كيف تعمق عملية طوفان الأقصى أزمات اقتصاد إسرائيل وتقودها نحو المجهول؟
يتجه الاقتصاد الإسرائيلي نحو المجهول، مع تصاعد المواجهات العسكرية مع فصائل المقاومة الفلسطنية في غزة، بعدما بدأت كتائب القسام، الذراع المسلح لحركة "حماس"، عملية "طوفان الأقصى".
Table of Contents (Show / Hide)
واندلعت الحرب في وقت تنتظر فيه السوق الإسرائيلية قرارات مصيرية، تتعلق بأسعار الفائدة من جانب بنك إسرائيل، وفي وقت تواصل فيه العملة الإسرائيلية (الشيكل) التراجع أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، كما أن بورصة تل أبيب تواصل انخفاضها لليوم الخامس على التوالي.
ووفق مراقبين وخبراء، فإن الاقتصاد الإسرائيلي، والذي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا المتطورة والتصنيع، سيتأثر جرّاء زيادة حالة عدم اليقين.
ويتوقّع الخبراء، أن تكون لعملية "طوفان الأقصى"، تأثيرات اقتصادية مباشرة، وأخرى في المستقبل، كما توقعوا أن تضطر إسرائيل إلى إغلاق البورصة، التي افتتحت الأحد أعمالها بهبوط 4%، تجنبا لأي تداعيات مالية محتملة.
وتم إغلاق الشركات التي تفتح عادة أيام السبت، بما في ذلك محلات البقالة والمقاهي والصيدليات، في جميع أنحاء إسرائيل في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" المفاجئة.
وقال أصحاب الشركات إنهم يجدون صعوبة في مواصلة أنشطتهم الروتينية بسبب الحرب.
وشرح أمين صندوق في أحد فروع سلسلة (AM:PM) في تل أبيب لموقع "ذار ماركر": "أنا هنا وحدي، جميع الموظفين غادروا، الجميع يخاف على حياته ولا أعرف أين ذهبوا. الآن المحل مفتوح هنا، ولكن ربما سيغلق خلال ساعة، أنا حقا لا أعرف".
وتم إغلاق بعض فروع السلسلة صباح الأحد.
والمحلات التجارية في مجمع "مول زخرون" التجاري، كانت مغلقة أيضًا، والمركبات التي تصل إلى المجمع تتوقف عند المدخل وتعود أدراجها.
وقال حارس الأمن في مكان الحادث للموقع الإسرائيلي ذاته: "أنا هنا منذ العاشرة صباحا. كل شيء مغلق. نحن بعيدون عن الفوضى في الجنوب، لكننا لن نخاطر".
كما واجهت فروع سلسلة سوبر فارم أيضًا صعوبات تشغيلية، والفرع الموجود في شارع اللنبي في تل أبيب، والذي يفتح طوال أيام الأسبوع.
وأغلق كذلك مقهى (Betha and Griga) الواقع في شارع لافونتين بالمدينة مغلق، على الرغم من أنه يفتح عادةً أيام السبت والأعياد.
وقال بعض المستهلكين لـ"ذار ماركر"، إنهم سارعوا إلى المحال "لشراء الأغراض، حتى لا نعلق لاحقاً إذا حدث طارئ واضطررنا للبقاء في المنزل".
في المقابل، فإن بعض العملاء ليسوا خائفين، وقال أحدهم: "جئت لشراء بعض البقالة لوصفة رأيتها. لا أعتقد أننا سنصل إلى وضع حيث ستكون هناك مشكلة في شراء البقالة في تل أبيب".
كما أبلغت الفنادق عن كثرة المكالمات إلى مراكز الخدمة، وإلغاء الحجوزات المستقبلية من قبل السياح.
يقول داني ليبمان، الرئيس التنفيذي لشركة (Atlas Hotels) لموقع "ذا ماركر": "هناك عمليات إلغاء هائلة للحجوزات المستقبلية.. ويبحث العديد من السياح المتواجدين في القدس وتل أبيب عن رحلات جوية للهروب".
يأتي ذلك في وقت ألغت شركات طيران عدة عشرات الرحلات إلى تل أبيب، في نهاية هذا الأسبوع، وفق بيانات الوصول في مطار بن غوريون الدولي.
ومن بين هذه الشركات التي أوقفت رحلاتها إلى مطار بن غوريون، "لوفتهانزا" وطيران "الإمارات" و"راين إير" وخطوط "إيجه" الجوية، وشركات أمريكية، والخطوط الجوية الفرنسية.
