إسرائيل تتمزَّق داخليا واقتصادها ينزف بشدة
في خطوة ديكتاتورية جنونية غير مسبوقة، أقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت، مساء الأحد 26 مارس/آذار 2023، بسبب إصراره على وقف تشريع إصلاح القضاء الذي يسعى نتنياهو إلى تمريره لتبييض ماضيه الأسود، الأمر الذي دفع زعيم المعارضة يائير لبيد إلى التصريح علناً بأنّ نتنياهو يمثِّل خطراً على إسرائيل ويعادي صهيونيتها ويضرّ بأمنها القومي.
Table of Contents (Show / Hide)
العصيان في صفوف الاحتياط في الجيش كان سبباً لتلك الإقالة، فقد حذَّر جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي من أنهم لن يكونوا قادرين على الخدمة في محيط يفتقر للديمقراطية، قد يعرِّضهم للمحاكمة في المحاكم الدولية بشأن الإجراءات التي أُمروا بتنفيذها أثناء خدمتهم في دولة اهتزّ "استقلالها" القضائي بفعل فاعل.
تلك الإقالة لم تمرّ مرور الكرام، فقد تدفَّق بسببها مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع، احتجاجاً على خطّة نتنياهو لتجريدهم من الديمقراطية، من خلال تسييس المحكمة العليا وإضعاف قدرتها الرقابية على البرلمان وإزالة الضوابط الرئيسية على السلطة الحكومية ومنحها السيطرة على تعيين القضاة.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن إسرائيل تمرّ بأزمة خطيرة تهدِّد وجودها، فقد اخترق الصدع المتزايد جيشها ومؤسَّستها الدفاعية وأجهزتها الأمنية، كما أدَّت الإطاحة بوزير الدفاع إلى نشوء تمرُّد داخل حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو.
ستنقلب إسرائيل رأساً على عقب بعد أسبوع من الشلل يهدِّد المحتجُّون بغلق كل شيء خلاله، الأمر الذي سيتسبَّب في أضرار جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي، لكن تلك الأضرار لن تُقارن بكارثية العاهة المستديمة التي ستُحدثها إصلاحات نتنياهو في الاقتصاد الإسرائيلي إن تم تمريرها.
إنّ الضرر الذي أحدثته الأشهر الثلاثة الماضية من حماقة نتنياهو وغطرسته لن يتم إصلاحه بسرعة، فقد سبق للاقتصاديين ورؤساء البنوك والأكاديميين وقطاع التكنولوجيا والحلفاء الدوليين أن حذَّروا من عواقب دفع إسرائيل نحو مفترق طرق تاريخي بين الديمقراطية والديكتاتورية، لأنّ ذلك لن يجعل إسرائيل ضعيفة في أعين خصومها فحسب، بل سيلقي عبئاً ثقيلاً على الأجيال القادمة التي ستضطر لدفع فاتورة باهظة لإصلاح ما أفسده نتنياهو.
أعلنت الشركات في جميع قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي مشاركتها في الإضراب الاقتصادي الأكبر من نوعه في البلاد، كما قرَّر كل من أرباب العمل والموظَّفين على حدٍّ سواء، ولأول مرّة في تاريخ إسرائيل، الاستمرار في إضراب مفتوح، ولم تتردَّد أيضاً شركات التكنولوجيا الفائقة والبنوك وسلاسل المتاجر الكبرى ومراكز التسوُّق وقطاعات أخرى لا حصر لها في المشاركة في الإضراب العام.
واستجابة لدعوات الإضراب، توقَّفت شحنات البضائع في ميناء حيفا الذي يعدّ أكبر ميناء للشحن في إسرائيل، والذي يمرّ عبره 20 مليون طن من البضائع سنوياً، كما علَّق مطار بن غوريون في تل أبيب الرحلات المغادرة، وتمَّ إغلاق أكبر بنكين في إسرائيل لئومي Leumi وهبوعليم Hapoalim.
نتيجة الإضراب العام الذي شلَّ الاقتصاد الإسرائيلي وعدم الاستقرار الذي عمَّ أرجاء إسرائيل، انخفض سعر الشيكل مقابل الدولار بنسبة 2.22٪، عند 3.547 شيكل للدولار الواحد، كما انخفض سعر الشيكل مقابل اليورو بنسبة 2.47٪، عند 3.818 شيكل لليورو الواحد في تعاملات يوم الاثنين 27 مارس/آذار 2023.
