معهد أميركي: ماذا لو سبقت صفقة النووي صفقة التطبيع
تناول معهد “بروكينغز” الأميركي في تقرير له؛ الشرط السعودي لإتمام صفقة التطبيع مع إسرائيل؛ المتمثل بعقد اتفاق نووي “مدني” مع الولايات المتحدة الأميركية كما طرح ما دون هذا الاتفاق من عقبات، ويتناول من جهة أخرى الإيجابيات التي يمكن أن تستحصل عليها أميركا من هكذا اتفاق. خاتماً بعدد من التوصيات التي تقدمها عادة المعاهد الأميركية كجزء أساسي من عملها.
Table of Contents (Show / Hide)
تتلخص عقبات إتمام اتفاق نووي “مدني” –وفق المعلن- بين السعودية وأميركا بالمعارضة الداخلية الأميركية بشكل أساسي، إلى جانب التخوف الأميركي من التصريحات السياسية السعودية العديدة التي سبق لها أن أقرّت استعدادها تطوير سلاح نووي في حال قامت إيران بذلك، ما يضع المساعدة الأميركية في بناء أولى أحجار المشروع النووي السعودي موضع ريبة ورفض للكثير من الأميركيين المتحفظين من أي اتفاقيات مع بلد كالسعودية سيئ السمعة.
كما يشير المعهد إلى إشكالية أن يؤثر الدعم الأمريكي لمنشأة التخصيب في السعودية سلبًا على نظام منع الانتشار العالمي حتى لو تم وضع حواجز كافية لمنع الانتشار لمنع إمكانية المساهمة في قدرة الأسلحة النووية السعودية بشكل فعال. ويتساءل المعهد ” كيف يمكن للولايات المتحدة بعد أن قالت “نعم” للمملكة العربية السعودية، أن تقول “لا” لحليف معاهدة مثل كوريا الجنوبية، التي حاولت دون جدوى الحصول على موافقة الولايات المتحدة على التخصيب على أراضيها؟ كيف يمكن للولايات المتحدة أن تثني روسيا أو الصين أو غيرها عن عرض محطة تخصيب لعملائها لتحسين عروضهم لبيع مفاعلات نووية – وعن تقديم مثل هذا العرض دون الإصرار على أنواع القيود التي قد تصر الولايات المتحدة عليها لمنع التحويل؟ لبرنامج الأسلحة النووية؟”.
ويشير إلى التقارير الإعلامية المتعلقة بالمفاوضات النووية الأمريكية السعودية التي أثارت مخاوف في الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق باحتمال إنشاء منشأة للتخصيب في السعودية. وهو ما استدعى مجموعة من الخبراء الإقليميين وخبراء منع الانتشار النووي من الحزبين ومجموعة من 20 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ أن يرسلوا رسائل إلى الرئيس جو بايدن، تدعو فيها الإدارة إلى اشتراط أي اتفاق نووي مدني أمريكي سعودي على التزام سعودي ملزم بالتخلي عن قدرات التخصيب وإعادة المعالجة. ذلك وفي ضوء النية السعودية المعلنة لمضاهاة أي قدرة إيرانية على إنتاج أسلحة نووية، قالت المجموعتان إن الفشل في الإصرار على المعيار الذهبي يمكن أن يؤدي إلى قدرة سعودية على إنتاج أسلحة نووية وسباق تسلح إقليمي.
إقبال أميركي من باب تأمين مصدر يورانيوم مخصب غير روسيا
بالمقابل، ينبّه المعهد من أن الإصرار على التخلي الملزم عن قدرات دورة الوقود من شأنه أن يؤدي إلى عدم التوصل إلى اتفاق نووي مدني، بما يُفقد الولايات المتحدة أي فرصة للمشاركة في البرنامج النووي للسعودية، بما في ذلك النافذة التي ستوفرها للقدرات والخطط السعودية وفرصة ممارسة التأثير على جوانب البرنامج المتعلقة بمنع الانتشار والضمانات والسلامة والأمن. وسوف تلجأ المملكة إلى حكومات أخرى موردة للطاقة النووية، بما في ذلك تلك التي ستكون أقل تطلباً من الولايات المتحدة فيما يتعلق بقيود نقل التكنولوجيا، والضمانات، وغيرها من ضوابط منع الانتشار.
وبدلاً من استبعاد نفسها من أي دور في البرنامج النووي السعودي، يؤكد المعهد أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى إلى إقامة شراكة نووية مدنية واسعة النطاق بين القطاعين العام والخاص مع السعودية، والتي يمكن أن تساعد في تنشيط الصناعة النووية الأمريكية وتقليل حجم الطاقة النووية الأمريكية.
حيث يمكن أن يتفق الطرفان على أن الولايات المتحدة ستساعد السعودية في بناء منشأة لتحويل اليورانيوم في المملكة، ويمكن شحن هذا اليورانيوم المحوّل إلى الولايات المتحدة، وتخصيبها في منشأة تخصيب مقرها الولايات المتحدة واستخدامها لتزويد المفاعلات النووية الأمريكية بالوقود.
ومن العناصر المهمة الأخرى في هذه الشراكة هو استحواذ السعودية على حصة في عملية تخصيب مقرها الولايات المتحدة. ذلك في إطار عزم إدارة بايدن على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على اليورانيوم المخصب الروسي والقضاء عليه في نهاية المطاف، والذي يمثل ما يقرب من ربع اليورانيوم المخصب المستخدم في الولايات المتحدة اليوم. ففي ديسمبر 2023، أقر مجلس النواب تشريعًا يحظر واردات اليورانيوم المخصب من روسيا بحلول عام 2028. ومن المتوقع أن يتبنى مجلس الشيوخ الحظر ومن المتوقع أن يوقعه بايدن ليصبح قانونًا. ولكن يلفت إلى أنه “رغم ذلك فإن قدرة التخصيب الأميركية الحالية غير كافية لتحل محل الواردات من روسيا؛ ستكون هناك حاجة إلى توسع كبير”.
