رحلة تمكين معقدة لأشقائه منحت الخلافة لابنه خلال عام.. عصر محمد بن زايد
في 14 مايو/أيار الجاري، تحل الذكرى السنوية الأولى لتعيين الشيخ محمد بن زايد رئيسا لدولة الإمارات، وهو القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للاتحاد في اليوم التالي لتوليه منصب حاكم أبوظبي، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
Table of Contents (Show / Hide)
وتوفر تلك الذكرى السنوية فرصة مفيدة لاستعراض التطورات في الإمارات، والتي أعقبت هذا الانتقال المحوري للسلطة، ولاسيما قرار حاكم أبوظبي في 29 مارس/آذار 2023 بتعيين نجله الشيخ خالد بن محمد بن زايد، وليا للعهد، والتعيينات ذات الصلة التي تؤثر على 3 من أشقائه من أبناء الشيخة فاطمة، وهو الاستعراض الذي نشره "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" وترجمه "الخليج الجديد".
ويعتبر التحليل أن تحركات الشيخ محمد بن زايد خلال هذا العام تميزت بأنها "مهمة ومدارة بذكاء"، حيث حسمت مسألة الخلافة لنجله الشيخ خالد، لكنها عملت أيضا على تمكين مجموعة أبناء الشيخة فاطمة من أشقاء محمد بن زايد، مع تعزيز اتحاد الإمارات العربية المتحدة، بما يسمح للبلاد بمواصلة لعب دور قيادي طموح في السياسة الإقليمية وعلى المسرح العالمي.
ويمثل تعيين الشيخ خالد بن محمد بن زايد وليا لعهد أبوظبي تتويجًا لما يبدو أنه جهد متضافر من قبل الشيخ محمد بن زايد على مدى عدد من السنوات لترقية ابنه، وضمان اكتسابه الخبرة والسلطة في مجال الأمن والحوكمة وصنع سياسات الطاقة والنفط، بحسب التحليل.
رحلة تمكين الشيخ خالد بن محمد بن زايد
فعندما كان وليا لعهد أبوظبي، عيّن الشيخ محمد بن زايد ابنه في سلسلة من المناصب المهمة لتزويده بالأسس المطلوبة للخلافة في نهاية المطاف وربما أيضًا لاختبار مهاراته القيادية والفكرية.
تم تعيين الشيخ خالد رئيسًا لجهاز أمن الدولة في فبراير/شباط 2016 وأصبح نائب مستشار الأمن القومي في عام 2017، كما شغل منصب رئيس المكتب التنفيذي القوي لإمارة أبوظبي، وهي هيئة حكومية تشرف على تنفيذ الخطط الاستراتيجية والتنفيذية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، أصبح الشيخ خالد عضوًا في مجلس إدارة "المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية"، وهو هيئة جديدة نسبيًا تتمتع بصلاحيات تشرف على اقتصاد أبوظبي.
في عام 2019، انضم إلى المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، الهيئة الإدارية الرئيسية لإمارة أبوظبي.
وفي مرسوم منفصل صدر في أواخر مارس/آذار، تم ترقيته إلى منصب رئيس مجلس الإدارة، وهو مسؤول مباشرة أمام الشيخ محمد بن زايد.
وبالتوازي مع هذا الانضمام التدريجي إلى المناصب القيادية المحورية، عمل الشيخ خالد بن محمد بن زايد على مدار العامين الماضيين على رفع مكانته العامة، والمشاركة في المؤتمرات الدولية في أبوظبي، والاجتماع بالقادة الزائرين، والذهاب في رحلات رسمية. كما ظهر بانتظام في وسائل الإعلام المحلية، وقيادة المبادرات في مجال الأعمال والفنون والرياضة والمناخ والطاقة النظيفة وأنشطة الشباب، من بين أمور أخرى.
تمكين مواز لأشقاء الشيخ محمد بن زايد
في الوقت نفسه الذي رفع فيه ابنه إلى منصب ولي العهد، أصدر الشيخ محمد بن زايد مراسيم منفصلة تنص على تعيينات عليا لثلاثة من أشقائه.
