مهزلة معرض التوظيف في الجافورة نموذج.. فقاعة مشاريع ٢٠٣٠ تنفجر
“خفض نسبة البطالة ليس طموحنا نحن كسعوديين.. الفرص التي أمامنا أكبر بكثير من هذه القضية” هذا كان تصريح محمد بن سلمان في إحدى لقاءاته التلفزيونية منذ ما يقارب السبع سنوات، وعلى عكس المبتغى منه فإن الحديث يعكس حقيقة الواقع الذي يعيشه شبان شبه الجزيرة العربية اليوم الذين يشهدون ملايين الدولارات تُصرف على لاعبي كرة القدم وعلى المناسبات الترفيهية الأخرى، مقابل تردّي أوضاعهم المعيشية، وهم أصحاب الحق في كل برميل نفط يُستخرج ولا يُصرف إلا على ملذّات أولياء الأمر في البلاد.
Table of Contents (Show / Hide)
منذ إعلان ما يُسمى برؤية 2030 والنظام السعودي يتبنى سياسة “النفخ” في ترويجه لمشاريعه، وواحدة من أكثر الروايات التي عمل على تلفيقها هي ملف البطالة، ففي الوقت الذي تزعم فيه أن نسبة البطالة وصلت لـ7%، يرزح حوالي مليون شاب في “السعودية” من حملة الشهادات الجامعية تحت وطأة البطالة.
أمام كل هذا أتى إعلان المعهد الوطنى للتدريب الصناعي عن إقامة معرض توظيف الذي قام بالتعاون بين شركة “أرامكو السعودية” وشركة “سامسونج” في العوامية والأحساء (المنطقة الشرقية)، حيث يُقام المعرض بمنطقة الجافورة في مقر التدريب.
لكن سرعان ما تحوّل هذا الأمل إلى مصدر خيبة جديد مُني به الشباب العاطل عن العمل، فقد وثقت مقاطع مصورة تدافع آلاف الشباب للتقديم على وظيفة عامل في حقل الجافورة النفطي، قبل أن يتراجع المعهد الوطني معلناً توقف معرض التوظيف تحت حجج واهية، بعد أن تمّ التعامل مع حاملي الشهادات بكثير من الاستخفاف.
فبعد أن قَدِم المئات من مختلف المناطق، وبعد أن تأمّل شباب الأحساء؛ الموضوعين على هامش اهتمامات السلطات لعقود، انصدموا بحجم الفوضى الذي يلف مكان هو برعياة شركات بحجم أرامكو وسامسونغ السعودية، حيث تظهر توثيقاتهم بمقاطع الفيديو كيف انتظروا لساعات تحت حرارة الشمس حاملين أحلام الانتشال من واقع مؤسف. قبل أن يقوم موظفو المعهد، وبمشهد هزيل جدا، بفتح صندوق سيارة ليضع الشباب فيها سيرهم الذاتية في العراء!
وبينت المقاطع المأخوذة في الأحساء؛ العدد المهول للشباب العاطل عن العمل، والذي كشف عن نسبة البطالة المرتفعة في المنطقة، حيث امتدت طوابير من الشباب الذين يحملون طلباتهم على امتداد الخط العام، للوصول إلى مركز التقديم، في صورة تبرز واقع الإهمال الرسمي للمنطقة وأهلها. وكما تظهر المقاطع اضطرار الشبان قطع مسافات طويلة قاحلة تحت الشمس للوصول إلى المعهد بما يتنافى مع مزاعم المعهد عن تأمينهم باصات خاصة للوصول إليه.
كانت حجة إغلاق المعرض أنه لم يكن مرخّصاً رغم انه سبق الإعلان عنه من حوالي اسبوعين وتم النشر حوله في الصحف المحلية. كما أنه ومن غير المعقول لشركات كبرى مثل أرامكو وسامسونغ السعودية ان تعمل معرض توظيف بلا ترخيص.
كما جرت العادة، بعد تداول مقاطع الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي وما عكسته من استنكار معلن ومبطن، فُعّل الذباب الالكتروني ليشن حملة مضادة قوامها التخوين والتهديد. وعملت فئة من الذباب على تجميل الواقع بأكثر مما يحمل، زاعمين بأن الذين قصدوا المعرض ليسوا عاطلين وإنما يبحثون عن فرص أفضل. وفي إحدى التغريدات الشاملة على بعض من عمل الذباب:
“سيمر عليكم هذا المشهد الفوضوي من معرض توظيف ( غير مصرّح ) في الجافورة بالمنطقة الشرقية
لقد تعمدت الشركات المنظمة عدم إستخدام الوسائل التقنية وعدم جدولة المقابلات الشخصية من أجل إظهار التزاحم (لأهداف تسويقية للمعرض من أجل التريند ولكي يصنعون سمعة في القطاع تضمن التعاقد معهم لاحقًا في معارض التوظيف)
كما أن كثير ممن حضروا ليسوا عاطلين بل هناك مسوقين وهناك باحثين عن فرص عمل أفضل أو دخل إضافيوقد تم إيقاف المعرض و بدأ التحقيق مع الشركات المنظمة التي تسببت في فوضى أرهقت المواطنين ولاتعكس التطور التقني السعودي في تسهيل إجراءات التقديم للوظائف .
