طوفان الأقصى.. كيف زادت هجرة الصهاينة ورسخت فكرة غياب الأمان بإسرائيل؟
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، دعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مواطنيها إلى إعادة النظر في السفر إلى الخارج، وتجنب إظهار الرموز الإسرائيلية واليهودية أثناء سفرهم.
Table of Contents (Show / Hide)
وقالت الحكومة "إن هذا يأتي في سياق زيادة ملحوظة في حالات معاداة السامية، وحوادث العنف الموجهة ضد الإسرائيليين والجالية اليهودية في مختلف أنحاء العالم"، وفق زعمها.
كما نصحت بتأجيل السفر إلى البلدان التي تشهد تحذيرات المستوى الرابع -تهديد شديد-، مع التركيز على الدول في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، إلى جانب مناطق شمال القوقاز والدول المجاورة لإيران.
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شددت التحذيرات لمواطنيها من السفر إلى مصر والأردن والمغرب، بعد احتجاجات عمت عددا من الدول العربية والإسلامية تنديدا بالحرب الإسرائيلية على غزة، بحسب بيان مشترك بين قيادة الأمن الوطني بمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزارة الخارجية الإسرائيلية.
ويأتي ذلك بعد تزايد وتيرة الهجرة الصهيونية من الأراضي المحتلة بعد معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر.
هجرة بالآلاف
وذكرت صحيفة ذا ماركر العبرية في تقرير بعنوان "القلب في إسرائيل لكن الجسد في الطائرة" نقلا عن إحصاءات سلطة المعابر والمطارات الإسرائيلية أن 230 ألف صهيوني غادروا الأراضي المحتلة في الأسبوع الثاني من المعركة.
استعرض التقرير نماذج لبعض الأسر التي قررت مغادرة الأراضي المحتلة، وكان من ضمن الحالات "أوريت كاتريش" التي سافرت مع أسرتها إلى مدينة تبليسي في جورجيا.
وقالت كاتريش: "كنا نظن أنه بعد أسبوع سينتهي الأمر، لكنه لم ينته بعد"٬. ويبدو أن جورجيا من الدول التي يستهدفها المواطنون الصهاينة الهاربون.
فقد أكدت أنه بعد وصولهم سكنوا في فندق لأنهم لم يتمكنوا من استئجار منزل نتيجة للطلب المتزايد من قبل الإسرائيليين الفارين.
وأوضحت لصحفية ذا ماركر "حاولنا البحث عن وحدة سكنية، لكن أصحاب العقارات الذين اتصلنا بهم أخبرونا أن هناك طلبا جنونيا من الإسرائيليين وأن كل شيء تقريبا محجوز، يمكنك القول إنني موجود جسديا هنا، لكن قلبي في إسرائيل"، وفق وصفها.
أما تومر غولدنبرغ والذي هاجر في 14 أكتوبر 2022 من كندا إلى الأراضي المحتلة٬ وجد نفسه وهو وزوجته بعد عام واحد فقط في رحلة إلى مدينة أثينا اليونانية هربا من تبعات عملية طوفان الأقصى.
ويذكر تومر لصحيفة ذا ماركر أنه بعد أسبوع من طوفان الأقصى ذهب لحضور جنازات أصدقائه الذين قُتلوا، وبعد عودته اخبرته زوجته أنها سمعت صافرات الإنذار وقررت الاختباء في الملاجئ مع أطفالهم.
حاول تومر أن يهدئ من خوفها ويخبرها أن عليهم البقاء مع العائلة والأصدقاء إلا أن زوجته رفضت ذلك وقررت قبول عرض الخارجية الكندية لإجلائهم إلى أثينا، فسافروا واستأجروا بيتا.
ويقول تومر "نحن على اطلاع دائم بما يحدث في إسرائيل. نحن ملتصقون بهواتفنا، ونراقب باستمرار ولا ننام ليلا".
ويقول أوري حلميش الذي يعيش في عسقلان مع أسرته منذ خمس سنوات للصحيفة ذاتها: "في صباح 7 أكتوبر عندما بدأت الصواريخ باتجاه مركز عسقلان، كان من الواضح بالنسبة لي أنها ستصل إلى بيتنا. وكنت مستعدا وقمت بتخزين الطعام".
ويكمل قائلا: "لكن عندما رأيت صورهم وهم ينزلون بالمظللات، أدركت أن هذه المرة مختلفة وأكبر من أي شيء عرفناه، وأنه ليس لدينا مكان لنبقى فيه بالمنزل".
وتابع: "في غضون عشر دقائق حزمنا حقيبتنا وتوجهنا إلى المطار، واخترت السفر مع أسرتي للعيش في العاصمة المجرية بودابست".
"نغادر معا"
لم يقتصر الأمر عند ما ذكرته الصحف العبرية، فقد نشطت مجموعة على موقع فيسبوك تحمل اسم "עוזבים את הארץ ביחד" أي "نغادر البلاد معًا" لتبادل المعلومات حول السفر خارج الأراضي المحتلة.
