الانفصال وإقامة "دولة الجليل".. هل أصبح قرار مستوطنات الشمال مسمارا جديدا في نعش نتنياهو؟
في تحول جديد داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ اتخذ رؤساء المستوطنات في شمال الأراضي المحتلة، قرارا قد يكون مسمارًا جديدا في نعش حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو وينذر بضغط جديد يمارس عليها.
Table of Contents (Show / Hide)
وقرر رؤساء المستوطنات إعلان قيام ما أسموه "دولة الجليل" والانفصال عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، في يوم ما يطلق عليه الاحتلال "يوم الاستقلال"/ ذكرى النكبة.
وبحسب موقع واللا العبري، أعرب رؤساء سلطات المستوطنات، عن غضبهم من تجاهل حكومة نتنياهو، مما يجري لهم جراء التصعيد المتواصل شمال فلسطين المحتلة، مع حزب الله، وحالة النزوح التي يعاني منها 80 ألف مستوطن منذ 7 أشهر، دون أمل في العودة إلى المستوطنات.
وقرر أعضاء "منتدى خط المواجهة" إقامة "دولة الجليل" وتنفيذ انفصال أحادي عن دولة الاحتلال، وقالوا إن الخطوة ستكون مصحوبة بإجراءات إضافية سيتم الإعلان عنها لاحقا.
تفاصيل عن مستوطنات الشمال
وتتكون مستوطنات الشمال من 17 بلدية و61 مجلس محلي و15 مجلس إقليمي - حسب التقسيم الإداري الإسرائيلي، ويتضمن مرتفعات وجبالاً عالية تعطي أفضلية في السيطرة الميدانية والتكتيكية، وتسمح بإنشاء قواعد عسكرية ومراكز اتصالات ومراقبة على القمم.
وأعطي المكان الجغرافي أهمية عسكرية عالية، في السيطرة الميدانية والاستخباراتية والتكتيكية خاصة بسبب مجاورة الجليل للبنان وسوريا، كما لها أهمية في التراث الصهيوني للدور الذي لعبته في تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها موطن قدامى المحاربين والكيبوتسات القديمة ولاحتوائه على مستوطنات تهريب المهاجرين اليهود من سوريا ولبنان.
خسارة الجليل تعد خسارة كبيرة للاحتلال الإسرائيلي، ويحوّله إلى جبهة وبحسب قاعدة بيانات أعدّها "مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير" (يوفيد)، يُعد الشمال خزاناً مائياً وأرض المياه والينابيع والأنهار، ويضم أراضيَ خصبة وتنوعاً طبوغرافياً يسمح بتنوع المحاصيل ووفرتها.
وتحوّل الشمال إلى مركز زراعي وصناعي، وصار الجليل مصدراً رئيسياً للأمن الغذائي في الاحتلال فمن مستوطنات الشمال، يأتي 80% من إنتاج الدواجن و40% من محاصيل الحمضيات، و95% من التفاح، وتبلغ قيمة الإنتاج السنوي لمزارع النحل في الشمال 1.1 مليار دولار، وللجليل (خصوصاً الأعلى) أهمية سياحية كبيرة، إذ يقصده سنوياً حوالي 1,5 مليون سائح.
ويتميز باجتذابه للسياحة الداخلية كمقصد للبيئة الريفية في الإجازات والمناسبات، يشتمل على 211 موقعاً للسياحة الزراعية و557 موقعاً للسياحة الطبيعية "محميات طبيعية – غابات – جداول وأنهار وشلالات – ينابيع معدنية ساخنة – كهوف طبيعية – منتجعات صحية وشعبية " و527 موقعاً للأنشطة السياحية، ومنذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 انقلب كل ذلك رأساً على عقب.
وبعد الحرب على قطاع غزة ودخول حزب الله في الشمال على خط المواجهة أُخليت عشرات المستوطنات وأُغلقت المصانع وسُرِّح العمّال وهُجرت البساتين والسهول. وصلت أضرار الأمن الغذائي إلى 60%.
وتسبّبت حرب الاحتلال على غزة التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في نزوح عدد كبير من المستوطنين في القطاع وعلى الحدود مع لبنان، قد يصعّب العودة إليها مرة أخرى، وفق صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن هناك صعوبة تواجه حكومة الاحتلال في إقناع سكان المستوطنات بالعودة إليها مرّة أخرى منذ الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وفي آذار/ مارس الماضي، قال موقع "والا" العبري إن ضربات حزب الله اللبناني رفعت منسوب التوتر بين المستوطنين في شمال الأراضي المحتلة ورئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، وذلك بعد مقتل شخص في سقوط صاروخ بمنطقة الجليل، الأمر الذي يدل على استمرار الوضع الأمني السيئ في شمال الأراضي المحتلة منذ بداية العدوان على غزة.
وفي تقرير بعنوان "الشمال تُرك لمصيره يقتلوننا والحكومة لا ترد" نقلت مراسلة الموقع لشؤون الاقتصاد ليئات رون عن رئيس مستوطنة مرغليوت إيتان دافيدي، قوله "نحن أهداف سهلة، يتركوننا هنا لدفع تعويضات أقل".
