الحرب على غزة.. ماذا يعني استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض؟
في سماء غزة، انتشرت سحب بيضاء، وتصاعدت أعمدة من الدخان من الذخائر التي أسقطتها الطائرات الإسرائيلية، في مشهد قالت عنه جماعات حقوق الإنسان إنه ناتج عن سلاح استخدم لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، وينتهك الأعراف الدولية، وهو ما نفته إسرائيل.
Table of Contents (Show / Hide)
هكذا يشير تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، وترجمه "الخليج الجديد"، تحت عنوان "ما الذي يعنيه استخدام الفوسفور الأبيض في الحروب؟"، والتي رأت أن استخدام إسرائيل لتلك المادة الكيماوية المميتة من شأنه انتهاك الأعراف الدولية.
فبعد ما يقرب من أسبوع من التصعيد في قطاع غزة، قالت "هيومن رايتس ووتش"، إن لقطات الفيديو وشهادات الشهود "أثبتت" استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المدنية، وهو السلاح الذي يعتقد ناشطو حقوق الإنسان، أنه يجب حظره صراحة بموجب القانون الدولي.
وأكدت صحيفة "واشنطن بوست"، مقطع الفيديو الذي أظهر قذيفتين مدفعيتين إسرائيليتين من عيار 155 ملم تطلقان ما يبدو أنه فسفور أبيض.
ونفت إسرائيل هذه الاتهامات ووصفتها بأنها "كاذبة بشكل لا لبس فيه".
والفوسفور الأبيض هو مادة كيميائية منتشرة في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، تشتعل عند تعرضها للأكسجين، وينتج عن التفاعل الكيميائي حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية، وضوءاً ودخاناً كثيفاً يستخدم لأغراض عسكرية، ولكنه يسبب أيضاً إصابات بالغة عندما يتلامس مع جسم الإنسان.
ويمكن أن يحرق الفسفور الأبيض الأنسجة وصولاً إلى العظام، ويسبب تلفًا لا يمكن إصلاحه في الجهاز التنفسي، ويؤدي إلى فشل الأعضاء.
وحتى الإصابات الطفيفة يمكن أن تصبح مميتة بسرعة إذا لم تتم إزالة جميع صخور الفسفور الأبيض من الجسم.
ويُلازم غالباً أولئك الذين ينجون من إصاباتهم الأوّلية معاناةً مدى الحياة، إذ تعيق التقلصات -الشدّ الدائم للعضلات والأنسجة الأخرى- الحركة، في حين أن صدمة الهجوم الأوّلي والعلاجات المؤلمة والندوب المتغيّرة المظهر تؤدي إلى ضرر نفسي واستبعاد اجتماعي.
كما يمكن للحرائق الناجمة عن الفوسفور الأبيض أن تدمّر المباني والممتلكات المدنية، وتلحق الضرر بالمحاصيل، وتقتل الماشية. كذلك يؤدي انعدام الموارد الكافية المتاحة لمقدّمي الخدمات الطبية في مناطق النزاع المسلّح إلى تفاقم العملية الصعبة في علاج الحروق الخطيرة.
ولا يعدّ الفوسفور الأبيض سلاحاً كيميائياً، لأنه يعمل بشكل أساسي بالحرارة واللهب وليس بخصائصه السمّية، كما أنه يمكن توصيله عبر قطع من اللباد المنقوعة بالفوسفور، وتنبعث منها رائحة "الثوم" البارزة.
ويستخدم الفوسفور الأبيض عادة للتعتيم على العمليات العسكرية في ميدان المعركة، إذ ينتج عنه ستارة من الدخان ليلاً أو أثناء النهار لإخفاء الحركة البصرية للقوات العسكرية.
كما أنه يتداخل مع بصريات الأشعة تحت الحمراء وأنظمة تتبع الأسلحة، وبالتالي يحمي القوات العسكرية من الأسلحة الموجهة مثل الصواريخ المضادة للدبابات.
ويقول التقرير إن إطلاق القذائف المملوءة بالفسفور الأبيض على غزة، وهي إحدى أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم والتي يسكنها 2.3 مليون نسمة، يشكل فرصة كبيرة لإصابة المارة الأبرياء.
وينقل عن مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "رايتس ووتش" لما فقيه: "كل مرة يُستخدم فيها في مناطق مدنية مكتظة، يشكّل الفسفور الأبيض خطرا كبيرا يتمثّل بإحداث حروق مؤلمة ومعاناة مدى الحياة".
وتضيف: "الفوسفور الأبيض عشوائي بشكل غير قانوني عند انفجاره جوا في مناطق حَضَرية مأهولة، حيث يمكن أن يحرق المنازل ويلحق ضررا فادحا بالمدنيين".
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي أصبحت فيه ساحة المعركة بين إسرائيل وحماس أكثر توتراً، وأكثر تقييداً وتعقيداً، حيث لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشير إلى أن إسرائيل تستعد لغزو بري لقطاع غزة.
ولاحظ المحققون أن ما لا يقل عن 7 ذخائر تحمل علامات مثل تلك الموجودة على أسلحة الفسفور الأبيض تم إطلاقها الأسبوع الماضي، شوهدت في القطاع.