حيث عين الشيخ منصور بن زايد (الذي يشغل بالفعل منصب نائب رئيس الوزراء وزير المحكمة الرئاسية) نائبًا لرئيس الدولة، وهو المنصب الذي سيتقاسمه مع حاكم دبي رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وفي وقت سابق، تم اختيار الشيخ منصور من قبل المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية في أبوظبي، برئاسة الشيخ محمد بن زايد، ليكون رئيسًا لـ"مبادلة"، صندوق الثروة السيادي الإماراتي البالغ 272 مليار دولار، حيث كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة.
كما عيّن الشيخ محمد بن زايد أخويه الشيخ طحنون بن زايد (مستشار الأمن القومي حاليًا) والشيخ هزاع بن زايد، نائبين لحاكم أبوظبي.
ويرى التحليل أن الخطوة الأخيرة تحديدا أتاحت للشيخ محمد بن زايد أن يضفي الطابع الرسمي على أدوارهما (الشيخ طحنون والشيخ هزاع)، بوصفهما اثنين من مستشاريه الرئيسيين، مع تزويد ولي العهد الجديد بالدعم والتوجيه الإضافي من عميه.
قوة هائلة للشيخ طحنون بن زايد
وفي تعيين ذي صلة ومهم للغاية، عين الشيخ محمد بن زايد، الشيخ طحنون رئيساً لجهاز أبوظبي للاستثمار، وهو صندوق ثروة سيادي في الإمارة بأصول تتجاوز 750 مليار دولار، وهو ثاني أكبر صندوق في العالم بعد النرويج.
ويعزز تعيين "جهاز أبوظبي للاستثمار" مكانة الشيخ طحنون كواحد من أكثر أعضاء العائلة المالكة نفوذاً حيث يشرفون على كل من الثروة الخاصة للعائلة والمؤسسات الاستثمارية الرئيسية في الإمارة.
وتشمل المناصب الأخرى التي يشغلها الشيخ طحنون، رئيس مجلس إدارة صندوق الثروة السيادية الأصغر ADQ (بأصول تبلغ 157 مليار دولار) ، ورئيس بنك أبوظبي الأول، أكبر بنك في البلاد.
تماشيًا مع هذه المناصب الرقابية المالية الهامة، يرأس الشيخ طحنون أيضًا مجموعة "رويال"، وهي شركة استثمارية خاصة تدير واحدة من أكبر ثروات العائلة في العالم، وفقا لـ"بلومبرج".
بالإضافة إلى ذلك، فإنه يدير "الشركة الدولية القابضة" الضخمة، التي تعمل على تنمية قطاعات الأعمال غير النفطية في دولة الإمارات، بما في ذلك الاستثمارات في الرعاية الصحية والعقارات والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتجارة التجزئة (372 شركة تابعة في جميع البلدان) في حوالي 20 دولة.
كما عهد الشيخ محمد بن زايد إلى الشيخ طحنون بإدارة الحكم من وراء الكواليس، والقيام بالتواصل الحساس مع دول ترتبط بعلاقات معقدة للغاية مع الإمارات، مثل تركيا وقطر وإيران، وغيرها.
الشيخ محمد بن زايد، والشيخ طحنون، والشيخ منصور، والشيخ هزاع هم جزء من مجموعة من 6 أشقاء يعرفون بـ"أبناء الشيخة فاطمة"، أبناء مؤسس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وزوجته الثالثة ذات النفوذ الكبير الشيخة فاطمة بنت مبارك.
ويستشهد المحللون بالتعيينات الإضافية الجديدة في مارس/آذار لإخوة الشيخ محمد بن زايد لتعزيز قوة وتأثير هذه المجموعة.
كما تضم المجموعة الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الحالي، والشيخ حمدان بن زايد وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية وممثل الحاكم الآن لمنطقة الظفرة.
وتعتبر هذه المجموعة على نطاق واسع "مجموعة موهوبة من الإداريين والمحدثين"، كما أنهم يتمتعون بسمعة طيبة لكونهم يعملون بجد، ولديهم شعور قوي بالولاء لبعضهم البعض، خاصة للشيخ محمد بن زايد شقيقهم الأكبر.
