تقرير يكشف العلاقة بين الاستعمار الفرنسي للجزائر وغزة اليوم
نشر موقع "ريسبونسيبل ستيت كرافت" الأمريكي، تقريرا، تحدّث فيه عن العلاقات بين فرنسا والجزائر زمن الاستعمار والحرب في غزة اليوم.
Table of Contents (Show / Hide)
وقال الموقع، إنه بالتزامن مع هجمات ضد أهداف عسكرية تابعة لقوة الاحتلال، مات عدد من المدنيين في منازلهم؛ فيما اندلعت الحرب، كما كتب أحد الجنود، "وكان لا بد من دفنهم بالجرافات".
وتابع التقرير أنه: "بينما يبدو هذا الهجوم أشبه بتغطية أحداث السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر وحرب غزة الحالية، إلا أن هذه التفاصيل تعود لـ"مذبحة فيليبفيل" التي وقعت سنة 1955 في الجزائر. لقد كان هذا الحدث بمثابة نقطة تحول رئيسية في حرب الاستقلال الجزائرية بعد 125 سنة من الاحتلال الفرنسي".
وأوضح: "أدّى ذلك إلى سبع سنوات أخرى من الوحشية التي أسفرت عن مقتل ما بين 300 ألف إلى مليون جزائري وهدّدت بحرب أهلية في فرنسا. كما أنها زرعت بذور العنف المستقبلي في الجزائر وفي جميع أنحاء العالم".
وأردف: "يتعين على الأمريكيين أن يفكروا في تاريخ التجربة الفرنسية في الجزائر في سياق حرب غزة الحالية والتاريخ الأطول للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في هذا الصراع، وهو الدور الذي يعترف به الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط ويكرهونه بوضوح، حتى لو لم يكن معظم الأمريكيين يعرفون ذلك".
وأشار إلى أنه "من المهم أن ندرك الصورة الأكبر والسياق التاريخي للأحداث. إن الخلط بين أفعال محددة، مثل مذبحة فيليبفيل أو عملية حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وبين الأهداف العامة للتمرد، يهدد بالخلط بين الوسائل والغايات، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى سوء فهم جوهري للموقف العام".
وأبرز التقرير نفسه أنه "قبل مذبحة فيليبفيل، ناضل القوميون الجزائريون لأكثر من قرن ضد الحكم الفرنسي. وقاوم الأمير عبد القادر الاحتلال الفرنسي لأكثر من عقد من الزمان في ثلاثينات القرن التاسع عشر، وحدثت ثورات كبرى أخرى في ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر. ودعا الجزائريون المعتدلون إلى إجراء إصلاحات ووضع دستور وتحسين الاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية".
"وتصاعدت الالتماسات التي لم يتم الرد عليها إلى مطالب بالحكم الذاتي، ومطالب سلمية بالاستقلال، وفي نهاية المطاف دعم المقاومة المسلحة الجديدة. ومع ذلك، رفض الفرنسيون النظر بجدية في معالجة هذه المظالم السياسية طويلة الأمد، ونظروا إلى المقاومة من منظور عسكري فقط. وكان البعض يركزون اهتمامهم على التكتيكات الإرهابية لجبهة التحرير الوطني" يضيف التقرير.
واسترسل: "اعتبر مسؤول عسكري فرنسي الثورة الجزائرية جزءا من "مسيرة شيوعية" أكبر. وزعمت وجهات نظر فرنسية أخرى "نحن لم نأت إلى هنا للدفاع عن الاستعمار. نحن المدافعون عن الحرية والنظام الجديد". فيما دافع آخرون، بما في ذلك الكثير من الجمهور الفرنسي والمستوطنين في الجزائر، بقوة عن الاستعمار الفرنسي واعتبروا الجزائر جزءًا لا يتجزأ من فرنسا، رافضين تلبية رغبات الجزائر في الاستقلال".