تأتي حملة الذباب في محاولة للتبرؤ من الفضيحة وإخراجها من سياقها الحقيقي الذي يعكس حالة التخبط المحيطة برؤية 2030 والتي تشكّل الدعاية المضخمة حجر الزاوية فيها. عبر الزعم بأن معرض كهذا تم الترويج له بهذا الحجم وتقف خلفه كبرى الشركات من أرامكو وسامسونغ، ليس مصرّحا به!
ما هو حقل الجافورة؟
تم اكتشاف حقل الجافورة عام ٢٠١٤، ولكن عام ٢٠١٨ حتى أعلنت “أرامكو” حصولها على الموافقة على تطوير حقل غاز الجافورة في المنطقة الشرقية، وهذا التأخر يعود للظروف الصعبة التي كانت ولا تزال تمر بها السعودية ما يحتم عليها طرح هكذا مشاريع. وطول الفترة بين الاكتشاف والاعلان عن بدء الاستخراج؛ رسم علامات استفهام كبيرة عند المراقبين حول مدى صحة الاكتشاف.
تبع الإعلان سريعا اشداة من محمد بن سلمان فتحدّث عن أن تطوير الحقل سيحقق على مدى 22 عامًا دخلًا صافيًا للحكومة بنحو 8.6 مليار دولار سنويًا ويرفد الناتج المحلي الإجمالي بما يقدر بـ 20 مليار دولار سنويًا، على أن يؤدي إلى توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للمواطنين في تلك القطاعات وغيرها، كما سيجعل البلاد أحد أهم منتجي الغاز في العالم ليضاف إلى مركزها كأهم منتج للبترول، وفق ما قال.
ووفق ما رجّحه خبراء النفط فإنه لا عملية للاستخراج ولا جدوى اقتصادية من الحقل إلّا بعد وفرة في الإنتاج مع آلية استخراج منخفضة التكاليف لكي يدر عائدات مالية وافرة ترفد الخزينة السعودية، ومع أن المشروع يتطلب أموالاً طائلة لحفر وإستخراج الغاز منه تصل الى أكثر من 200 مليار دولار كما ذكرت أرامكو، فإنه من الصعب أن يكون المشروع واقعيًا، لذا هو لا يمتلك جدوى اقتصادية وخاصة أن الحقل هو ثاني أكبر حقل نفط صخري أحفوري في العالم ويتطلب عملية معقدة ومكلفة جدًا كما يجري في الولايات الأميركية، وأرامكو هي المستثمر الأول في العالم في هكذا حقول وتعلم جيدًا مشقاتها.
هذا وكان موقع أويل برايس شكك بحقيقة إعلان السعودية عن احتياطات الغاز في حقل الجافورة مستندا إلى تاريخها في الإعلان فجأة ومن دون معطيات محددة عن الاحتياطات المتوافرة.
تقرير اويل برايس استند إلى إعلان وزير الطاقة عبدالعزيز بن سلمان عن وجود 15 تريليون قدم مكعب إضافية من احتياطيات الغاز متوفرة في حقل الجافورة بالأحساء.
هذا وأوضح التقرير سبب ضعف رواية السعودية أنها يمكن أن اكتشافات الجافورة المؤخرة ستمكّن السعودية من أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للغاز بحلول عام 2030، يستخلص التقرير بعد حسابات رياضية، أن إجمالي كمية الغاز الجديدة المتوقعة من الجافورة بحلول عام 2030 تبلغ حوالي 334 ألف برميل يوميًا، وهو ما لا يكفي لتغطية الكمية الحالية من النفط – البالغة 500 ألف برميل يوميًا – التي يتم حرقها لتوليد الطاقة في البلاد، ناهيك عن أي شيء آخر كزيادة الطلب من الآن وحتى عام 2030.
وفي ختام التحليل، يستخلص أن “استنادًا إلى تقديرات الصناعة المستقلة بشأن تغير التركيبة السكانية السعودية والنتيجة الطبيعية المتغيرة لأنماط الطلب على الطاقة، فمن المحتمل أن تحتاج المملكة إلى إنتاج الغاز بحوالي 23-25 مليار قدم مكعب يوميًا خلال السنوات الخمس عشرة القادمة فقط لتغطية احتياجاتها من الطاقة والطلب الصناعي”. ويعيد مؤكدا أنه حتى لو كانت جودة اكتشاف الجافورة لا مثيل لها في تاريخ اكتشافات الغاز، فإن السعودية ستظل تعاني من عجز في قطاع توليد الطاقة إذا كان هناك تحول مباشر من حرق النفط الخام إلى حرق الغاز فقط.
كما شكك أويل برايس بالإعلانات المتكررة لأرامكو حول الاحتياطات، مشيرا إلى أنه في بداية عام 1989، امتلكت احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ 170 مليار برميل، ولكن بعد عام ودون اكتشاف أي حقول جديدة ارتفعت التقديرات الرسمية لتصل إلى 257 مليار برميل وبعد فترة وجيزة نسبيا ارتفعت مرة جديدة إلى ما يزيد قليلا عن 266 مليار برميل، وايضا دون اكتشاف أي حقول رئيسية جديدة، مايضع علامات استفهام حول حقيقة وجود الكميات المعلنة من الغاز في الجافورة.
وكانت أرامكو منذ إعلانها اكتشاف الحقل، ادعت أنه سيؤمن وظائف لآلام الشباب والشركات. وها نحن اليوم نشهد تعرية أكاذيبهم، في ظل تساؤلات يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن “ما الغاية من ما جرى؟ هل هو تعمّد الإذلال؟”.
المصدر: مرآة الجزيرة