كرة توتر السعودية ومصر بدأت بالتدحرج فإلى أين ستصل؟
هل تعيش السعودية ومصر أزمة مفصلية في العلاقات؟ يبدو هذا السؤال مطروحة بقوة على الساحة في ظل استمرار التراشق بين الإعلاميين المقربين من السلطات في كلا البلدين.
Table of Contents (Show / Hide)
ورغم كون الأزمة لم تنتقل إلى المستوى السياسي العلني بعد، إلا أن استمرارها هكذا دون احتواء يشي بأن هناك ملفات جوهرية تثير الخلاف بين البلدين.
أصل الخلاف
يبدو أن كرة ثلج التوتر بدأتها الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعيشها مصر، والتي أظهرتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى السطح، وأبرزها تجلياتها انخفاض قيمة العملة المصرية إلى ما دون مستوى 30 جنيها مقابل الدولار، ولجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي لطلب حزمة إنقاذ جديدة بقيمة 3 مليارات جنيه.
وبخلاف الأموال التي سيقدمها الصندوق والمؤسسات المانحة الدولية، أشار الاتفاق الثنائي بين القاهرة وصندوق النقد أن باقي الفجوة التمويلية المصرية (حوالي 14 مليار دولار) سوف يتم سدها عن طريق "بيع الأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية".
ترفض السعودية ودول الخليج التي قدمت للنظام المصري ما يربو على 90 مليار دولار منذ استيلاء الجيش على السلطة في صيف 2013، بحسب مصادر البنك المركزي المصري التي أظهرت هذا الرقم للعلن عام 2019، ترفض أن تواصل سياسة المساعدات غير المشروطة، وهو ما أشار إليه وزير المالية السعودي "محمد الجدعان" في تصريح له في يناير/ كانون الثاني المنقضي، حيث أكد أن "عصر المنح والمساعدات الاقتصادية ولّى" وأن المملكة سوف تربط مساعدتها التمويلية بإجراء إصلاحات اقتصادية.
وقد أشار مراقبون أن تصريحات "الجدعان" كانت رسالة إلى بعض دول المنطقة التي تعتمد على الدعم السعودي وفي مقدمتها مصر ولبنان، والأردن.
ويبدو أن التبرم من المساعدات لم يكن موقف المملكة وحدها، حيث خرجت أصوات خليجية مؤخرا تنتقد المساعدات الضخمة التي تلقتها القاهرة من دول الخليج خلال العقد الأخير، أبرزها ما صدر عن أمين سر مجلس الأمة الكويتي "أسامة الشاهين" الذي طالب حكومته بعدم الانصياع لمطالب الصندوق بتمويل مصر، معتبرا أن الكويت أولى بأموالها.
حرب إعلامية ورسائل دبلوماسية
كان اتفاق صندوق النقد الأخير، وتململ السعودية الواضح من الالتزام بمواصلة تقديم المساعدات إلى مصر هو ما أشعل شرارة التراشق الإعلامي بين الطرفين، وهو تراشق قاده على الجانب السعودي أكاديميين اثنين مقربين من الديوان الملكي، هما "تركي الحمد" و "خالد الدخيل"، الذين وجها انتقادات لاذعة لتعامل مصر مع الملف الاقتصادي، محملين المسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد إلى الجيش الذي يسيطر فعليا على الاقتصاد.
غير أن السعودية لم تكتفِ بالرسائل الإعلامية على لسان كتابها، لكنها بدأت في التعبير عن ضيقها عبر رسائل دبلوماسية، لعل أبرزها غياب المملكة، مع الكويت، عن القمة الأخيرة التي استضافتها الإمارات في 19 يناير المنصرم، وجمعت الرئيس المصري"السيسي" مع أمير قطر وملك البحرين وسلطان عمان وملك الأردن، وكان جزءا من جدولها هو بحث إغاثة مصر اقتصاديا.
وكان لافتا أن الغياب السعودي عن قمة أبوظبي كان هو الثاني بعد غياب عن تجمع سابق في مدينة العلمين المصرية، في أغسطس/آب من العام الماضي، وهو التجمع الذي ضم أيضا قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.
