هذه الدولة ترفضه.. الاتفاق النووي الإيراني في نسخته الجديدة
هناك من يرى أن الاتفاق النووي الذي تقترب منه أمريكا وإيران أضعف من نسخته الأصلية، بينما يرى آخرون أن هناك أسبابا وجيهة دفعت جو بايدن للمضي قدما في إتمامه، فمن هو الطرف المستفيد أكثر من الاتفاق الجديد؟
Table of Contents (Show / Hide)
يبدو أن طهران وواشنطن والقوى العالمية على وشك التوقيع على نسخة جديدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. ولإغراء إيران بالعودة إلى الاتفاق بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه، عرضَ الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن على إيران عدة محفزات جديدة، منها عقود اقتصادية مضمونة طويلة الأجل والسماح لإيران بالاحتفاظ بكمية أكبر من المواد النووية لمعاودة تشغيل برنامجها النووي إذا انسحبت أي إدارة أمريكية من الاتفاق من الاتفاق في المستقبل.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة The Foreign Policy الأمريكية تحليلاً رصد وجهتي نظر متناقضتين، إحداهما مؤيدة والأخرى رافضة، وذلك من خلال نقاشٍ بين إيما أشفورد، الأستاذ المساعد بجامعة جورج تاون الأمريكية ومؤلفة كتاب Oil, the State, and War، وماثيو كرونيغ، نائب مدير مركز "سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن" التابع للمجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة جورج تاون.
يسلط النقاش بين الخبيرين الضوء على آخر ما وصلت إليه مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ويعرضان للآراء المختلفة في الاتفاق بين رأي معارض يرى أنه عاجز عن تحجيم قدرات إيران النووية، وغاية ما يفعله هو تأخير حيازتها للسلاح النووي، ورأي مؤيد للاتفاق يرى أنه أفضل خيار لمساعدة الغرب في تجاوز أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق.
ماذا يقول الرافضون للاتفاق النووي الجديد؟
يذهب بعض الخبراء إلى أن الاتفاق الجديد أضعف من نسخته السابقة في القيود المفروضة على إيران، إلا أن خبراء آخرين يذهبون إلى أن بايدن لا يميل إلى تشديد نهج التعامل مع إيران لدواعٍ وجيهة، وأن هذا الاتفاق أفضل خيار متاح إذا تحتم الاختيار بين حيازة إيران للتسليح النووي هذا الخريف وبين صفقة قد يزعم بعض الخبراء أنها لا تستوفي تلبية مطالب الولايات المتحدة والقوى الغربية، بل تمهد لإيران الطريق لحيازة السلاح النووي في عام 2030.
يستدل مؤيدو الاتفاق الجديد على وجاهة رأيهم بأن إيران واجهت شتى أنواع الضغط، ما عدا القوة العسكرية الشاملة، ولم يفلح ذلك في إجبارها على الانصياع. علاوة على أن المرحلة الوحيدة التي لم يتقدم فيها برنامج إيران النووي كانت المدة التي أعقبت الاتفاق النووي في عام 2015 وشهدت التزام إيران والولايات المتحدة ببنود الاتفاق.
يفرِّق كرونيغ بين البرنامج النووي السلمي، الذي يشمل تشغيل المفاعلات النووية للطاقة أو لأغراض البحث، وبين إنتاج الوقود النووي على نحو ما تفعل إيران في برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
الاتفاق النووي إسرائيل جمهوريون الكونغرس الأمريكي أمريكا إيران
ويقول إنه بمجرد أن تتمكن الدولة من إنتاج الوقود النووي للمفاعلات، فإنها تصبح قادرة على إنتاج الوقود النووي اللازم للأسلحة النووية. ولذلك فإن السياسة التي أقرتها الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور لمنع انتشار الأسلحة النووية كانت تحظر انتشار قدرات صنع الوقود، حتى على أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها.
يضيف كرونيغ أن إيران يمكنها أن يكون لديها برنامج نووي سلمي إذا أرادت، إلا أنه لا ينبغي السماح لها بأن تنتج الوقود النووي، وإنما يمكنها أن تستورده من فرنسا أو روسيا أو قوة نووية أخرى، مثلها في ذلك مثل عشرات الدول، على غرار المكسيك والإمارات وفيتنام، التي لديها برامج نووية سلمية حقاً. ويشكك كرونيغ في جدوى الاتفاق الجديد، ويقول إن القيود المفروضة على برنامج إيران النووي في الاتفاق تبدأ في التراجع عام 2025 وتنتهي بالكلية في عام 2030.
والاتفاق النووي أو "معاهدة العمل الشاملة المشتركة" كان قد تم توقيعه بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وإيران (اتفاق 6+1)، وكانت أبرز بنوده ألا تزيد إيران نسبة تخصيب اليورانيوم لديها على 3.76%، وألا تحتفظ طهران بمخزون من اليورانيوم المخصب يزيد على نحو 200 كلغم بتلك النسبة، ووضع قيود أيضاً على ما تحتفظ به طهران من الماء الثقيل.
لكن يعتبر المحللون أن أهم بنود الاتفاق النووي هو إعطاء مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات خاصة تشمل التفتيش المفاجئ على أي منشأة نووية إيرانية في أي وقت، ودون إخطار مسبق. وانسحبت إيران عملياً من هذا البروتوكول الخاص مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتخصب اليورانيوم بنسبة نقاء تتخطى 60%، فيما يراه خبراء إنهاءً عملياً لبنود الاتفاق النووي.