وأكد أن "الهدف النهائي لحماس، مثلها في ذلك كمثل جبهة التحرير الوطني، لا يتمحور حول العنف الذي حدث في السابع تشرين الأول/ أكتوبر في حد ذاته، بل حول إنشاء دولة مستقلة. ومثل الجزائريين، دافع الفلسطينيون منذ فترة طويلة عن إقامة دولة فلسطينية، والحل العادل للصراع، وحماية حقوق الإنسان، ومعارضة المستوطنات وعنف المستوطنين، وإعادة هيكلة المؤسسات الفلسطينية، وتعديل السياسات الأمريكية، والحصول على الخدمات والموارد، وإنصاف الفلسطينيين لإنهاء انعدام المساواة والتمييز".
وأبرز أنه "عندما استطلع المركز العربي الرأي العام العربي حول الأسباب التي دفعت حماس إلى العملية، وجد فهما واسع النطاق للسياق التاريخي والأهداف القومية"، مشيرا إلى أنه "ذكر 35 بالمئة من المشاركين أن السبب الأهم هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في حين قال 24 بالمئة إن السبب هو استهداف إسرائيل للمسجد الأقصى، فيما أورد 8 بالمئة بأنه الحصار المستمر على قطاع غزة، وأرجع 6 بالمئة ذلك إلى استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية".
ذكر الموقع أن "أغلب اهتمام المراقبين الغربيين بحماس يتركز على نيتها تدمير إسرائيل، كما ورد في الميثاق التأسيسي لحماس. ويتجاهل هذا التركيز عرضها في سنة 2008 هدنة على أساس قبول حدود سنة 1967 والاعتراف الضمني بإسرائيل، ونشر حماس "لبيان" جديد في سنة 2017 أعلنت فيه أنها ستقبل حدود سنة 1967 وتفاصيل أي اتفاق، بما في ذلك مبادرة السلام العربية لسنة 2002، التي وافق عليها الشعب الفلسطيني في استفتاء، عند تنفيذ تلك الصفقة. كما أنه يتجاهل إمكانية التفاوض على أي حل بديل غير ذلك الذي يتبناه قادة حماس الرئيسيون".
"هذا يفترض أيضا أن موقف حماس الأصلي والمتشدد هو الخيار الوحيد لحل مقبول بين الفلسطينيين. ويتجاهل هذا الافتراض السابقة التاريخية للتسويات عن طريق التفاوض، بما في ذلك الفرص الضائعة للسلام عن طريق التفاوض في الجزائر" يتابع التقرير.
وأردف: "يمثل الدرس الثاني المستفاد من التجربة الفرنسية في الجزائر أيضا تحذيرا مفاده أن العنف الفرنسي المفرط ضد الجزائريين، بما في ذلك الأوامر الصريحة بتنفيذ "المسؤولية الجماعية"، أدى في نهاية المطاف إلى زيادة الدعم للمقاومة المسلحة".
إلى ذلك، لاحظ أحد الإداريين الفرنسيين، بحسب التقرير أن "إرسال وحدات الدبابات لتدمير القرى أشبه باستخدام مطرقة ثقيلة لقتل البراغيث. والأمر الأكثر خطورة هو تشجيع الشباب - وأحيانًا الأطفال - على الالتحاق بجماعات التمرد".
على نحو مماثل، أشار زعيم جزائري إلى أن عمليات التجنيد الفرنسية كانت بمثابة "أفضل وكيل تجنيد لدينا". وأعلن بيان لاحق لجبهة التحرير الوطني أنه "يتعين علينا أن نرد على سياسة القمع الجماعي الاستعمارية بعمليات انتقامية جماعية ضد الأوروبيين، عسكريين ومدنيين، متحدين جميعا وراء الجرائم المرتكبة بحق شعبنا".
وأشار بأن هذا أقنع أيضًا الجزائريين المعتدلين بدعم المقاومة المتشددة، مما أدى إلى تقليص السبل والمحاورين للتوصل إلى تسوية سياسية. وأعلن أحد القادة المعتدلين قائلا: "دوري اليوم هو أن أقف إلى جانب زعماء المقاومة المسلحة. إن الأساليب التي أيدتها على امتداد السنوات الخمس عشرة الماضية -التعاون والمناقشة والإقناع- أثبتت أنها غير فعالة".
وحسب الموقع، هناك سياسة فرنسية مدمرة أخرى حققت بعض النجاح العسكري على المدى القصير ولكنها ثبُت في نهاية المطاف أن لها نتائج عكسية وهي التهجير القسري الذي كان يهدف إلى "عزل المجتمعات عن جبهة التحرير الوطني وبالتالي حرمانها من الملجأ والإمدادات". وقد أجبر ذلك أكثر من مليون مدني على ترك منازلهم، إلى أماكن "محشورين فيها في بؤس متواصل" حيث "مات أطفال من الجوع" والبرد.
وشملت الممارسات "الوحشية" الأخرى الاعتقالات الجماعية والتعذيب على نطاق واسع وإساءة معاملة المعتقلين. وبينما زعم المسؤولون الفرنسيون أن هذه الأساليب حققت نجاحًا عسكريًا على المدى القصير، يرى المؤرخ أليستر هورن أنها كانت في نهاية المطاف هزيمة ذاتية.
إن حصيلة القتلى المروعة، والتشريد، والدمار غير المتناسب، ومزاعم العقاب الجماعي، والمعاملة اللاإنسانية والتعذيب المحتمل للمعتقلين في غزة، تقدم أوجه تشابه مخيفة بين العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي الحالية والعمليات الفرنسية في الجزائر.
ومثلهم مثل الجزائريين، يواجه الفلسطينيون النازحون في غزة حاليا المجاعة ولا يتلقون مساعدات إنسانية ورعاية طبية كافية على الإطلاق. وهذه التقارير مهمة للتحقيق في مزاعم انتهاكات القانون الدولي، والتي يتم بحثها في أماكن أخرى، لكنها تثير أيضًا غضبًا عالميًا مشابهًا للإدانة الدولية للإجراءات الفرنسية في الجزائر.
على نحو مماثل، فإن هذه الإجراءات تؤدي إلى نتائج عكسية لأنها تزيد من الدعم للمقاومة الفلسطينية المسلحة، كما أشار استطلاع باروميتري عربي.
وقبل الفرنسيون في النهاية استقلال الجزائر سنة 1962، بعد خمس سنوات من "الانتصار" الفرنسي في معركة الجزائر، وبعد سبع سنوات من مذبحة فيليبفيل، وبعد 18 سنة من مطالبة الجزائر بالحكم الذاتي الفيدرالي، وبعد 132 سنة من استخدام القوميين الجزائريين لأول مرة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي. مع ذلك، استمر العنف بسبب البذور التي زرعت خلال الحرب، والتي شكلت الحكم الاستبدادي في الجزائر، والحرب الأهلية الجزائرية في التسعينات، وارتباطاتها بالإرهاب العالمي.
إلى ذلك، تعكس حرب غزة الحالية التجربة الفرنسية مع المقاومة المتكررة، كما أظهرت الجماعات المسلحة مثل حماس وحزب الله، التي نشأت إلى حد كبير نتيجة لاحتلال إسرائيل لجنوب لبنان بعد حربها سنة 1982 ضد منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك البلد. وهذا يدل على أنه حتى لو هُزمت حماس عسكريا، وإذا لم تتم معالجة المطالب السياسية الفلسطينية والمظالم الأساسية، فسوف تظهر جماعة مقاومة مسلحة أخرى.
واختتم التقرير بالقول: "يتعين على الأمريكيين أن يتعلموا من هذه الدروس من خلال فهم السياق الكامل للحرب الحالية في غزة والاعتراف بالتأثير الهدام الناجم عن سعي إسرائيل إلى تحقيق "النصر الشامل" العسكري الوحشي الذي يسهله الدعم الأمريكي غير المشروط".
المصدر: عربي 21