جاءت قمة أبوظبي التشاورية في سياق نشاط دبلوماسي ملحوظ للإمارات للتأكيد على دورها المحوري في الإقليم؛ في ظل خلاف مكتوم مع السعودية عبر عدد من الملفات أبرزها حرب اليمن وملف النفط الذي أعربت الإمارات عن ضيقها سرا من تفرد المملكة في اتخاذ القرارات بشأنه، في أعقاب قرار "أوبك بلس" خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يوميا في 5 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي.
يقع الملف الاقتصادي في قلب الخلاف السعودي الإماراتي أيضا، حيث تسعى الرياض لسحب البساط من تحت قدمي أبوظبي ولعب دور المركز الرئيسي للمال والأعمال في المنطقة. ويمتد هذا الخلاف الاقتصادي للعلاقة مع مصر، حيث لا تشعر السعودية بالرضا عن الأفضلية التي تمنحها القاهرة لأبوظبي في الصفقات الاقتصادية والاستثمارية الحيوية خاصة في منطقة قناة السويس وقطاع الموانئ.
ماذا تريد المملكة؟
في غضون ذلك، أشارت مصادر صحفية قبل أسابيع وجود "أزمة" تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض على خلفية توجه الاستثمارات السعودية المرتقب ضخها في السوق المصرية، ويجري العمل على حلحلتها على مستوى رفيع.
وأوضحت المصادر، المرتبطة بالسفارة السعودية في القاهرة، أن الحكومة المصرية المصرية ترغب في أن تكون عمليات الاستحواذ السعودية على شركات تابعة للحكومة أو للأخيرة نسبة فيها، ما يسمح بدخول الدولار إلى السوق المصرية بشكل مباشر، في حين تفضل الحكومة السعودية الاستحواذ على شركات مملوكة للقطاع الخاص، حسبما أوردته صحيفة "الأخبار" اللبنانية.
وأضافت أن التفاوض جرى، في الأسابيع الماضية، على عمليات استحواذ، استهدفت السعودية من خلالها شركات مملوكة لرجال أعمال مصريين يريدون إخراج أموالهم من مصر، وهو ما تعارضه القاهرة.
من جانبهم، يعتقد المسؤولون السعوديون أن إتمام العمليات عبر شركات تطرحها الحكومة المصرية، ومن بينها شركات وبنوك لا تحقّق عائدات كبيرة اقتصادياً، إنما يمثّل خسارة لاستثماراتهم التي تستهدف تحقيق عائد مالي مجزٍ في السنوات المقبلة. وفي المقابل، طلبت الرياض من القاهرة وعوداً بفرص استثمارية مجزية في شركات تابعة للجيش المصري، سواء كان من خلال الطرح في البورصة أو خارجها عبر مستثمر رئيس.
مستقبل الخلاف
ويمكن أن يثير ملف طرح الشركات التابعة للجيش للاستثمار الخارجي خلافا بين السيسي وكبار العسكريين أصحاب النفوذ في القطاعات الاقتصادية، وهو أمر من المرجح أن الرئيس المصري سوف يسعى إلى تجنبه.
في المقابل، يبدو أن دول الخليج تتعرض لدخول داخلية وخارجية لتغيير سياساتها في ملف المنح والمساعدات.
على الجانب السعودي تحديدا، تسعى الرياض لمراجعة سياستها المالية الخارجية والالتزام بالقواعد التي تضعها المؤسسات المالية الدولية من أجل الإبقاء على تصنيفها مرتفعا، حتى لا تتأثر خططها التنموية المستقبلية التي تقوم في جزء منها على جذب استثمارات أجنبية.
يعني ذلك أن الجدوى الاقتصادية باتت تتفوق على الاعتبارات السياسية فيما يخص ملف المنح والمساعدات والاستثمارات، وهي يعني بالتبعية أن المملكة ستمارس مزيدا من الضغوط على مصر لتلبية طلباتها وشروطها الاستثمارية وهو ما قد يعرض العلاقات الثنائية للمزيد من الضغوط.
المصدر: الخليج الجديد