باحث إسرائيلي بارز يكرّر تحذيراته: إسرائيل تقترب من نقطة اللاعودة لتصبح لا يهودية ولا ديموقراطية
يحذر باحث إسرائيلي بارز، هو جنرال في الاحتياط، من مواصلة الإسرائيليين تجاهل القضية الفلسطينية، مؤكدا أن إسرائيل تقترب من نقطة اللاعودة، وتصبح لا يهودية ولا ديموقراطية، داعيا للكف عن تغييبها في النقاش السياسي عشية الانتخابات البرلمانية القريبة.
Table of Contents (Show / Hide)
وقال ميخائيل ميليشتاين، الباحث في جامعة تل أبيب، في مقال نشره موقع القناة العبرية 12، إن إسرائيل تقف منذ حرب 1967 أمام معضلة استراتيجية صعبة في الموضوع الفلسطيني، وبصورة خاصة في كل ما يخص سيطرتها على الضفة الغربية: من جهة، كيف يمكن ضمان الأغلبية اليهودية في الدولة وشكلها الديموقراطي، ومن جهة أُخرى، عدم تقسيم الأرض والحفاظ على المصالح الأمنية الوجودية. موضحاً أن في هذا السياق اندلع النقاش الذي كان يتكرر لدى أجيال مختلفة بين مَن يريد الحفاظ على الوضع القائم، من دون فصل ما بين المجتمَعين، وبين مَن يريد التقسيم الجغرافي. ويمضي ميخائيل في رؤيته المستندة للمصلحة الإسرائيلية فقط: “في عدة مرات تم اتخاذ قرارات من شأنها تغيير الوضع القائم في الضفة- اتفاق أوسلو، وبناء الجدار “الأمني” في الضفة الغربية، وكذلك فك الارتباط عن غزة- لكنها جميعاً انقطعت في مرحلةٍ ما في أعقاب أزمات مع الفلسطينيين، أو تغيّرات سياسية إسرائيلية، أو صراعات داخلية فلسطينية قسّمت السلطة الفلسطينية. ونتيجة ذلك نشأ واقع كثير التناقضات، برزت في إطاره نماذج من التسويات السياسية والترتيبات المدنية في المنظومة الفلسطينية: دولة ناقصة في قطاع غزة، حكم ذاتي مناطقي “خفيف” في مناطق “أ” و”ب” في الضفة الغربية، سيطرة إسرائيلية مباشرة في مناطق “ج” في الضفة، بالإضافة إلى نحو 360 ألف فلسطيني في الشطر الشرقي في القدس بمكانة سكان دائمين غير مواطنين في إسرائيل”.
مصيدة استراتيجية
وفي هذا السياق، تتمركز إسرائيل، برأي الباحث الإسرائيلي، داخل مصيدة استراتيجية تتفاقم منذ أكثر من نصف قرن: من جهة، يتضح الفهم أن استمرار الوضع القائم سيؤدي إلى دولة واحدة، سيناريو ترفضه أغلبية المجتمع اليهودي؛ ومن جهة أُخرى، يختفي النقاش بشأن الانفصال، بسبب فهم حقيقة أن هذا السيناريو مستبعَد، والخوف من تداعيات وجود كيان فلسطيني مستقل. لذلك، من غير المفاجئ أن تدلل الاستطلاعات من الأعوام الماضية على وضع متناقض، إذ تعارض أغلبية المجتمع اليهودي الدولة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته لا تتحمل الحياة المشتركة مع العرب الفلسطينيين في الكيان ذاته”. كما يرى ميخائيل أن الأزمة الاستراتيجية تولّد في الأعوام الأخيرة مجموعة أفكار تحمل روح “كل شيء”(أي الاستيلاء على كل البلاد)، وتحاول وضع قناع الإبداعية في الواجهة، بما يوحي كأنه بالإمكان الاستمرار على هذا النحو. موضحاً أنه في مركزها التشديد على تقليص السيطرة على الفلسطينيين وتقليل التواصل ما بين المجتمعَين، من دون الحاجة إلى انفصال جغرافي. ويشير إلى أن هذه هي فكرة “السلام الاقتصادي” مثلاً، وإلى حد ما أيضاً “تقليص الصراع” الذي يستند إليه معسكر الوسط الصهيوني؛ إحياء خطة بيغن التي تمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً ثقافياً، من دون حكم على الأرض، وهو ما يريده “الليكود” حتى يومنا هذا؛ وكذلك الأفكار المتعلقة بكونفدرالية فلسطينية- إسرائيلية تنمو في معسكر “اليسار”.
