أبرز ما نفّذه ترامب خلال ولايته بما يتعلق بمنطقتنا كان إبرام اتفاقيات أبراهام بين كل من البحرين والإمارات والمغرب مع كيان الاحتلال دون أي مقابل للفلسطينيين الذين لم يكونوا أصلا طرفاً في العلاقات، كما عمل بشكل حثيث لإقرار ما عُرف بصفقة القرن والتي لم يُكتب لها النجاح حينها.
مع قدوم بايدن للرئاسة الأميركية عمل على إكمال ما بدأه خلفه ترامب، فكانت “السعودية” هي الوجهة الأهم له لتطبيع علاقة الكيان بها. لكن ورغم المداولات العديدة التي قالت وتقول بأن الأطراف الثلاثة كانوا على وشك عقد الاتفاق التاريخي، أتى “طوفان الأقصى” وجرف كل شيء.
واليوم، يبدو أن الوقت أمام بايدن، أو السياسة الاميركية الحالية، قد نفذ وفرصة تدشين العلاقات الإسرائيلية السعودية قد ضاعت. وهو ما يُنبئ بأن الملف سوف يُدفع لبرنامج الرئيس المقبل.
عمليا، إذا أردنا النظر في فرص إتمام الإتفاق –بغض النظرعن العراقيل الواقعية التي ستجعل من الصعب على الإدارة الأميركية حلها في الوقت الراهن-، فإن أنه لم يتبق سوى أقل من أربعة أسابيع ينعقد فيها مجلس الشيوخ الأميركي قبل أن ينعقد في السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول للمرة الأخيرة قبل إجراء الانتخابات.
تشمل هذه الفترة شهر أغسطس، حيث يكون الكونجرس مفتوحًا لمدة يومين فقط. من الناحية النظرية، قد يحاول رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر استدعاء المشرعين من العطلة في أكتوبر/تشرين الأول، لكن مصدرين في الكونجرس اعترفا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بأن الإدارة لن تكون قادرة على تأمين دعم ما يقرب من 10 جمهوريين مطلوبين للموافقة على الاتفاق قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية.
مصادرالصحيفة العبرية أجمعت على أن الاتفاق غير ممكن دون التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة أولاً – وهي النقطة التي أوضحها علناً كبار المسؤولين الأميركيين والسعوديين، الذين أدركوا أن الرياض لن تكون قادرة على بيع صفقة تطبيع محلياً أو في المنطقة إذا استمرت الحرب القائمة.
وقال كبير مساعدي الجمهوريين في مجلس الشيوخ: “كانت السياسة بالفعل صعبة للغاية، بالنظر إلى نفور الجمهوريين من منح بايدن الإنجازات في عام الانتخابات ونفور العديد من الديمقراطيين من منح مثل هذه الجوائز للقيادة الإسرائيلية والسعودية الحالية:، وأضاف المساعد “لكن الإدارة الآن تكافح ضد الوقت، الذي لا تملك ما يكفي منه”.
بالمقابل، يقول ليندسي غراهام السيناتور الأميركي، لشبكة CNN إنه يبذل قصارى جهده لضمان إبرام الاتفاق تحت قيادة بايدن، ويرجع ذلك جزئيًا إلى اعتقاده أن بايدن سيكون لديه فرصة أفضل لحشد الدعم الديمقراطي في الكونجرس.
وقال جراهام لشبكة سي إن إن: “أعتقد أن الرئيس ترامب يدرك أن هذا الاتفاق يبني على ما فعله. إذا أبرم رئيس جمهوري هذه الصفقة، أعتقد أن معظم الديمقراطيين سيقولون لا … أعتقد فقط أن بايدن يمكنه أن يلوي الأذرع هنا”.
ولم يوضح ترامب ما هو تصوّره لشكل “السلام” الذي قد يتحقق أو ما يتصوره للمنطقة بعد انتهاء الحرب، وحتى أنه عندما سئل عن موقفه، كرر ترامب في الغالب ادعائه بأن الحرب لم تكن لتحدث لو كان في السلطة. وهو موقف اتبعه ترامبمنذ بداية الحرب، حيث يعيد التكرار مرارا اللوم لبايدن وإدارته علىاعتبار أنهاهي من سمحت للحرب بأن تمتد.
ويبدو أن لعب دور الناقد، كان لصالح ترامب، فقد أعطاه الناخبون درجات أعلى بكثير من بايدن في تعامله مع الصراعات الخارجية كرئيس، وفقًا لاستطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا في أبريل.
ويقول بعض المحللين إن بقاءه على الهامش إلى حد كبير يجعله في وضع أفضل لاستغلال الانقسام العميق في الائتلاف الديمقراطي حول تعامل بايدن مع حرب إسرائيل وغزة، وهي واحدة من أكبر نقاط الضعف التي ينظر إليها بايدن قبل الانتخابات.
وأما في سلوك ترامبالمتوقع تجاه القضية الفلسطينية وملف التطبيع، فلا من استذكار أهم ما قدمه ترامب للكيان خلال ولايته السابقة: خلال فترة رئاسته، نقل ترامب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
كما خفض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وأغلق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن. في عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وهي الخطوة التي رحب بها الجمهوريون ونتنياهو.
وفي العام 2019، خالفت إدارة ترامب مرة أخرى عقودًا مضت من السياسة الأميركية، لتعلن أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية انتهاكًا للقانون الدولي.
كما تعهد ترامب بمنع استقبال اللاجئين من غزة بموجب توسيع حظر السفر الذي فرضه خلال ولايته الأولى على الدول ذات الأغلبية المسلمة؛ وطرد المهاجرين المتعاطفين مع حماس؛ وألغى تأشيرات الطلاب الأجانب الذين يُعتبرون “معادين لأميركا” أو “معادين للسامية”؛ وفرض “فحص أيديولوجي قوي” لمنع دخول الأجانب الذين “يريدون إلغاء إسرائيل”.
هذه السياسات تُعطي فكرة عامة عن مستقبل الصفقة المحتملة بين الكيان الاسرائيلي و”السعودية”، ووفق ما يؤكده محللون أميركان، فإن ترامب سيكون أقل إكتراثا بكثير بالحقوق الفلسطينية.
ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه، كيف ستيكون تعامل ابن سلمان مع إدارة ترامب المقبلة في حال فاز في الانتخابات؟ هل سيكون خادما مطيعا له ضاربا عرض الحائط بما تبقّى من “شعبية” ومقبولية لبلده على صعيدين العالمين العربي والإسلامي؟
المصدر: مرآة الجزيرة