لم يعد العالم يهتم بإسرائيل.. الجزء الاول
"انحدار" إسرائیل ليس فقط في أبعادها الاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، فهذا النظام يفقد أهم أدوات قوته في الساحة الدولية.
Table of Contents (Show / Hide)
![لم يعد العالم يهتم بإسرائيل.. الجزء الاول](https://cdn.gtn24.com/files/arabic/posts/2023-05/5765764.jpg)
عندما احتلّت إسرائيل فلسطين، كان لديها بعض الأدوات القوية تحت تصرفها، من بينها الموارد المالية للتيارات الصهيونية في أوروبا وأمريكا. والسبب الثاني لوجود تيارات القوة في هيكل السلطة وصنع القرار في الغرب هو أن منظمة تُسمى "إيباك" تشكّلت من قلب هذه التيارات، وكان هدفها الضغط من أجل إسرائيل في مختلف الحكومات الأمريكية.
أصبح هذا اللوبي أقوى وأكثر فاعلية في نفس الوقت الذي أصبح فيه العالم أحادي القطب في أمريكا، وكان على كل شخص يريد الذهاب إلى البيت الأبيض في أمريكا أن يحصل على دعم هذا اللوبي الصهيوني. على مدى 75 عامًا الماضية، استخدمت إسرائيل هاتين الأداتين لقياس عرض الجسم في العالم، وتضاعف هذا الاستغلال، خاصة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، في الواقع مع ازدياد قوة لوبي هذا النظام في أوروبا وأمريكا، شعر قادة هذا النظام بمزيد من القوة.
كما كتبتُ قبل مدّة، كانت قوة إسرائيل موازية لقوة الغرب، وكلّما كانت أمريكا وأوروبا أقوى، شعر هذا الکیان بقوة أكبر. إن التّسلل إلى البيت الأبيض من خلال لوبي إيباك أو من خلال وجود شخصيات يهودية في هرم القوة الأمريكي دفع قادة هذا النظام إلى تكثيف استخدام هذا التكتيك، خاصة في عهد نتنياهو. في الواقع، كان نتنياهو يبيع جميع "بطاقات الدخول" إلى البيت الأبيض، وحث العديد من رؤساء الدول على أنه إذا كانت لديك علاقات جيدة مع تل أبيب نحن سنستخدم أدواتنا لتقريبك من أمريكا، أي ما عليك إلا أن تُدافع عن مصالح إسرائيل وافتح أسواقك أمام المنتجات الإسرائيلية الصنع.
لقد نجحت لعبة نتنياهو السياسية والدبلوماسية هذه في العديد من البلدان لدرجة أن العصر الذهبي للعلاقات الخارجية لهذا النظام كان خلال هذه المرحلة الطويلة من رئاسة نتنياهو للوزراء. بالطبع، استخدم أولمرت هذا التكتيك أيضًا، لكن ليس بالقدر نفسه الذي استخدمه نتنياهو. لقد خدع نتنياهو عدة دول مثل روسيا، والهند، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، والسودان، والإمارات، والمغرب وحتى بعض دول جنوب شرق آسيا. لأكثر من عقد، خدع نتنياهو شخصًا ذكيًا مثل بوتين وقال إنه يستطيع إصلاح العلاقات بين واشنطن وموسكو وتقريب مواقف البلدين. هذه الكذبة جعلت بوتين يغضّ الطرف عن تصرفات إسرائيل ضد سوريا وعدم التصويت ضد هذا النظام في المحافل الدولية.
كانت ذروة خداع نتنياهو في عهد ترامب، والتي يجب أن نذكرها على أنها ذروة قوة إسرائيل في المجالات الاقتصادية والعلاقات الخارجية. أتاح دعم ترامب لإسرائيل من قبل صهره لنتنياهو فرصًا فريدة لتشكيل خطة مثل صفقة القرن أو سلام إبراهيم، وأصبحت أمريكا عمليًا درع إسرائيل ضد إيران. لكن يبدو أن هذه المرحلة قد انتهت ولسببين لم يعد هذا الکیان يتمتع بالقوه السابقة. السبب الأول هو تراجع قوة أمريكا ومكانتها، والسبب الثاني هو سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي يعرفها نتنياهو كعنصر غير مرغوب فيه في البيت الأبيض.
إنها حقيقة لا يمكن إنكارها أن ظهور إسرائيل يعتمد كليًا على قوة الغرب، في الواقع كل ما يحدث في أمريكا سيكون له آثار على هذا الکیان ويمكن رؤية عواقبه بوضوح، على سبيل المثال، تسببت الأزمة الاقتصادية في أمريكا بشكل مباشر في أزمة اقتصادية ومعيشية حادة في إسرائيل. لقد كتبتُ تقريرًا مفصلاً عن هذا من قبل، ولكن بغضّ النظر عن هذه المسألة، تسببت الفجوة السياسية بين الحكومة الأمريكية الحالية والحكومة المتطرفة الحاكمة لإسرائيل في شعور العديد من الشركات والمستثمرين بعدم الأمان واتخاذ قراربمغادرة إسرائيل.
لكن ما دفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، يعود إلى أزمة علاقات هذا النظام مع أمريكا. على الأقل في العقود الثلاثة الماضية، قام كل رئيس وزراء وصل إلى السلطة في إسرائيل برحلة إلى أمريكا في الشهر الأول أو على الأقل في الشهر الثاني والتقى مع الرئیس الأمریکی، ولكن بعد ستة أشهر من تولّي نتنياهو منصبه مرة أخرى، لم يتم فتح أبواب البيت الأبيض بوجهه قط، ، بل وحتى اليوم، رفض بايدن قبو التواصل معه هاتفيًا. هذا الموضوع لم يغب عن عيون الدول المختلفة، ورؤية هذا الوضع، یجعلهم يصححون قضايا وأخطاء الماضي.