كما أعلنت شركة "إل أو تي" البولندية و"إيبيريا" الإسبانية و"آي تي إيه" الإيطالية، رحلاتها إلى تل أبيب "بسبب الوضع في إسرائيل".
ولم تقدم هذه الشركات معلومات بشأن الرحلات في الأيام المقبلة.
وعقب الإلغاءات، أصبح هناك حمل كثيف على رحلات الخطوط الجوية الإسرائيلية، وبات لا توجد مقاعد على معظم الرحلات.
ويقول شاني أوزان، مدير قسم المجموعات في وكالة السفر "جوردون تورز": "لدي مجموعة مكونة من 31 إسرائيليًا عالقين في فرانكفورت، لأن لوفتهانزا ألغت رحلة كانت مقررة السبت.. وحتى الآن لم تتحمل شركة الطيران المسؤولية ولا نعرف ما إذا كانت ستقوم بترتيب الإقامة لهم".
وبعد طلبات من مئات الإسرائيليين، أعلنت شركة "أركيا" أنها ستقوم برحلة إنقاذ ليلية من اليونان.
وتقول "إل عال" وهي شركة الطيران الإسرائيلية، إنها تلقت آلاف الاستفسارات من إسرائيليين يريدون العودة من الخارج، معظمهم من جنود الاحتياط.
كما لفتت إلى أن الكثيرين يريدون أيضًا مغادرة البلاد، ومعظمهم من السياح.
لذلك، فإن رحلات "إل عال" المغادرة والقادمة خلال هذه الأيام ممتلئة، وتدرس الشركة إضافة المزيد من الرحلات إلى جدولها.
يأتي ذلك في وقت أصدرت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، قرارا بتعطيل الدراسة من منطقة تل أبيب الكبرى حتى مناطق "غلاف غزة".
كما ستُغلق مئات المناطق الصناعية وآلاف المنشآت التجارية ومجمعات التسوق، وهي التي تشكل عصب الاقتصاد في المنطقة، وتخدم نحو 3 ملايين إسرائيلي.
من جانبه، قال موقع (Calcalist) العبري، إنه ليس من المستبعد أن تؤدي هذه الأحداث إلى تكاليف تصل إلى مليارات الشواكل.
وفقاً للحروب الماضية، تبلغ تكلفة جولة القتال حوالي 100-250 مليون شيكل (26-65 مليون دولار) يومياً، اعتماداً على ساحة ونطاق القتال.
وتشمل التكاليف المباشرة نفقات الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، من دفع ثمن الذخيرة والمعدات اللوجستية إلى دفع أيام الاحتياط وتكاليف إعادة تأهيل الجرحى.
أما الجزء الثاني من النفقات المباشرة هو تعويض المدنيين المصابين أو الذين تضررت ملكياتهم.
لكن من الصعب قياس التكاليف غير المباشرة، إذ تشمل هذه التكاليف خسائر الشركات التي تظل مغلقة، والأضرار التي تلحق بالسياحة وغير ذلك.
وتعد أكثر الحروب كلفةً في السنوات الأخيرة، هي حرب لبنان الثانية عام 2006، والتي استمرت 34 يوماً.
وبلغت التكلفة الإجمالية من خزانة الدولة، والتي تشمل نفقات الجيش الإسرائيلي على القتال والتعويضات، حوالي 12 مليار شيكل (3.12 مليارات دولار بقيمة اليوم)، منها 9.4 مليارات شيكل (2.44 مليار دولار بقيمة اليوم) في ميزانيات الدفاع، موزعة على 3 سنوات من الميزانية.
وفي عام 2015، قدر بنك إسرائيل أن حرب لبنان الثانية أدت إلى خسارة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح من 0.5% إلى 0.35%.
وكانت خسارة الإنتاج من عملية الجرف الصامد في عام 2014، والتي كانت حتى الآن أهم جولة من القتال في قطاع غزة منذ فك الارتباط، والتي استمرت 50 يوماً، وكلفت 3.5 مليارات شيكل، حوالي 0.3% من إنتاج ذلك العام.
وحسب تقييم بنك إسرائيل، فإن الخسارة الرئيسية كانت خسارة الدخل من صناعة السياحة في المنطقة بحوالي 2 مليار شيكل.
وبلغت التكلفة العسكرية لعملية الجرف الصامد نحو 7 مليارات شيكل، بالإضافة إلى تعويضات بقيمة 1.7 مليار شيكل، وبذلك بلغت التكلفة الإجمالية 8.7 مليارات شيكل.