أفكار مكررّة
ويرى أن المشترك بين جميع الأفكار هو أنها غير أصلية: جميعهم يحاولون إحياء أفكار تم صوغها وطُرحت خلال النصف قرن الماضي: بدءاً من التقاسم الوظيفي الخاص بموشيه دايان، الذي أراد خلق “وجود متعدد الأبعاد” وخالٍ من التواصل العربي اليهودي؛ مروراً بطريق “الحدود الناعمة” التي طوّرها شيمون بيريز؛ وصولاً إلى فكرة الكونفدرالية التي يطرحها يوسي بيلين اليوم من جديد.
فقدان البوصلة الأيديولوجية
ويعتقد ميخائيل أن كافة هذه الأفكار تستند إلى الإيمان بقدرة “الحل الاقتصادي” على تليين الأيديولوجيا ونسيان التطلعات القومية، ويضيف، بلهجة لا تخلو من الاستهزاء بالأفكار المذكورة: “وهكذا يكون على شعبين يتصارعان كقبيلتين قديمتين على العلم والأماكن المقدسة، تبنّي نماذج مركّبة تحتاج إلى تطوُّر اجتماعي وثقافي يصل إلى حد ما بعد الحداثة. أفكار “كل شيء” تخلق وهم حل ورؤية عملية، لكنها ليست سوى طريق طويلة وملتوية أكثر، تنتهي في الدمج الكلّي ما بين إسرائيل والضفة الغربية، وصولاً إلى كيان واحد”.
ميخائيل، الذي يدعو للانفصال التام عن الفلسطينيين منذ سنوات، يؤكد أن طريق “كل شيء” ليست نتاج الواقع المركّب الذي حدث فقط، إنما تعكس أيضاً حال السياسة الإسرائيلية في أيامنا، والتي تتميز بطمس عميق للحدود ما بين “يمين” و”يسار” وفقدان البوصلة الأيديولوجية، كما تسيطر عليها حكومات عمرها قصير، من الصعب عليها إدارة حوار معمق ووضع استراتيجيا طويلة المدى، والأصعب بكثير هو اتخاذ قرارات تاريخية.
خطة بيغن تمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً ثقافياً، من دون حكم على الأرض.
وضع الموضوع الفلسطيني في مركز نقاش الانتخابات
ويؤكد ميخائيل محذرا أنه على الجمهور الإسرائيلي إبداء اهتمام أعمق في الموضوع الفلسطيني، والاعتراف بتأثيره في شكل الدولة ووجودها، وأنه يجب الاعتراف أيضاً بأن جميع البدائل الموجودة أمام إسرائيل اليوم صعبة وقليلة، وأن الأقل سوءاً منها يحتوي على مخاطر وتحديات للمستقبل.
ويرى أن هناك خيارين استراتيجيين فقط تقف إسرائيل أمامهما؛ الأول، الاستمرار في الانصهار مع الضفة الغربية، الذي يتعمق بشكل ساخر كلما سرّعت إسرائيل خطواتها الاقتصادية والمدنية تجاه السلطة الفلسطينية والجمهور في الضفة الغربية. وفي نهاية هذا الانصهار ستكون إسرائيل مطالَبة بالحسم ما بين نظام واحد يتضمن مستويين مدنيين بطريقة تهدد شكلها الديمقراطي، وبين توطين كامل للفلسطينيين الذين يعيشون تحت سلطة إسرائيل، وهو ما سيهدد استمرار وجود الأغلبية اليهودية.
يشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك وعدد من خريجي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يحذرون في السنوات الأخيرة من أن عدم تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني والانفصال عنه سيورط إسرائيل في كيان سياسي تصبح فيه دولة لا يهودية ولا ديموقراطية.
يحذر الباحث ميخائيل ميليشتاين أنه على الجمهور الإسرائيلي إبداء اهتمام أعمق في الموضوع الفلسطيني، والاعتراف بتأثيره في شكل الدولة ووجودها.