العقبات المحلية المحتملة في الولايات المتحدة
ينوّه معهد “بروكينغز” إلى ما قد يواجه الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والسعودية عقبات على المستوى الداخلي. فمن المتوقع أن يعارض بعض الأميركيين، مثل أعضاء مجلس الشيوخ والخبراء الموقعين على الرسائل المذكورة سابقاً، الاتفاق لأنه لا يتضمن تخلياً سعودياً دائماً عن قدرات دورة الوقود. وقد يعارض آخرون أي اتفاق نووي مع الحكومة السعودية على أساس أنها أوضحت نيتها الحصول على أسلحة نووية إذا فعلت إيران ذلك، وأنها تورطت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وخاصة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
إضافة إلى ذلك يمكن أن يواجه الاتفاق النووي الذي يتضمن استثمارًا سعوديًا في شركة تخصيب (أو تحويل) أمريكية نوعًا آخر من العقبات. وهذه العقبة متمثلة بالقلق الأميركي من أن الاستثمار سيعطي شركة أو دولة أجنبية (وتحديدًا دولة مثل السعودية ذات سمعة مشوهة في الولايات المتحدة) التأثير غير المبرر في منطقة ذات أهمية للأمن القومي الأميركي. وقد تؤدي الصفقة إلى التدقيق وربما المعارضة من جانب اللجنة التنظيمية النوويةNRC) ) أو لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة CFIUS))، وكلاهما يتحمل مسؤوليات قانونية للتحقيق في حالات الملكية الأجنبية أو السيطرة على الشركات الأمريكية.
ولمنع نقل تكنولوجيا التخصيب – التي تعتبرها إدارة بايدن خطا أحمر – يجب أن يتم تشغيل محطة التخصيب في السعودية حصريا من قبل الأميركيين. ولن يُسمح لأي سعودي بالوصول إلى المنشأة أو لن يُسمح له بتلقي تكنولوجيا التخصيب.
ويجب أن تكون ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر صرامة وتدخلا، وتتجاوز البروتوكول الإضافي، مع تعزيز تدابير التحقق مثل تلك الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التفاوض عليها مع إيران، وربما تشمل مراقبة تعدين اليورانيوم وطحنه وتحويله وزيادة تواتره. وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت الحساسة.
ويمكن أيضاً اعتبار الترتيبات الخاصة ضرورية لمعالجة المخاوف من احتمال أن تقرر الحكومة السعودية في المستقبل تأميم منشأة التخصيب أو الاستيلاء عليها فعلياً. على سبيل المثال، يمكن لأفراد الجيش الأمريكي أن يتمركزوا في منشأة التخصيب أو بالقرب منها كوسيلة للردع. وكانت هناك أيضًا تكهنات حول تركيب آلية إغلاق عن بعد أو حتى استخدام وسائل سرية لتعطيل المصنع في حالة الاستيلاء عليه.
الوقت ينفد بالنسبة للاتفاقات الأمريكية السعودية والسعودية الإسرائيلية في عام 2024
يلفت المعهد الأميركي إلى أن استمرار الحرب في غزة أدى إلى إعاقة استكمال المفاوضات الأميركية السعودية في الوقت الحالي. كما هو من الصعب أن “نتصور التوصل إلى اتفاق بشأن القضية الفلسطينية بينما الحرب مستعرة. وليس هذا هو الوقت المناسب للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لكشف النقاب عن الدعم المحلي والسعي للحصول عليه من أجل تحسين العلاقة الأمنية الثنائية بشكل كبير”.
وكانت واشنطن والرياض تأملان إبرام الاتفاقيات الأمريكية السعودية وبالتالي التطبيع السعودي الإسرائيلي بشكل متزامن. ووفقا للمعهد “كان الافتراض هو أن العناصر المختلفة سوف تعزز بعضها البعض، على سبيل المثال، التطبيع من شأنه أن يجعل التعاون النووي مع المملكة العربية السعودية أكثر قبولا لإسرائيل، والضمان الأمني الأمريكي والتعاون النووي من شأنه أن يجعل التطبيع أكثر قبولا للمملكة”.
ولكن يعتبر المعهد أنه رغم تأخر العملية، قد يتم النظر في المضي قدمًا في أجزاء من حزمة الشروط بشكل مستقل عندما تصبح جاهزة. والمرشح المنطقي هو التعاون النووي المدني، الذي هو أقل تأثراً بالحرب في غزة من العناصر الأخرى. يمكن تقديم حجة معقولة مفادها أن اتفاقية نووية بين الولايات المتحدة والسعودية على غرار الخطوط الموضحة هنا من شأنها أن تخدم المصالح الأمريكية والسعودية على حد سواء، حتى في غياب التطبيع السعودي الإسرائيلي.
ولكن حتى لو تم الانتهاء من الاتفاق النووي قريبًا، فإنه من غير المرجح إدخاله حيز التنفيذ كاتفاق نووي قائم بذاته. وربما تكون إدارة بايدن مترددة في تقديمه إلى الكونجرس في غياب اتفاق بشأن التطبيع السعودي الإسرائيلي، والذي تعتقد أنه يمكن أن يعزز الدعم السياسي للتعاون النووي المدني بين الولايات المتحدة والسعودية.
المصدر: مرآة الجزيرة