ويلفت التقرير إلى أن إدخال الفسفور الأبيض إلى الحرب سيكون بمثابة تصعيد جديد ومثير للاشمئزاز.
وسبق أن استخدمت الولايات المتحدة مقذوفات الفسفور الأبيض من قبل، في حرب العراق عام 2003، وكرئيسة للتحالف الدولي الذي يقود الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
ووفق "رايتس ووتش"، فإن "اتفاقية الأمم المتحدة بشأن أسلحة تقليدية معينة تحظر استخدام الأسلحة المصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو التسبب في إصابات حروق ضد المدنيين".
وتضيف: "استخدام الفسفور الأبيض ينتهك أيضًا التزام الدول بموجب القوانين الدولية الأخرى باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إصابة المدنيين والخسائر في الأرواح".
ويعلق تقرير "فورين بوليسي" على ذلك بالقول: "سيكون استخدام هذا السلاح بمثابة تغيير جذري للجيش الإسرائيلي، الذي قال قبل أكثر من عقد من الزمن إنه سيتخلص تدريجياً من استخدام العامل الالتهابي لصالح مقذوفات دخان (M150) الأمريكية الصنع التي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية".
في وقت تشعر جماعات حقوق الإنسان بالقلق من أن الذخائر المعبأة بالفسفور الأبيض، يمكن أن تسبب ضررا لا يمكن إصلاحه لجسم الإنسان.
يقول بريان كاستنر محقق الأسلحة في فريق الأزمات التابع لمنظمة "العفو الدولية"، الذي يدرس المادة: "إنها تسبب حروقاً مروعة للغاية.. إنها ليست حريقاً تقليدياً.. إنه تفاعل كيميائي.. ولا يمكن إخماده بالماء.. وإذا كنت تعيش خلال الحروق، فهذه إصابة ستغير حياتك".
والخوف هو أن إطلاق الفسفور الأبيض من قذائف المدفعية، التي يمكن أن تخطئ أهدافها على بعد ميل واحد، يخلق خطرًا أكبر لإصابة المدنيين.
ويضيف كاستنر: "إنها ليست مجرد جولة واحدة تضرب مكانًا محددًا.. إنه انفجار جوي ينشره فوق منطقة ما".
ويتابع أن قذائف المدفعية التي تطلقها إسرائيل، والتي من المحتمل أن تحمل الفسفور الأبيض، يمكن أن تخطئ بأكثر من 300 قدم على حافة مداها الفعال.
ومع ذلك، والحديث للتقرير، إن اللغة القانونية في وثائق الأمم المتحدة بها العديد من الثغرات.
فيرى أولئك الذين يؤيدون السماح للجيوش باستخدام الفسفور الأبيض أن غرضه الأساسي هو أن يكون بمثابة ستار من الدخان لحركة القوات، وليس حرق الأشياء أو البشر.
ومن شأن هذا الفارق الدقيق أن يستبعد المادة الكيميائية من لوائح الأمم المتحدة.
وتقول ليلى السادات المستشارة الخاصة السابقة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم ضد الإنسانية، إن أسلحة الفسفور الأبيض "تتعارض مع روح القانون، إن لم يكن نصه، لأن الهدف الأساسي هو تجنب المعاناة غير الضرورية وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى أدنى حد ممكن".
وتدعو الدول أن "تلتزم بأعلى المعايير الممكنة، وليس أدنى المعايير الممكنة".
وخلال حرب غزة التي دامت شهرًا تقريبًا في عام 2008، والمعروفة في إسرائيل باسم عملية "الرصاص المصبوب"، أطلق جيش الاحتلال حوالي 200 ذخيرة فسفور أبيض تُطلق من الأرض على غزة، وفقًا لتقرير "رايتس ووتش" لعام 2009.
واستشهد عشرات الفلسطينيين وأصيبت العديد من المباني المدنية، بما في ذلك مدرسة ومستشفى ومخزن مليء بإمدادات المساعدات وسوق، جراء هذه الضربات.
فيما أكد الجيش للجماعات الحقوقية أن استخدام الفسفور الأبيض في حربه التي استمرت 22 يوماً كان مجرد ستار من الدخان للعمليات البرية.
لكن العديد من الناشطين واصلوا الضغط من أجل إلغائه.
وفي عام 2013، اعترف الجيش الإسرائيلي بالآثار القاتلة للفسفور الأبيض بعد تقديم سلسلة من الالتماسات لحظر المادة الكيميائية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية.
وفي تلك المرحلة، قالت إسرائيل إنها لن تستخدم المادة الكيميائية بعد الآن في المناطق المأهولة بالسكان إلا في "حالتين خاصتين للغاية".
ولم تكن هذه الاستثناءات متاحة لأي شخص سوى القاضي المشرف على المحكمة العليا الإسرائيلية، في ذلك الوقت.
ويلفت التقرير إلى أنه "حتى لو تم إدراج الفسفور الأبيض صراحة على أنه محظور بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية، فلن تضطر إسرائيل إلى الالتزام بقواعدها".
ويختتم: "لأنه على الرغم من أن غزة والضفة الغربية تعترفان بالاتفاقية، إلا أن إسرائيل لا تعترف بها".