ماذا عن الذين يرون الاتفاق "الحل الوحيد"؟
من جانبها، لا تستحسن أشفورد حيازة إيران لقدرات تخصيب محلية، لكنها تقول إن الإيرانيين لطالما رفضوا التخلي عنها لأنها علامة على الهيبة والكرامة الوطنية في إيران وخوفاً من أن تحرمهم الدول الأخرى إمدادات الوقود النووي. ولما كان النظام الإيراني يخضع لعقوبات شبه مستمرة منذ تأسيسه، فإن خوفه منطقي في هذا السياق. وهذا هو السبب في أن المفاوضين على اتفاق 2015 استقروا في النهاية على السماح ببرنامج تخصيب إيراني يخضع لضمانات صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتدقيق دولي.
من جهة أخرى، ترى أشفورد أن النهج الذي يرى بأن بايدن يجب عليه أن يقصف المنشآت النووية الإيرانية ويدمرها نهجٌ يجازف بإشعال حرب على إحدى أكبر الدول في الشرق الأوسط، علاوة على أن إشعال هذه الحرب في وقت تموِّل فيه الولايات المتحدة حرباً أخرى بالوكالة في أوروبا وتعمد إلى التصعيد مع الصين، أي الانجرار إلى ثلاث حروب في وقت واحد، لهو أمر لا يمكن وصفه إلا بالجنون المطلق.
في الوقت نفسه، قالت أشفورد إن إيران لطالما وافقت على المراقبة العادية لبرنامجها النووي من الوكالة الدولة للطاقة الذرية بعد انتهاء صلاحية الاتفاق النووي.
وأوضحت لمجلة فورين بوليسي أن الاتفاق النووي لا يؤول إلى العدم بحلول عام 2030، وإنما ينتقل من برنامج مراقبة شديد الإحكام إلى مراقبة منتظمة توافق عليها جميع الدول غير الحائزة للأسلحة النووية في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. علاوة على أنه يمكن لجميع أطراف الاتفاق البدء في التفاوض على تمديده بمجرد العودة إلى الاتفاق مرة أخرى.
لكن كرونيغ يقول إن مكمن الضعف الرئيسي في الاتفاق هو أنها تسمح لإيران بداية من عام 2025 بالعودة إلى استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة، وأنها ترفع جميع القيود على برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم في عام 2030. وبذلك فإن إيران يمكنها بناء منشآت التخصيب وتركيب عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات إنتاج الأسلحة النووية، وكل ذلك دون إخلال بشروط الاتفاق النووي.
يستشهد كرونيغ بما قاله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من أنه بمجرد انتهاء صلاحية الاتفاق فإن الوقت الذي تحتاج إليه إيران لبناء أسلحة نووية "يتقلص تقريباً إلى لا شيء". ويقول إن إيران لم توافق على اتفاق عام 2015 ولم تتفاوض بشأن النسخة الجديدة منه إلا لأنها أرادت تخفيف العقوبات، فما الذي يجبرها على إقرار المزيد من القيود في عام 2030 عندما تُرفع قيود الاتفاق الحالية بالكامل؟
من المستفيد من الاتفاق النووي الجديد إذاً؟
ترد أشفورد على ذلك بالقول إن الصفقة الحالية، وإن كانت منقوصة، فإنها قابلة للتجديد وهي أفضل من عدم الاتفاق. إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة وغيرها من القوى المشاركة في الاتفاق النووي لن تخسر نفوذها بحلول عام 2030، ومن ثم يمكنها فرض عقوبات جديدة على إيران، أو حتى اللجوء إلى العمل العسكري إذا لزم الأمر. وفوق ذلك، فإن هناك ثماني سنوات يمكن فيها البحث عن أرضية مشتركة بين مختلف الأطراف من أجل مزيدٍ من المفاوضات.
يختلف كرونيغ مع هذا الرأي ويرى أن إيران ستكون أقوى في عام 2030 مما هي عليه الآن، لأن اقتصادها سيكون قد تعافى وتشابك مع بقية دول العالم، ومن ثم ستكون الولايات المتحدة أقل قدرة على التهديد بفرض عقوبات على اقتصاد إيران المزدهر من قدرتها على تقييد اقتصادها المتأخر بالفعل حالياً.
في معرض الرد على ذلك، تلفت أشفورد إلى بعض الفوائد التي قد تعود على العالم من الاتفاق الحالي، فأولاً: الاتفاق يوقف تقدم إيران في برنامجها النووي. وثانياً: يسهم في معالجة أزمة الطاقة المستمرة بزيادة حصة النفط الإيراني في السوق، ومن ثم تخفيض أسعار النفط، فإيران قادرة على زيادة المعروض العالمي من النفط بنسبة 1 % إلى 5% بحلول العام المقبل، ولا شك في أن ذلك يساعد في تجنيب العالم بعض الاضطراب في الأسعار بسبب الحرب على أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا.
بناء على ذلك، تقول أشفورد إنه ليس من المستغرب أن الإسرائيليين فقط هم من يعارضون هذا الاتفاق، فالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، وحتى الصين، يرون أن العودة إلى الاتفاق النووي أمر لا يحتاج إلى تفكير. وتتساءل أشفورد عن السبب الذي يدعو للالتفات إلى اعتراض دولة لم تنضم بالأساس إلى معاهدة حظر الانتشار النووي لأن لديها برنامجاً نووياً يعرف الجميع بشأنه.
يخلص كرونيغ وأشفورد في الختام إلى أن الانقسام المتزايد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين له تداعيات مباشرة على تباين مواقف الإدارة الأمريكية في السياسة الخارجية، ومن ثم قد يكون الاتفاق النووي عرضة للتخلي عنه من جديد إذا جاء رئيس جمهوري إلى السلطة في عام 2024.
المصدر: عربي بوست