7 أكتوبر أعادت هندسة المنطقة.. الشرق الأوسط وحده قادر على إصلاح الشرق الأوسط
"الشرق الأوسط وحده قادر على إصلاح الشرق الأوسط"، هكذا بشكل مباشر يخلص تحليل كتبته كل من سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس"، و داليا داسا كاي، الزميلة الأولى في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا.
Table of Contents (Show / Hide)
ويرى التحليل، بوضوح أن شكل ووتيرة ونتائج التدخل الأمريكي الحالي في أزمة حرب غزة، على المستويين العسكري والدبلوماسي، يشير بوضوح إلى استمرار ضعف يد واشنطن في المنطقة وتراجع قدرتها على السيطرة أمنيا وعسكريا على إيران وحلفائها بالمنطقة، وبالتبعية تراجع نفوذها الدبلوماسي، وبالتالي لم يولد نشاطها العسكري والدبلوماسي في المنطقة الثقة المطلوبة.
ومن هنا، تؤكد الكاتبتان أن القوى الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط (السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن وتركيا وإيران)، تظل قادرة وحدها على استعادة توازن المنطقة واستقرارها، بما في ذلك حل الأزمة الحالية في غزة بخطط طموحة، بدليل أن تلك القوى كانت قد شرعت في تقارب مدروس وتجاوز للتوترات السابقة، ونجحت بشكل مبهر في ذلك التقارب، والذي جعلها تتحرك بشكل جماعي منسق وموحد مثير للإعجاب في التعاطي مع أزمة غزة الآن.
لكن التحليل يسوق شرطين لتحقيق هذه المعادلة الصعبة، وهما:
أولا: تخلي تلك القوى تماما عن انتظار عودة النفوذ الأمريكي في المنطقة، لا سيما دول الخليج، التي ترى نفسها لا تزال تعتمد على هذا النفوذ بشكل شبه أساسي.
ثانيا: لتحويل هذا التصميم المشترك إلى مصدر دائم للقيادة الجماعية، يتعين على هذه القوى أن تحتضن مؤسسات وترتيبات إقليمية أكثر ديمومة، مثل منتدى حوار دوري يوفر طريقة فعالة لوضع الترتيبات الإقليمية وتنفيذها.
لماذا يتراجع النفوذ الأمريكي؟
رغم مبادرة إدارة بايدن لإرسال قطع عسكرية كبيرة ووضع أصول كبيرة في المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن الأمر لن يستمر، وفقا للسياسة الأمريكية الاستراتيجية والتي تقضي بتخفيف التواجد في الشرق الأوسط لصالح الاهتمام بصعود الصين وحرب روسيا وأوكرانيا.
ويبدو من غير المرجح أن ينهي المسؤولون الأمريكيون جهودهم لفصل الولايات المتحدة عن صراعات الشرق الأوسط، يقول التحليل.
ويضيف: إذا حدث أي شيء، فإن ديناميكيات الحرب المتزايدة التعقيد قد تؤدي إلى تراجع شهية الولايات المتحدة للمشاركة في المنطقة، كما أن مضاعفة الالتزامات في الشرق الأوسط من غير المرجح أن تكون استراتيجية رابحة لأي من الحزبين السياسيين الأمريكيين في عام انتخابي حاسم.
إعادة ضبط المنطقة
ويقول التحليل إنه خلال السنوات التي سبقت الهجمات، أظهرت الدول العربية وغير العربية إمكانية ظهور أشكال جديدة من التعاون فيما كان بمثابة إعادة ضبط كبيرة للعلاقات في جميع أنحاء المنطقة. وحتى بعد أشهر من الحرب، ظلت العديد من هذه العلاقات سليمة.
ويحذر التحليل من إمكانية تسبب حرب غزة – إن طال أمدها – أن تتسبب في عكس هذه الجهود الإقليمية لضبط العلاقات بين الشركاء الذين تجاوزوا مرحلة التوتر، وانتقلوا إلى شراكات متميزة، مثل السعودية والإمارات مع قطر والعكس، ومصر مع تركيا والعكس، والسعودية والإمارات مع تركيا والعكس، والسعودية مع إيران والعكس.
وترى الكاتبتان أن الولايات المتحدة ستظل لاعباً رئيسياً في المنطقة بسبب أصولها العسكرية وعلاقتها التي لا مثيل لها مع إسرائيل.
لكن أي توقع بأن واشنطن سوف تكون قادرة على التوصل إلى صفقة كبرى قادرة على إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل نهائي، هو توقع منفصل عن حقائق الشرق الأوسط اليوم.
واجب الوقت
لذلك، يرى التحليل أنه من الواجب على القوى الإقليمية الآن أن تبادر لدعم لية سياسية ذات معنى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واتخاذ خطوات حاسمة لمنع تجدد ما حدث في السابع من أكتوبر 2023، عبر ترتيبات أمنية إقليمية جديدة وأقوى يمكنها توفير الاستقرار بقيادة الولايات المتحدة أو بدونها.
