يبرز "مسجد برلين" التاريخي من خلف الأشجار في حي الأثرياء "فيلمرسدورف"، الواقع غربي العاصمة الألمانية برلين.
مسجد برلين يُشبه "تاج محل"
تأثر المسجد في بنائه بالعمارة المغولية، حتى شبه بعضهم تصميمه بتصميم "تاج محل" الشهير، لكن تاريخه يعدُّ، من جهة أخرى، صورة مصغرة عجيبة لألمانيا الحديثة، فقد قام على بنائه شخص مثلي يهودي اعتنق الإسلام وكان يأمل في جعل الإسلام الدين القومي لألمانيا.
بُني مسجد برلين في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ودمرت المدفعية السوفييتية مآذنه في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو أقدم مسجد باقٍ في ألمانيا، وأثر كاد يُنسى من عصرٍ ولى زمانه.
لكن المسجد العتيق تقترب الآن الذكرى المئوية لتأسيسه، ويحظى بعملية تجميل طال انتظارها، وتُبذل المساعي لكي يعود في خدمة الغاية المرجوة منه عند بنائه أول مرة.
طُلي داخل المسجد بلون الزعفران الأصفر ولون الحناء الأحمر القاني، وزُيِّنت نوافذه برسومات الجص، وأُحيطت قُبته بنقوشات دقيقة لشعار "الشهادة" في الإسلام، وهالة من الأضواء تشع من تحتها.
علاقته بالفرقة الأحمدية اللاهورية
أقام المسجد أتباع الفرقة الأحمدية اللاهورية في عام 1924 بعد عقدٍ من انشقاقهم عن الحركة الأحمدية المركزية، وموَّل بناءه امرأة متدينة من شبه القارة الهندية، باعت من أجله قسماً من جواهرها، ولا يزال فضلها معترفاً به حتى اليوم.
يتسم إمام المسجد، أمير عزيز، بالود والهدوء، وعادةً ما يتناول في خطب الجمعة دعوات الأخوة بين البشر والسلام بين الأمم. ويخطب عزيز باللغة العربية والإنجليزية والألمانية التي تشوبها لهجة باكستانية تكاد لا تُلحظ.
كان عزيز الأمين العام السابق للفرقة الأحمدية اللاهورية، وقد أُرسل للإشراف على تجديد المسجد وإكسابه حلة القرن الحادي والعشرين، ليس بالمعنى المعماري فحسب، بل بالمعنى الروحي أيضاً.
قصة اليهودي الذي أسس المسجد
كان مؤسس المسجد، هوغو ماركوس، رجلاً بارزاً من سكان الجزيرة. وُلد يهودياً ذا ولع بالقراءة للكتاب الألمان مثل غوته وتوماس مان، ثم وقع الإسلام موقعاً حسناً من قلبه، فاعتنقه، حتى أصبح بعد ذلك رئيساً لأتباع الفرقة الأحمدية في برلين. ورأي ماركوس أن الحل لمشكلات ألمانيا القومية ما بين الحربين هو اتباع الإسلام وإعلانه ديناً للدولة.
أصبح ماركوس أحد أبرز المسلمين في ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية. لكن الأحوال تبدلت بعد أن اندلعت الحرب واحتشدت عواصف الكراهية النازية لليهود وكل من كان منهم في يوم من الأيام. وهكذا، أعيدت تسمية هوغو بالقوة ليصبح اسمه "هوغو إسرائيل"، وأُرسل إلى معسكر اعتقال زاكسينهاوزن لليهود.
أُطلق سراح ماركوس بعد 10 أيام من اعتقاله، ومُنح وثائق تسمح له بالسفر إلى الهند لدواعٍ إنسانية، ثم سافر إلى سويسرا وعاش هناك حتى وفاته في عام 1966.
كان عمر آمال التسامح التي عقدها ماركوس على المسجد أطول من عمر التعصب التي نشره النازيون، وقد أصبح مسجد برلين الذي تأثر به في أيامه الأولى بيت عبادةٍ نابض بالحياة يتردد عليه الناس من كل جنس ولون، والآن يُطلى من جديد بألوان لعلها تعيد إحياء روحه القديمة.