ويحمّل المستوطنون حكومة نتنياهو وقيادة الشمال في جيش الاحتلال مسؤولية تدهور الوضع الأمني في الشمال.
وتبلغ الخسارة المالية في شمال الأراضي المحتلة، مع حملة القصف الصاروخي التي يشنّها حزب الله من لبنان، ما يقرب من 1.6 مليار دولار، ويبلغ عدد المستوطنين الذين تم إجلاؤهم، من الشمال والجنوب، نحو 125 ألف شخص، والعناية بهم تكلّف المليارات، وتم نقل بعضهم إلى مجتمعات آمنة من الصواريخ، بينما يُقيم آخرون في الفنادق مع أسرهم.
ويضطر البعض للعيش في أوضاع مرهقة وصعبة ويشعرون بالغضب المتزايد، خاصة أن الأطفال يتعلّمون في مدارس مؤقّتة، ويتعامل الآباء مع ضغوط كبيرة، وفق تقارير إعلامية، خاصة مع اكتظاظ الفنادق بالعائلات التي تم إجلاؤها.
تتوقَّع حكومة الاحتلال انهيار واختفاء مجتمعات بأكملها؛ واختيار الكثيرين عدم العودة إلى المستوطنات على الحدود مع لبنان ومع غزة، على الأقل قبل بضعة أشهر، حيث زاد من غضب رؤساء المستوطنات موقف نتنياهو ورده بسخرية خلال سؤال لعضو مجلس الحرب، بيني غانتس، حول موعد عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم في الأول من أيلول/ سبتمبر، مع بداية العام الدراسي، حين قال: "ماذا سيحدث لو عادوا بعد أشهر قليلة من 1 سبتمبر؟".
وفجر سؤال نتنياهو التهكمي، غضب المستوطنين في الشمال، وقرروا إعلان إجراءات احتجاجية، وصلت إلى حد الإعلان عن مناقصة عامة لتحديد موقع لحكومتهم، وخلق بديل عن حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
ضغط على حكومة الاحتلال
ومن جانبه قال المختص بالشأن الإسرائيلي، فراس ياغي، في تصريحات خاصة لـ" عربي21" إن القرار ما هو إلا ضغط جديد يمارس على حكومة الاحتلال، خاصة وأن رؤساء مستوطنات الشمال لديهم قناعة بعدم الاهتمام من قبل حكومة نتنياهو، ولا توجد مقومات لقيام دولة كما يزعمون أو تنفيذ تهديدهم.
وأضاف ياغي أن 50% من المستوطنين في مستوطنات الشمال تعطلت أعمالهم بسبب حرب الاحتلال على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فالقرار ما هو إلا وسيلة للضغط للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، وتعويضات متناسبة مع تعويضات مستوطنات الجنوب على حدود غزة.
وحصلت كل عائلة من المستوطنين تم إخلاؤها من غلاف غزة على مبلغ متوسط قدره 2 مليون شيكل (550 ألف دولار)، في إطار دعم حكومة الاحتلال للمشروع الاستيطاني.
كما قدرت تكلفة إقامة عائلة من 6 أشخاص في غرفة فندق بما يقارب 45 ألف شيكل (12 ألف دولار) شهريا، بينما العائلة التي لديها طفلان حصلت على مخصصات بقيمة 18 ألف شيكل (4800 دولار) شهريا إذا لم تكن مقيمة في فندق، وهو ما لا يحصل عليه مستوطنو الشمال مع الحدود اللبنانية.
مؤشر على الصراع الداخلي
وأشار المختص بالشأن الصهيوني، إلى أنه برغم أن ذلك القرار ما هو إلا ضغط وتهديد لكسب المزيد من المكاسب إلا أنه مؤشر على حالة التوتر والارتباك التي يعيشها الاحتلال الإسرائيلي، ومؤشر على أن المجتمع الإسرائيلي يتصارع على هوية الدولة ما بين الديني والعلماني، خاصة أن رئيس حكومة الاحتلال لا يريد إنهاء الأزمة والحرب خوفا على مستقبله السياسي.
بعض المكاسب
ومن ناحية أخرى قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية صلاح عواودة، في تصريحات خاصة لـ "عربي21" إن القرار الذي صدر اليوم ما هو إلا احتجاج سياسي حدث أكثر من مرة، خاصة وأن مستوطني الشمال على الحدود اللبنانية، يتمتعون دائما بامتيازات ضريبية ومساعدات لتشجيعهم على الاستمرار في السكن على الحدود.
وأضاف عواودة، أن موضوع التهديد بإعلان "دولة الجليل" ليس المرة الأولى، فقد تم التهديد به من قبل حين حاولت حكومة الاحتلال المساواة بينهم وبين باقي المستوطنين وسحب الامتيازات، إلا أنه وبعد حرب الاحتلال على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح مستوطنو الشمال يخوضون حربا مع حزب الله على الحدود مع احتياج كامل متزامن مع الحرب في غزة.
وقال الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إن الحرب تتسبب في فقدان 80 ألف مستوطن منهم لمنازلهم، وزاد من غضهم تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والسخرية من موعد عودتهم، مشيرا إلى أن القرار جزء من المشهد المأزوم الذي تعيشه حكومة الاحتلال، ويزيد من الأزمة.
المصدر: عربي بوست