التطبيع
وبعد أن نجحت واشنطن، قبل حرب غزة، في إدماج التطبيع بين إسرائيل ودول خليجية وعربية، كمسار ضمن الحراك الإقليمي لإعادة ضبط الأوضاع بين القوى الكبرى في المنطقة، جاءت تلك الحرب لتبعثر الأوراق مجددا، بعد أن تزايدت مشاعر الغضب ضد تل أبيب في أوساط الرأي العام العربي وتدهور العلاقات التي كانت تعود ببطء بين تركيا وإسرائيل، وكذلك توقف حراك تطبيع السعودية.
وتؤكد الكاتبتان أن السبب الأساسي لهذا الفشل ليس حرب غزة، ولكن تجاهل القضية الفلسطينية ووضعها على الرف، خلال بداية تأسيس حراك التطبيع الجديد، وهو ما أدى لتفجر الأوضاع، ولكن يبدو أن الدول العربية والقوى الإقليمية الأخرى تعلمت من هذا الدرس.
وبالتالي، عملت قوى عربية وخليجية على صياغة خطة لإعادة مسار التطبيع، ولكن بشروط صارمة متعلقة بالقضية الفلسطينية هذه المرة، وأبرزها إقامة دولة فلسطينية، وهو الحراك الذي بات يحظى بدعم واشنطن، لكن حكومة نتنياهو لا تزال تقاومه بإصرار، وهو الأمر الذي قد يسرع من طريقها نحو مصيرها المحتوم، التفكك والانهيار لصالح هيمنة الرؤية الجديدة، التي تحظى بإجماع عربي وموافقة أمريكية.
ضوء أخضر إيراني
ويرى التحليل أن إعادة تنظيم المنطقة التي بدأت إقليميا، قبل حرب غزة، كانت في الأساس هشة لكنها مستقرة ومتقدمة، ولن يكون من المتصور أن تسمح القوى الإقليمية الحالية ببعثثرة كل شيء من أجل رغبات حكومة نتنياهو بحرب طويلة لا نهاية لها في الأفق القريب.
حتى إيران، التي ينظر إليها كأكثر تلك القوى تشددا وتطرفا ضد إسرائيل، أرسلت عدة رسائل مطمئنة لبقية القوى من العرب، حينما نأت بنفسها بشكل متصاعد عن مسار الحرب والتصعيد، رغم استمرار وكلائها في العمل بوتيرة شبه منضبطة.
وقالت إيران بوضوح إنها لن تمانع أي حراك نحو حل الأزمة الفلسطينية، شريطة أن يتم بواسطة الفلسطينيين أنفسهم وليس بشكل خارجي يستمر في تجاهلهم، وهو ما يعد أمرا مشجعا للمضي قدما نحو استئناف الترتيبات الإقليمية.
أيضا، أعطت طهران أولوية جديدة للأعمال التجارية الإقليمية والعلاقات التجارية ليس فقط مع دول الخليج العربية ولكن أيضًا مع العراق وتركيا ودول آسيا الوسطى، فضلاً عن الصين وروسيا.
تأثير غزة
ويسوق التحليل مفارقة مهمة، وهي أن غزة، التي ينظر إليها كنقطة تفجير لكل الترتيبات الإقليمية، قد تكون هي أكبر نقطة للحفاظ على تماسك المنطقة.
ففي مواجهة الغضب الشعبي الساحق واحتمال التطرف على المدى الطويل وعودة الجماعات المتطرفة، قام زعماء المنطقة بمواءمة استجاباتهم السياسية للحرب إلى حد كبير ومثير للإعجاب، وهو ما نتج عنه زيادة الروابط بينها بشكل يخدم الاستقرار.
على الرغم من الاستراتيجيات المتباينة تجاه إسرائيل والفلسطينيين قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط متحدة على نطاق واسع بشأن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، ومعارضة أي نقل للفلسطينيين إلى خارج غزة، والدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة وتوفير المساعدات العاجلة ودعم المفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل إنهاء الحرب.
خطر وجودي
ويخلص التحليل، في نهايته، إلى أن الاستقرار الإقليمي بالشرق الأوسط بات في خطر وجودي، وأن تحرك القوى الإقليمية الكبرى بشكل موحد يأتي استشعارا لهذا الخطر، وأن القضية الفلسطينية عادت إلى مركز هذه الترتيبات مجددا، بعد أن جرى تهميشها، والفضل يعود لحرب السابع من أكتوبر التي بدأتها "حماس".
وانطلاقا من هذه التطورات، يطالب التحليل تلك القوى الإقليمية بصياغة مبادرات منتظمة للحوار ووضع الخطط الاستراتيجية، وصولا إلى صياغة منتدى للأمن الإقليمي بشكل دوري وثابت.
ونظراً لحاجة المنطقة الملحة إلى التنسيق ووقف التصعيد، فإن الأزمة الحالية توفر فرصة حاسمة لبدء مثل هذه المبادرة.
المصدر: الخليج الجديد