فورين أفيرز: وقف صفقات الأسلحة رسالة للسعوديين وتذكيرهم بالواقع
دعا السيناتور الديمقراطي عن كونيتيكت ريتشارد بلومنتال، وأستاذ ممارسة الإدارة بجامعة ييل البروفيسور جيفري سونينفيلد، في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز"، إدارة الرئيس جو بايدن إلى وقف صفقات الأسلحة للسعودية.
Table of Contents (Show / Hide)
وأشارا إلى قرار مجموعة "أوبك+" التي خفضت معدلات الإنتاج. فالتوقيت بحسب رأيهما لم يكن الغرض منه تغذية آلة الحرب الروسية في أوكرانيا فقط، ولكن من أجل عكس الجهود الحثيثة من إدارة بايدن والكونغرس لمواجهة التضخم والحفاظ على أسعار الوقود متدنية.
ووصف الرجلان القرار بـ"العدواني" وهو يأتي من أصدقاء واشنطن المفترضين في الرياض، وأضافا أن القرار قدم أمرا إيجابيا واحدا: فقد كشف عن أن الولايات المتحدة قادرة على تصحيح علاقة أصبحت وبشكل أساسي غير متوازنة.
وحنثت السعودية مرة بعد الأخرى بوعودها لواشنطن؛ في اليمن واستخدام الأسلحة الأمريكية فيها ومقتل صحفي يقيم في أمريكا وانتهاكات حقوق الإنسان.
ويؤكد السياسيان أنه حان الوقت لإعادة ضبط هذه العلاقة من طرف واحد. ولتحقيق هذا قدم السيناتور بلومنتال تشريعا لوقف صفقات السلاح إلى السعودية ولمدة عام.
ولو غير السعوديون موقفهم والتزموا بوعد الحفاظ على مستويات النفط عالية، فعندها ستعيد واشنطن موقفها بشأن مبيعات الأسلحة الأقل حساسية والنشاطات الأخرى المتعلقة، مثل صيانة الطائرات ودبابات أم1إي2. ويجب عدم إعادة نشر نظام صواريخ ثاد وباتريوت التي قدمتها أمريكا للسعودية عام 2017، إلا بعد تقييم شامل للعلاقات الأمريكية-السعودية.
وفي حال زادت السعودية من اصطفافها مع روسيا، فعلى الولايات المتحدة أن تكون جاهزة لوقف صفقات الأسلحة هذه وبشكل دائم.
ويمكن الجدال في أن السعودية تحتاج للسلاح الأمريكي أكثر من حاجة أمريكا للنفط السعودي و"لو استمرت السعودية بالأخذ من واشنطن أكثر مما تقدم بالمقابل فيجب أن تواجه التداعيات".
ويقول الكاتبان إن العلاقات الأمريكية-السعودية لا تصنف من الناحية الفنية كحلف بين البلدين، ولم توقعا معاهدة دفاع مشترك. ولكن الولايات المتحدة قدمت ولعقود الدعم الأمني للرياض، مقابل النفط. وظلت حقول النفط السعودية تحت السيطرة الأمريكية حتى السبعينيات عندما أعادت السيطرة للسعوديين بحيث حولت البلاد إلى أكثر بلدان العالم ثراء. ولكن الولايات المتحدة ظلت ملتزمة بأمن المملكة مقابل النفط والقيادة في المنطقة.
واتهم الكاتبان الرياض باستغلال العلاقات التاريخية واكتسبت معدات أمنية أكثر من حاجتها وقدرتها، والأكثر إثارة للقلق هو أن السعودية حصلت منذ 2017 على أسلحة دفاعية حساسة وتكنولوجيا بشكل تجاوز ما تقدمه الولايات المتحدة لحلفائها الذين تثق بهم مثل: كندا، وأستراليا، وإسرائيل، وبريطانيا، ودول الاتحاد الأوروبي.
وإلى جانب نظامي ثاد وباتريوت، فإن السعوديي يملكون مروحيات قتالية ومقاتلات ذات أجنحة ثابتة من بين الأسلحة المتقدمة الأمريكية الصنع.
ويجب أن تقلق الولايات المتحدة من خطط السعودية في تصنيع أجزاء مهمة من هذه الأنظمة محليا، معتمدة على التكنولوجيا الأمريكية المنقولة.
ومن هنا فإن تراجع السعودية عن وعدها بالحفاظ على معدلات النفط يقدم فرصة لإعادة النظر في صفقات السلاح الخطيرة والمتهورة هذه.
وعلى الولايات المتحدة وقف نقل التكنولوجيا الحساسة هذه قبل أن تفقد السيطرة عليها.
وعلى الولايات المتحدة ألا تستأنف نقل التكنولوجيا هذه، حتى لو تراجعت السعودية عن قرارها، وربط رفع الحظر بإعادة تقييم شامل للعلاقات الدفاعية الأمريكية-السعودية.
