرة تقارير حول إدخال محتوى مناهض للصهيونية ومعادٍ لإسرائيل في عدد من المدارس العامة، كجزء من دراسة النظريات المتطرفة، وفق المعهد.
أيديولوجية الـ"ووك"
وبعد 7 أكتوبر، أبلغ المعلمون اليهود عن مواقف عدائية من جانب طلابهم، وفي إحدى الحالات حاول طلاب المدارس الثانوية في نيويورك الاعتداء جسديا على معلمة من أصل يهودي نشرت صورة لمشاركتها في مظاهرة مؤيدة لإسرائيل، حسب المعهد.
ويقول: "ورغم أن أبعاد العنف المعادي للسامية في المدارس لا تزال صغيرة نسبيا مقارنة بحجم الظاهرة في الحرم الجامعي، إلا أن الاتجاه واضح".
وتابع: "وينبع هذا العداء من أيديولوجية "استيقظت - WOKE" التي ترى في إسرائيل دولة غير شرعية، وتعرف اليهود بالأغلبية البيضاء المتميزة التي لا تقع ضحية للقمع أو التمييز".
ويشار إلى أن أيديولوجية الـ"ووك" تعني حرفيا أن يكون الشخص يقظا إزاء الظلم وانتهاك حقوق الأقليات.
وذكر المعهد أن كبار المسؤولين في المنظمات اليهودية، مثل رابطة مكافحة التشهير، أدركوا، في وقت مبكر، الإمكانات التدميرية للتصورات المشوهة. مشيرا إلى أن "تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح".
وعن أيديولوجية الووك، قال المعلق اليهودي الأميركي، بريت ستيفنز: "في أيديولوجية (ووك) توجد جميع المكونات التي من المفترض أن تثير الشك لدى كل يهودي: الاعتقاد بأن السمات العرقية تحدد القيمة الأخلاقية للإنسان، وميل واضح نحو معاداة السامية، والتفكير الشمولي".
وعقب المعهد الإسرائيلي: "وعلى الرغم من ذلك، احتشدت المنظمات اليهودية اليسارية التقدمية لسنوات لدعم وتعزيز هذه الآراء. وبعد 7 أكتوبر، اكتشفت تلك المنظمات اليهودية، ولدهشتها، أن أيا من حلفائها في هذه الحركات لم يدِن وحشية حماس".
ولفت إلى أن "الذين استجابوا بسرعة وفعالية لسلوك الأكاديمية الأميركية هم المحسنون اليهود الذين حذروا الجامعات بأنهم سيسحبون تبرعاتهم من الجامعات، وكذلك رجال الأعمال الذين أعلنوا أنهم لن يوظفوا خريجي الجامعات من أنصار حماس".
كذلك "قاد أعضاء الكونغرس، ومعظمهم من الحزب الجمهوري، خطا متشددا واتهموا الجامعات بتشجيع معاداة السامية".
ومن ناحية أخرى، فإن الإدارة الديمقراطية، التي تعتمد على دعم أفراد الأقليات ونقابات المعلمين، اكتفت برد فعل مدروس، تضمن تعليمات لتحسين الإجراءات في موضوع مكافحة معاداة السامية والإسلاموفوبيا وبيانات إدانة لتصريحات رؤساء الجامعات في الجلسة.
"لكن لم يرد موضوع المنهج الراديكالي على الإطلاق في رد الحكومة، وبدلا من أن يستحق دراسة موضوعية ومتعمقة، فإنه سيبقى في قلب الخلاف الأيديولوجي بين الطرفين"، تابع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي النهاية، قال المعهد محذرا: تشكل هذه التطورات وجه المجتمع الأميركي وجيله المستقبلي؛ وهي تطورات داخلية عميقة تتأثر بالاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
والولايات المتحدة هي الحليف الأهم لإسرائيل، ومن الطبيعي أن تكون هذه التطورات مثيرة للقلق، لكن إسرائيل لا تملك القدرة على التأثير عليها.
واختتم: "ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن إسرائيل القوية والمستقرة هي مصدر القوة الرئيسي للجاليات اليهودية في العالم. يمكن لإسرائيل أن تساعد يهود الشتات على مواجهة تحديات معاداة السامية الجديدة من خلال الالتزام الصارم بمبادئها الأساسية كدولة الشعب اليهودي، وذلك عبر الالتزام بأمن مواطنيها، والالتزام بقانون العودة وهجرة اليهود من جميع تيارات اليهودية، والالتزام بالحفاظ على طابعها اليهودي والديمقراطي".
المصدر: الخليج الجديد