ووفقاً لتقدير معهد دراسات الأمن القومي، رغم أن عملية حرس الجدار استغرقت ربع الوقت الذي استغرقته عملية الجرف الصامد، كانت التكلفة المباشرة لها قبل عامين من 4 إلى 5 مليارات شيكل.
ودُفِعَ أكثر من 300 مليون شيكل إضافية كتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات.
فيما بلغت الأضرار التي لحقت بالنشاط الاقتصادي 1.2 مليار شيكل، بحسب تقديرات جمعية المصنعين اعتباراً من عام 2021.
من جانبه، يرجح مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية غاد ليئور، أن تعمق الحرب على جبهة غزة من أزمات الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار تراجع الشيكل أمام الدولار، والأسهم في البورصة الإسرائيلية.
ولم يستبعد أن تغلق البورصة الإسرائيلية أبوابها في حال استمرت بالهبوط، وتوقع أن يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة لا يمكن حصرها بهذه المرحلة.
وقدّر حجم الخسائر الإسرائيلية في مواجهات عسكرية سابقة مع المقاومة الفلسطينية بعشرات مليارات الدولارات، للقطاع الاقتصادي والتجاري والسياحي.
كما ويرجح محلل الشؤون الاقتصادية لـ"يديعوت أحرونوت"، أن تعمق الخسائر المالية وكلفة الحرب عجز الموازنة العامة لإسرائيل.
من جهته، يقول المتخصص في الاقتصاد السياسي مطانس شحادة، إن عملية "طوفان الأقصى" سيكون لها تأثيرات اقتصادية مباشرة على إسرائيل بشكل عام، وجنوبها بشكل خاص.
ويضيف أن الضرر الاقتصادي سيكون واضحا، وستتحدد درجة تداعياته مع تطور الأحداث.
لكن المؤكد، برأي مطانس، أن المصالح الاقتصادية ستتعطل بالكامل جنوب إسرائيل، وربما العاصمة تل أبيب تحت تأثير الضربات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية.
ويتوقع المحلل الاقتصادي أن تلجأ إسرائيل إلى إغلاق البورصة، مع عودة التداول، تجنبا لحدوث انهيار للأسهم، كما يتوقع ارتفاع الدولار أمام الشيكل عندما تبدأ التداولات.
ودون أن يتحدث عن تفاصيل رقمية، يؤكد مطانس أن "طوفان الأقصى" سيشكل ضربة اقتصادية لإسرائيل، ربما تتكشف فاتورتها مع تطورات الحرب.
بينما يقول الرئيس التنفيذي لشركة الراية للاستشارات المالية هاني أبوالفتوح، إن ما يحدث سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، مشيراً إلى أن التوترات العسكرية ستلقي بظلالها على سوق المال الإسرائيلية.
ويضيف أبوالفتوح إن الحرب ستؤثر "بشكل كبير على قطاع النقل الجوي والبحري"، لافتاً إلى أهميته الحيوية للسياحة والتجارة بشكل عام.
ويتابع أبوالفتوح، أن التأثير قد يمتد إلى قطاع الغاز الإسرائيلي حال توجيه ضربات للبنية التحتية سواء خط تصدير الغاز أو المحطات، و"في هذه الحالة سيؤثر على مصر أيضاً".
قد يكون قطاع الغاز الإسرائيلي أكبر الخاسرين، لكنه لن يكون الوحيد، فهناك أيضاً السياحة، والتي تعتمد بشكل كبير على حالة الاستقرار الأمني.
ولا يزال الاقتصاد الإسرائيلي تحت تأثير تداعيات الإضرابات التي رافقت تعديلات قضائية أقرها الكنيست منذ أشهر.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قال كبير الاقتصاديين بوزارة المالية الإسرائيلية، شموئيل أبرامسون، إن الاستثمارات الأجنبية سجلت انخفاضا كبيرا في الربع الأول من 2023 بلغ 60%، مقارنة بالمتوسط في كل من الربعين الأولين لعامي 2020 و2022.
وقُدر حجم الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل في 2022 بنحو 28 مليار دولار.
وفي أغسطس/آب الماضي، حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن المخاوف على الاقتصاد الإسرائيلي بدأت تتجسد، بعد إقرار الكنيست (البرلمان) قانونا يحدّ من سلطات المحكمة العليا، ضمن خطة حكومية لـ"إصلاح القضاء".
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتباطأ الاقتصاد الإسرائيلي إلى 2.9% في 2023 من نسبة 3% التي كانت متوقعة، وإلى 3.3٪ في 2024 من 3.4% سابقا.