العلاقة بين أبوظبي ودبي
ويلفت التقرير إلى أن محللين رأوا في التحركات الأخيرة لاشيخ محمد بن زايد زيادة في النفوذ السياسي لأبوظبي على حساب القوة التجارية في دبي، لكن الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله يعارض تلك الرؤية، حيث يرى أن التعيينات كانت تتماشى مع التقسيمات العمالية المتوازنة بعناية على مستوى الولاية والحكومة الفيدرالية المنصوص عليها منذ فترة طويلة في دستور البلاد.
تعتبر دبي، من خلال دورها الإقليمي كمحور تجاري ومواصلات بين الشرق والغرب، شريكًا قويًا، وإن كانت أصغر، لأبوظبي، حيث تسمح الثروة النفطية لإمارة أبوظبي بلعب الدور الرئيسي في الاتحاد، حيث تغطي الحصة الأكبر من الميزانية الاتحادية، وتدفع النفقات الكاملة للقوات المسلحة الإماراتية، وتنفق بشكل كبير على مشاريع التنمية والبنية التحتية في الإمارات الشمالية.
ولا ينس أحد خطة الإنقاذ الضخمة من أبوظبي لدبي خلال الأزمة المالية 2008-2009.
وبالتأكيد بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011، أعطت قيادة أبوظبي والشيخ محمد بن زايد على وجه الخصوص، الأولوية لأهمية تعزيز وحدة الاتحاد وتعزيز هوية الدولة القومية، خاصة بين الشباب الإماراتي.
طريقة الخلافة الجديدة في الخليج
ويرى التحليل أن تعيين الشيخ محمد بن زايد نجله الشيخ خالد وليا للعهد، يتماشى مع النسق الجديد لدول الخليج التي باتت تعتمد الشكل العمودي وليس الأفقي لهذا النوع الحساس من نقل السلطة، بعد أن كانت التقاليد السابقة تبقى مسارا مفتوحا للخلافة الجانبية للإخوة أو حتى أبناء العم الذين يعتبرون مناسبين للحكم ولديهم القدرة على بناء "تحالفات عائلية داعمة".
وينقل التحليل عن كريستين سميث ديوان، باحثة مقيمة أولى في "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" قولها إن الطريقة العمودية لاختيار ولي العهد تكرس نظرة الدول الخليحية وجنوحها نحو نمط "مركزية أكبر" للدولة، مدفوعة بالمخاوف الأمنية والاقتصادية التي باتت تمثل هاجسا أساسيا في منطقة الخليج الآن.
ويرى محللون آخرون أن تسمية ولي للعهد في السياسة الملكية يمثل أيضًا إصرارًا استباقيًا على انتقال سلس ومبسط للسلطة يقلل من عدم اليقين في الخلافة وفيما يتعلق بالمستقبل.
من هذا المنظور، فإن تجميع الشيخ محمد بن زايد الدقيق لمراسيم تمكين أشقائه وابنه يؤكد التركيز على الانتقال السلس.
طريقة مميزة
لكن ما فعله الشيخ محمد بن زايد هو أنه جمع بين الخطين، العمودي والأفقي، بشكل بارع، كما يرى المحلل المقيم في الكويت بدر السيف، وآخرون، حيث سمى ابنه وليًا للعهد، مع خطوات أخرى تمكّن الأشقاء الأقوياء بالفعل، وكل ذلك جرى بطريقة تعزز القاعدة بشكل أكبر.
ومع تولي الشيخ محمد بن زايد المسؤولية، يرى التحليل أن عدة اتجاهات ستستمر في البلاد، فمن المرجح أن يكون هناك مزيد من التوحيد لأبناء الشيخة فاطمة، في كل من أبوظبي وفي السياسة الفيدرالية لدولة الإمارات، ومن المرجح أيضًا أن يكون هناك المزيد من ترسيخ الطموحات الإقليمية والدولية لتلك الدولة الخليجية.
إقليميًا، ولأن قرارات الشيخ محمد بن زايد وتعييناته الجديدة تتناسب مع التوجهات الموجودة بالفعل، فمن غير المرجح أن تكون هذه التحركات مدعاة للقلق.
من ناحية أخرى، من غير المحتمل أن يكون لمثل هذه التحركات، في حد ذاتها، تأثير في تخفيف أي احتكاكات قد تكون نشأت مع الجيران.