احتلال غاشم يقتل العزّل والأطفال والنساء والعجائز. حتى عندما يُرغَم على الانسحاب من أراضٍ محتلة، يدمّر كل شيء قبل مغادرته المكان، كما حدث في سيناء عام 1979 عقب إبرام مصر معاهدة كامب ديفيد.
في مدينة جنين المقاومة ومخيماتها الواقعة شماليّ الضفة الغربية، قامت قوات الاحتلال بتدمير كل شيء، البنى التحتية من شبكات المياه والكهرباء والاتصالات الرئيسية وغيرها من المرافق الحيوية، بل منعت طواقمها من العمل على إصلاحها.
ودمرت جرافات الاحتلال الشوارع والطرق الرئيسية، خصوصاً تلك التي تربط بين المدينة والمخيم. كذلك قامت الآليات العسكرية بتجريف الأراضي الزراعية واقتلاع أشجار الزيتون وتدمير المحاصيل والحبوب. ببساطة، حرقوا كل شيء، وانتقموا حتى من الجماد الذي يقابلهم وكأنه يقف خلفه مقاتل فلسطيني.
وقبلها في غزة المحاصرة لم يكتف الاحتلال بفرض حصار خانق على القطاع ممتد منذ سنوات، بل يقوم من فترة لأخرى بتدمير كل ما يستطيع الوصول إليه في تلك القطعة المقاومة من أرض فلسطين، مستشفيات ودور رعاية صحية ومدارس وشبكات إنتاج الكهرباء والمياه والصرف الصحي وتصريف الأمطار وآبار المياه الجوفية.
تدمير أعمدة الإنارة والممتلكات الخاصة والعقارات والمساجد والكنائس، تدمير منازل عائلات الشهداء، هدم البيوت والمحال التجارية والأبراج. تقطيع أواصر الأحياء السكنية. مصادرة الأراضي. منع تصدير الحاصلات الزراعية واستيراد المواد الخام وقطع الغيار والسلع الوسيطة.
هو يريد معاقبة الفلسطينيين، ليس فقط على مقاومة الاحتلال على مدى أكثر من 75 سنة، والتمسك بأراضيهم المحتلة منذ عام 1948، بل وعلى مجرد البقاء في تلك البقعة من العالم وعدم مغادرتها رغم التضييق والتعسف والجرائم شبه اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحقهم.
وفي فلسطين عامة، يمارس الاحتلال الإسرائيلي كل سياسات التجويع والذل والتفقير، ومنع وصول السلع والمنتجات إلى الأسواق، ومنع وصول العمال إلى مقارّ عملهم، ونهب الثروات بما فيها ثروة النفط والغاز الطبيعي الواقعة في المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة سواحل قطاع غزة. والحيلولة دون تشييد سكك حديد تربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة. واقتطاع الأراضي الفلسطينية لصالح إقامة المستوطنات.
يحاصر الفلسطينيين ويحاربهم في لقمة عيشهم وفرص عملهم، يفُرضَ سياسة الحصار والضغط الاقتصادي التي تمارسها كل حكومات الاحتلال المتعاقبة بحق الشعب والاقتصاد الفلسطيني ويحرق الأراضي الزراعية. يمنع الحكومات الفلسطينية من الوصول إلى الأسواق الدولية وصك العملة الوطنية وتأسيس دولة مستقلة عاصمتها القدس.
تكرر المشهد في دول أخرى كما حدث في لبنان وقبلها سورية ومصر، جيش احتلال لا يعرف لغة سوى التدمير والخراب، رغم ادعاء حكوماته المتعاقبة بأنه جيش دولة ديمقراطية وحيدة في المنطقة وسط مجموعة دول من المستبدين والمتخلفين.
الحجر الذي دمره الاحتلال في جنين وغزة والضفة الغربية وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية سيتم إصلاحه وإعادة هيكلته، والبشر الذين يستشهدون يوم وراء يوم سيواصل أولادهم وأحفادهم معركة التحرير ومقاومة أسوأ احتلال عنصري عرفه التاريخ، وستتحرر الأراضي العربية المغتصبة وسيزول الاحتلال ولو بعد حين.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي