بالعودة إلى حقيقة أن كُلّاً من "السعودية" والإمارات العربية المتحدة رائدتين في مجال القمع الرقمي، جعل منها "قِوى" تقود طفرة إقليمية على البرمجيات الأمنية. وأشارت توقعات مؤسسة البيانات الدولية (IDC) إلى أن الإنفاق على منتجات وخدمات أمن تكنولوجيا المعلومات في هذين البلدين سيصل إلى 8.4 مليار دولار في عام 2027، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي مركب قدره 12 في المائة خلال الفترة المتوقعة 2023-2027، ذلك في أحدث دليل للإنفاق الأمني العالمي.
ووفقًا لمؤشر الأمن السيبراني العالمي للاتحاد الدولي للاتصالات 2020 الذي أبرزه التقرير، احتلت السعودية المرتبة الثانية، والإمارات العربية المتحدة المرتبة الخامسة، من بين 194 دولة مشاركة، مما يشير إلى أن كلا الجهتين قد اتخذتا تدابير واسعة النطاق فيما يتعلق بنهج تنظيمها لهذا الحقل.
وتم إصدار التقرير التفصيلي، الذي يحمل عنوان "الأمن السيبراني في الشرق الأوسط: استكشاف إمكانات سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط"، قبل انعقاد معرض جيسيك العالمي 2024 - أكبر رابط للأمن السيبراني وأكثرها تأثيراً في الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي يعود إلى مركز دبي التجاري العالمي والذي سوف يُعقد ابتداءً من 23 حتى 25 أبريل/ نيسان المقبل.
اللافت هو أن هذا النمو كان على الصعيد الحكومي، أي ليس للاستخدامات الفردية، و"الأنظمة" هي المستفيد والدافع الأول لهذا التطور حيث تزايد اهتمامها بمجال الأمن السيبراني.
وما اندفاع السعودية والإمارات للتحول إلى قوى رقمية كبرى، سوى لتحكيم قبضتها على هذا العالم الذي بدأ يتحوّل شيئا فشئيا إلى عدوّها الأول، مع تصاعد دلائل تعاملها مع هذا العالم كخطر محدق بممالكها. ولعلّ وجه التقارب بين جنون المحمّدين، ابن سلمان في "السعودية" وابن زايد في الإمارات، كان المحرّض الرئيسي لتوجه "المملكتين" سويّا إلى اتباع نهجا متشددا إلى هذا الحد في ما يتعلق باستخدام الشعوب لمواقع التواصل الاجتماعي وسواها من الوسائل الالكترونية. مع الإشارة إلى اختلاف أساليب القمع، فالأول –ابن سلمان- غير الآبه، توجه نحو القمع المباشر والصريح، وأما ابن زياد الأكثر مكرا فقد كان قمعه أكثر تستّراً وبشكل غير مفضوح.
والأهم من القمع الذي يتبع "المخالفة"، هو القمع السابق لها. ودرّة تاج هذا الأسلوب تأتي المدن الذكية المرتقبة في "السعودية". فلا يمكن النظر إلى "المدن الذكية" التي يُزعم الانتهاء من تأسيسها عام 2030، على رأسها مدينة نيوم، سوى كأداة أساسية لما يمكننا تسميته "القمع المسبق"، وهو الذي لا ينتظر تبلور السلوك بل يستبقها.
يكمن هذا بما يتطلبه الانتقال إلى هذه المدن من تقديم للبيانات الشخصية، وبما تدمجه في حياة الأفراد اليومية من أحدث التقنيات، سواء باستخدام أجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء، والمراقبة البيومترية، والذكاء الاصطناعي، لهدف أسياسي هو توسيع نطاق مراقبتها.
تعتمد "المدن الذكية" في جوهرها على جمع ومعالجة البيانات الشخصية على نطاق واسع، والتي يتم تنفيذها عادة دون علم الأفراد أو موافقتهم. ويتم إضافة كل معلومة جديدة عن الشخص إلى "هويته الرقمية".
وتعارض العديد من منظمات المجتمع المدني، برامج الهوية الرقمية لأنها تثير مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك ما يتعلق بعدم وجود أدلة على الفوائد التي من المفترض أن تقدمها، وكيف تخطط السلطات لحماية حقوق وبيانات المستخدمين. هذا ووقع مئات الأشخاص على رسالة #لماذا_الهوية إلى أصحاب المصلحة الدوليين للحصول على توضيح حول كيفية حماية حقوقهم.
يُذكر أن العديد من المنظمات الحقوقية في معرض انتقادها لواقع انعدام القدرة على التعبير عن الرأي في "السعودية"، تقول أن مستخدمي الإنترنت في شبه الجزيرة العربية يواجهون رقابة واسعة النطاق، حيث تقوم السلطات بشكل منهجي بحظر مواقع الويب أو إزالة المحتوى. علاوة عليه، تؤكد المنظمات المعنية بأن "السلطات السعودية" تتلاعب بالمعلومات عبر الإنترنت لإعطاء صورة إيجابية عن الحكومة وسياساتها. مؤكدة أن مصدر القلق الأساسي بشأن "سوء استخدام" المنصات الافتراضية هو خطر التعرض للمضايقة أو الملاحقة القضائية.. وحتى الإعدام!
المصدر: عربي 21