وفي حال التزم السعوديون بقرارهم، فعلى واشنطن أن تكون جاهزة لوقف التعاون ولأجل غير مسمى. وسيؤدي هذا إلى تآكل الدفاعات السعودية، وبدون المساعدة الأمريكية فإنه سيتوقف دفاعها الجوي في غضون أشهر، نظرا لأن الأنظمة الأمريكية ليست متطابقة مع الأنظمة الأجنبية ولا يمكن استبدالها.
وكما قال خبير الأسلحة بروس ريدل لـ"واشنطن بوست" فإن "عملية التحول من الطائرات الأمريكية والبريطانية إلى الروسية والصينية تستغرق عقودا. وينسحب هذا على الدبابات والاتصالات والمعدات التكنولوجية المتقدمة الأخرى".
ولن تستطيع الرياض، وفق الكاتبين، الحصول على بديل آخر في ليلة وضحاها. ولن يؤثر قرار أمريكا وقف صفقات السلاح ويقوي الصين وروسيا، لأن الرياض تعتمد على واشنطن، حيث تشتري 70% من أسلحتها و100% من الأسلحة المتقدمة جدا من الولايات المتحدة. أما نسبة 21% من مجمل مشتريات السعودية، فهي عبارة عن أسلحة متدنية القدرة وأسلحة صغيرة عفا عليها الزمن، سوفييتية الصنع، مثل قاذفات القنابل اليدوية والذخيرة إلى جانب المسيرات الصينية الصنع.
وببساطة تظل الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدما في العالم متقدمة بأجيال على الأسلحة الروسية العتيقة التي تستخدمها في ساحات المعركة بأوكرانيا. ومن المفهوم أن السعودية تريد شراء الكاديلاك الطائر ولنيكولن وليس سكودا الطائرة ولاداس.
ولدى السعودية أسباب أخرى لعدم شراء أسلحتها من مزودين غير غربيين، فروسيا والصين تبيعان أسلحتهما لإيران المنافسة لها بالمنطقة. وعليه فتوقيع اتفاقيات شراء أسلحة من موسكو وبكين سيكون تهديدا أمنيا على المملكة. وبهذا فإن وقف بيع الأسلحة للسعودية لن يصب في مصلحة إيران، فالسعودية القوية تظل حاجزا ضد التهديد الإيراني لو تصرفت بمسؤولية، لكنها لم تفعل هذا. بل على العكس، فطريقة استخدامها غير الذكية للسلاح الأمريكي أدت لتقوية إيران ووكلائها بالمنطقة من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان. فالسيطرة على شركاء أمريكا السعوديين والحد من إساءة استخدام السلاح الأمريكي لن يقوي إيران أو يوسع تأثيرها الخبيث بل إنه سيحد منه.
وربما تأثرت صناعة السلاح والمتعهدين العسكريين الأمريكيين من الحظر هذا، إلا أن الكاتبين يقدمان رؤية مختلفة ويقولان إن التأثير سيكون محدودا، لأن مبيعات السلاح للسعودية تشكل جزءا صغيرا من الموارد وخلق وظائف في الصناعة الدفاعية الأمريكية. وستكون النسبة أقل مع زيادة الطلبيات على السلاح الأمريكي وبخاصة أنظمة ثاد وباتريوت من دول الخليج الأخرى وحول العالم.
وهناك أمر آخر يتعلق بسياسة النفط، فوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية لن يؤدي إلى حصول السعودية على إمدادات إضافية من السوق، فهي تضخ 33% من النفط وأقل مما كانت تضخه قبل عامين. وإن تخفيض معدلات الإنتاج سيؤدي إلى خسارتها حصة في السوق للدول الأخرى، وبخاصة أن خزانات النفط مليئة لأن الرياض ترفض الإفراج عن أي احتياطي استراتيجي هذا العام.
وأشار الكاتبان إلى جهود السعودية في التحول من دولة بترولية مطلقة ومحاولة بناء صورة لها كواحة للاستقرار، حيث إنها خففت الكثير من القيود على المرأة وبدأت مشروع مدينة كلفتها 500 مليار دولار، إلا أن السلوك من حقوق الإنسان استمر، فمنظمة "فريدم هاوس" صنفت المملكة في الفئة الدنيا في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان أمام المنتدى الاقتصادي العالمي فوضعها مع آخر خمسة دول عندما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
وكان قرار المملكة دعم روسيا في السياسة النفطية، عاملا آخر في تشويه سمعتها. ولا يمكن للولايات المتحدة مواصلة التسامح مع القصور في سلوك السعودية بطريقة تعرض مصالحها للخطر.
ويعتقد قادة السعودية أنهم قادرون على دفع الولايات المتحدة للزاوية وإجبارها على القبول بشروطها حول الشراكة التي لا تخدم كثيرا المصالح الأمريكية. وعليه فوقف صفقات الأسلحة سيكون رسالة للرياض أن عليها الحصول من جديد على ثقة واشنطن.
المصدر: الخليج الجديد