جدير بالذكر أنّ الارتباط بين الأحداث غير المسبوقة على الساحة السياسية وسعر صرف الشيكل آخذ في الاتِّساع، لذلك من المتوقَّع أن يساهم انخفاض الشيكل في زيادة التضخُّم في الأشهر المقبلة.
من جانبه، حذَّر رئيس قسم الميزانيات في وزارة المالية يوجيف جاردوس وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من العواقب الاقتصادية لإصلاح النظام القضائي في إسرائيل، وتحديداً من انخفاض التصنيف الائتماني السيادي لإسرائيل، الأمر الذي سيزيد من عبء ديون إسرائيل بنحو 7 مليارات شيكل سنوياً (1.95 مليار دولار) نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي لسداد فوائد الديون، علاوة على ارتفاع تكاليف الاقتراض وصعوبة الحصول على قروض جديدة وسيؤدِّي أيضاً إلى تراجع النمو الاقتصادي بنحو 5.6%.
وأفادت دائرة الميزانيات في وزارة المالية الإسرائيلية في تقريرها الذي سلَّمته لوزير المالية، والذي تناولته صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية بأنّ إصلاح القضاء سيتسبَّب في خسارة تتراوح بين 50 و100 مليار شيكل (13.9 إلى 27.86 مليار دولار) في النمو الاقتصادي سنوياً.
سبق للخبيرة الاقتصادية الأولى بوزارة المالية الإسرائيلية شيرا غرينبرغ أن حذَّرت من تكاليف المساس بالطابع الديمقراطي لإسرائيل، وقدَّرت بأنّه خلال فترة خمس سنوات بعد إقرار إصلاح القضاء سيصل حجم الخسارة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي إلى 270 مليار شيكل (75.2 مليار دولار).
وسيكون هناك تراجع تراكمي في إيرادات إسرائيل بقيمة 70 مليار شيكل (19.5 مليار دولار)، وأكَّدت أنّ الضرر الذي سيلحق بإيرادات إسرائيل سيبدأ بالظهور مباشرة بعد تنفيذ إصلاح القضاء.
في الواقع، تستمرّ أسواق رأس المال والعملات الأجنبية في تسعير آثار إصلاح القضاء، فقد ارتفعت علاوة المخاطرة في إسرائيل (أي مقدار العائد الإضافي المطلوب من قبل المستثمرين كتعويض عن تحمُّلهم لجملة من المخاطر) بمقدار عشر نقاط أساس لتصل إلى 87 على خلفية التحذيرات من وكالات التصنيف والعديد من الاقتصاديين، وليس ببعيد أن تصل إلى مستويات تبثّ الذعر في الاقتصاد الإسرائيلي إذا لم تخمد نار الاحتجاجات.
على كل حال، ستكون الفترة القادمة كفيلة بحصر حجم الخسائر الاقتصادية والمالية الحقيقية جرّاء تهوُّر نتنياهو الذي فضَّل مصالحه السياسية والشخصية على رفاهية إسرائيل واقتصادها.
خلاصة القول، تغيَّرت الأحوال وتبدَّلت الأوضاع، وها هي إسرائيل الآن في أضعف لحظاتها. أما بالنسبة لنتنياهو فهو يضع أذناً من طين وأذناً من عجين للتداعيات الأمنية والاقتصادية الخطيرة لإصلاح القضاء الذي يرغب قي تمرير ولو جزء منه، وربّما يعتقد أنّ وقف الإصلاح سيضع حداً للاحتجاجات التي خرجت عن السيطرة وتجاوزت نقطة اللاعودة، لكنه سيدرك بأن تهوُّره لم يزده إلا خساراً. في الواقع، تبقى احتمالات رأب الصدع الإسرائيلي ضئيلة مع بقاء نتنياهو في منصبه، مستغلاً سلطته.
*د. سهام معط الله أستاذ بكلية الاقتصاد، جامعة وهران2، الجزائر.
المصدر | العربي الجديد