الحرب تلتهم مدخرات مئات الآلاف الإسرائيليين
لم تعد تداعيات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة تقتصر على المالية العامة للحكومة الإسرائيلية التي تسخر الكثير من مواردها للإنفاق على العمليات العسكرية، أو مؤشرات النمو الاقتصادي لدولة الاحتلال، وإنما تتعمق الأضرار داخل المجتمع، إذ باتت الخسائر تضغط كثيراً على ميزانيات الأسر، وتلتهم مدخرات مئات الآلاف، لاسيما من أصحاب المشروعات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص الذين توقفت أعمالهم منذ اندلاع الحرب.
Table of Contents (Show / Hide)
وجرى إغلاق 200 ألف شركة صغيرة تماماً وفق بيانات شبه رسمية، أو تقلصت أعمالها بنحو حاد من اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وشن جيش الاحتلال حرب شرسة على قطاع غزة، ما حرم مئات آلاف الإسرائيليين العاملين في هذه الشركات من دخلهم وسط غياب اليقين في نهاية قريبة للحرب، والحصول على تعويضات مناسبة لحجم الأضرار لتتصاعد الانتقادات إلى خطط الحكومة الإسرائيلية لجبر هذه الخسائر.
"غالبية المتضررات من النساء اللاتي أسسن مشروعات صغيرة على مدار السنوات الماضية بدعم من مؤسسات اجتماعية متخصصة في هذا المجال"، وفق تسوفيت غوردون الرئيس التنفيذي لجمعية مبادرات المستقبل، التي تعمل على تقليص الفجوات الاجتماعية من خلال إنشاء وتطوير مشاريع صغيرة لرائدات الأعمال الراغبات في تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وقال غوردون لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: "يوجد اليوم نحو 200 ألف من صغار العاملين لحسابهم الخاص، غالبيتهم من النساء، وهم يجدون أنفسهم الآن أمام تباطؤ اقتصادي يتزايد ويتزايد، وعملاء توقفوا عن نشاطهم. هذا القطاع أول من يتأذى وآخر من يُسمع صوته".
ينتقد الرئيس التنفيذي لجمعية مبادرات المستقبل، خطط الحكومة الإسرائيلية لصرف تعويضات لهؤلاء المتضررين، مشيرا إلى أن قيمة المنح التي من المتوقع أن يتلقوها إما ضئيلة أو غير موجودة بالأساس.
ووفق بيانات رسمية، فإن الحكومة الإسرائيلية تتوقع تراجعا حادا في الإيرادات العامة، وهو ما سيؤثر سلبا على مبالغ صرف التعويضات المقرر صرفها للمتضررين من الحرب على غزة، وستتراوح تكلفة الخسائر في الإيرادات بين 40 و60 مليار شيكل ( أي نحو 15 مليار دولار)، إلى جانب ما بين 17 و20 مليار شيكل ستتكبدها إسرائيل، على شكل تعويضات للشركات، و10 إلى 20 مليار شيكل لإعادة التأهيل".
بالإضافة إلى ذلك، لا توجد صلة بين النسبة المئوية للأضرار التي لحقت بالأعمال التجارية داخل إسرائيل، ومبلغ التعويضات الذي سيحصل صاحب العمل عليه بالفعل، وفق غوردون، الذي قال إن "أصحاب هذه الشركات لا يحتاجون إلى صدقات من الدولة، بل يريدون أن تستمر أعمالهم في الازدهار".
وتتخبط الحكومة الإسرائيلية في ملف صرف تعويضات للمتضررين من الحرب الذين تتسع القوائم لهم. ولم تعد تلك القوائم تقتصر على الذين جرى إجلاؤهم من المستوطنات والبلدات المتاخمة لقطاع غزة والواقعة في مرمى المقاومة الفلسطينية جنوب فلسطين المحتلة أو المعرضة للاستهداف من حزب الله على الحدود مع لبنان شمالاً، أو تعويض أكثر من 360 ألف شخص جرى استدعاؤهم للانضمام إلى الجيش، وإنما عشرات آلاف الشركات الإنتاجية والتجارية والخدمية التي توقفت أعمالها أو تقلصت أنشطتها وكذلك الفنادق التي استقبلت النازحين بعد انهيار السياحة وغيرها من الأنشطة.