الخوف من بلقنة الصراع
البديل الثاني، برأي ميخائيل، هو بحث انفصال جغرافي لا يعني بالضرورة دولة فلسطينية مستقلة، إنما توضيح أين تنتهي الحدود الإسرائيلية، وأين تبدأ الحدود الفلسطينية. هذا السيناريو الذي لا يوضح ما هي نهايته لا يخلو من التهديدات الأمنية والتحديات السياسية- على الأقل في المدى المنظور من دون غزة- لكنه يبقى أفضل من الواقع البلقاني وكابوس العيش في ظله. ويعتقد الباحث الإسرائيلي أن إسرائيل أضاعت الكثير من الوقت الثمين خلال سنوات الفوضى السياسية: في الموضوع الإيراني، ويقول إن هناك صعوبة في التعامل مع “قطار التخصيب النووي” الذي شق طريقه.
وفي القضية الفلسطينية، اقتربت إسرائيل من نقطة “اللا عودة”، التي تتطلب منها العودة إلى إجراء حوار بشأن الانفصال الجغرافي بين الشعبين. ويخلص ميخائيل للقول: “عشية الانتخابات، على الجمهور الإسرائيلي أن يتشدد ويطالب السياسيين باتخاذ مواقف واضحة في الموضوع الفلسطيني، وعدم الاكتفاء ببث شعارات غير واضحة تدلل على انعدام وجود التفكير الاستراتيجي العميق. ويتابع، متسائلا تساؤل العارف: هذا الحوار من شأنه دفع القيادة والجمهور سوياً إلى النظر بصورة واعية إلى الحاضر، وبصورة خاصة إلى المستقبل، والتشكيك في إمكان الإبقاء على الوضع القائم لزمن طويل، أو العكس؛ هل يجب اتخاذ قرارات تاريخية؟
تهديدات تتعاظم بينما نحن مشغولون بالانتخابات
وفي هذا السياق كرر تحذيره، المشابه للجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وقال إن إسرائيل تقف في مواجهة تحديات استراتيجية غير مسبوقة، لكنها غارقة بالأساس في سياسة صغيرة ما قبل الانتخابات وبعدها، وهذا بعكس الاستقرار السياسي الذي يتمتع به أعداؤنا، والذي يسمح لهم بالتركيز على استراتيجيا معادية لإسرائيل”.
الباحث: عشية الانتخابات، على الجمهور الإسرائيلي أن يتشدد ويطالب السياسيين باتخاذ مواقف واضحة في الموضوع الفلسطيني، وعدم الاكتفاء ببث شعارات غير واضحة.
ويضيف تحذير جلعاد، ضمن مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” وفيه أوضح أنه في رأس هذه التهديدات يأتي التهديد الإيراني على مسارين: النووي والباليستي. لقد أخطأت إسرائيل خطأً جسيماً في مساعدتها على إلغاء الاتفاق النووي، من دون إعداد بديل عسكري وأمني. ومن المحزن اليوم القول إن قرار ما إذا كانت إيران ستتحول إلى دولة نووية عظمى بصورة تعرّض إسرائيل للخطر، هو الآن بين أيديها فقط.
بيت محصن جيداً لكن النمل الأبيض يـأكله
وفي الشأن الفلسطيني يحذر جلعاد هو الآخر بالقول إنه من المؤسف أن المعركة الانتخابية البرلمانية الموجودة في خلفية كل الأمور لا تهتم بقضايا استراتيجية جوهرية، مثل تحوُّل إسرائيل بصورة تدريجية، ولكن ثابتة، إلى دولة واحدة لشعبين، الأمر الذي يتعارض تعارضاً كبيراً مع الرؤيا الصهيونية لدولة يهودية- ديمقراطية. وسبق أن أعرب جلعاد، خلال ترؤسه مؤتمر هرتزليا السنوي لميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي عن قلقه من سياسة إضعاف السلطة الفلسطينية، وحذّر من النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على ضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية. جلعاد، الذي شغل لسنوات طويلة منصب رئيس القسم السياسي– الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، اختار، في حديث إلى صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية، أن يصف إسرائيل بأنها بيت محصن جيداً، لكن النمل الأبيض يـأكله من الداخل”.
المصدر: القدس العربي