وسيكون النمو الاقتصادي في إسرائيل قريباً من الصفر في العام المقبل، وفق التوقعات الرسمية الأكثر تفاؤلاً، بينما كانت التقديرات السابقة تشير إلى نمو إيجابي بنسبة 2%.
ووفق توقعات كبير الاقتصاديين في وزارة المالية، شموئيل أبرامسون، والتي نشرها موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي أخيراً، فإن الربع الأخير من العام الجاري سيعكس تراجعاً حاداً في النمو.
ووفق بنك إسرائيل المركزي، فإن "الحرب الحالية تتطلب إلى جانب الإنفاق العسكري، مساعدة السكان الذين تم إجلاؤهم وأسر المصابين والمفقودين، وتكثيف أنظمة الطوارئ والإنقاذ، وتعزيز نظام الخدمات العامة من أجل توفير الاستجابة لجميع السكان". ويطالب البنك بضرورة توفير سيولة أكبر لتلبية النفقات الناتجة عن الحرب على غزة، وسط توقعاته بانخفاض الإيرادات الضريبية خلال العام الجاري، بسبب الآثار السلبية للحرب على النشاط الاقتصادي.
وقدرت وزارة المالية الإسرائيلية، الخسارة الشهرية الناجمة عن الحرب بنحو 2.4 مليار دولار، وفق ما نقلت صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، أمس الاثنين. وتوقعت الوزارة وصول خسارة الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري إلى 1.4%. وأشارت إلى أن ذلك سيؤدي إلى "ركود في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي".
وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال بنك "جيه بي مورغان تشيس" الأميركي، إن الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11% على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، مع تصاعد الحرب. واعتبرت الصحيفة أن "الاقتصاد يدخل في حرب وجود.. سوق العمل معطلة، وقطاعات الأعمال في حالة من عدم اليقين".
وأضافت: "إن عدم اليقين بشأن استمرار المعارك وخطر اندلاع حرب شاملة في الشمال (مع لبنان) يؤثر على النشاط الاقتصادي ويسبب أضرارا متعددة الأبعاد للاقتصاد".
في الأثناء، فتحت مصلحة الضرائب إمكانية تقديم مطالبات إلكترونية للحصول على تعويضات للشركات عن الأضرار غير المباشرة التي لحقت بها، وفق صحيفة معاريف الإسرائيلية، أمس. وذكرت المصلحة أن بمساعدة هذا الآلية سيتمكن أصحاب جميع الشركات في إسرائيل من تقديم مطالبة بالتعويض وفقاً لموقع العمل ودرجة الضرر.
ويبدو أن حكومة الاحتلال تدرس إلى أي مدى يمكن أن تصل الأضرار الاقتصادية مع استمرار الحرب لفترة أطول. وعقد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، اجتماعاً مع محافظ بنك إسرائيل (المركزي) أمير يارون، للاستماع إلى رأيه حول التبعات الاقتصادية للحرب، وفق صحيفة معاريف، أمس.
وأشارت الصحيفة إلى أن اللقاء جاء من أجل التخطيط بشكل أكثر فعالية للاستمرار في الحرب، بما في ذلك الإبقاء على جنود الاحتياط الذين جرى استدعاؤهم لفترة أطول، مشيرة إلى أنه جرى التطرق إلى ضرورة تحديث موازنة الدولة ومواءمتها مع احتياجات الحرب نتيجة زيادة النفقات بمليارات الشواكل تبعا لمدة القتال. كما قام محافظ بنك إسرائيل بتفصيل إجراءات المساعدة المختلفة التي اتخذها البنك.
المصدر: المنار