وقد أنشئت هذه المجموعة منذ عام 2022، ونظمت احتجاجات مختلفة ضد سياسة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويرعى هذه المجموعة رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي مردخاي كاهانا والذي يحث الصهاينة على مغادرة الأراضي المحتلة رفضا لسياسة الحكومة اليمينية بعد سنوات قضاها في تسهيل جلب اليهود إلى الأراضي المحتلة.
ولكن بعد معركة طوفان الأقصى دخل العديد من الصهاينة على المجموعة لنقل خبراتهم وتبادل وجهات النظر حول أفضل الوجهات للسفر خوفا على أنفسهم وهربا من الحرب.
وتطرح "أناستاسيا بيساخوفيتش" إحدى الأعضاء في الجروب سؤالا قائلة: "كيف أحصل على جواز سفر أوروبي؟ على أي موقع؟ أين أقدم مثل هذا؟"
أما ألون نيسان الذي يعيش في القدس فكان أكثر جرأة وكتب في المجموعة قائلا: "فكر كم عدد الأرواح التي سيتم إنقاذها إذا أنشئت الدولة اليهودية في إفريقيا أو الأرجنتين؟ (كان هناك اقتراحات على الطاولة) كم من الأرواح ضاعت بسبب قرار الآباء الصهاينة! لقد حددوا مصائرهم!!!".
كما امتلأت المجموعة بإعلانات شركات العقارات والسفر والهجرة التي تتحدث عن فرص العيش والإقامة خارج الأراضي المحتلة.
وقد ركزت أغلب هذه الإعلانات والنصائح على دول أوروبا وبالتحديد الشرقية لسهولة السفر إليها والرخص النسبي للحياة وقلة المظاهرات التي خرجت تأييدا للقضية الفلسطينية.
وقد شارك أحد الأشخاص -لم يظهر اسمه- قائلا: "عائلة مكونة من 5 أشخاص بدون جوازات سفر أجنبية مهتمة بالهجرة من إسرائيل، إلى أي دول يمكننا الهجرة كلاجئي حرب من إسرائيل؟ وهل يعرف أحد كيف يمكنك الهجرة إلى الولايات المتحدة بشكل قانوني دون انتظار طويل؟"
ومع تزايد أعداد الهجرة العكسية، طرحت صحيفة هآرتس العبرية عبر موقعها الإلكتروني سؤالا على قرائها بعنوان "هل الهروب من إسرائيل هو الحل؟
وقد تباينت ردود الأفعال حول إجاباتهم على هذا السؤال، فمنهم من يرى ضرورة المغادرة مؤقتا خاصة من لديهم أطفال.
لماذا البقاء؟
بينما رد أحدهم على هذا السؤال بسؤال آخر قائلا: "ولماذا البقاء في إسرائيل؟ هناك أكثر من 2 مليون من المتدينين الأرثوذكس، معظمهم ليسوا في الجيش، لا يعملون ويدفعون ضرائب قليلة. لماذا نحمل الطفيليات على ظهورنا؟"
ويقول آخر "البعض يتعامل مع إسرائيل كشركة مزودة لخدمة الإنترنت، إذا ساءت الخدمة انتقل إلى شركة أخرى". وتعكس هذه الآراء ردود الفعل المتباينة والمتضاربة داخل المجتمع الصهيوني حول الهجرة العكسية.
وحول مستقبل الهجرة العكسية داخل المجتمع الصهيوني، قال الباحث الأكاديمي أحمد الزعتري "أولا علينا أن ندرك أن دولة الاحتلال كانت تعيش في أزمة سياسية واجتماعية غير مسبوقة قبل طوفان الأقصى منذ أكثر من عام، حيث كان هناك إعادة انتخابات أكثر من مرة وعدم استقرار سياسي تطور إلى مظاهرات ضد الحكومة الحالية".
ويضيف لـ"الاستقلال": "وفي الفترات الأخيرة كانت هناك مواجهات حادة وعنيفة بين المتظاهرين الذين ينحدرون من عرقيات غير أوروبية ضد الدولة، رفعوا خلالها شعارات التهميش والتمييز والعنصرية وعدم اهتمام الدولة بهم، وكان الرد قتل عدد منهم في سابقة خطيرة"، وفق قوله.
وعن التأثير المباشر لطوفان الأقصى على الهجرة العكسية ذكر الزعتري أن المجتمع الإسرائيلي كان يعيش أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية تزايدت بعد معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021.
فالأوضاع لم تهدأ تحديدا في الضفة الغربية، وأصبح السؤال الطبيعي داخل المجتمع الصهيوني لأي مواطن يمتلك جواز سفر أجنبيا: ما الذي سيبقيني في هذه الدولة وأنا لا أشعر بالأمان؟
أما الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور فقال "إن معركة طوفان الأقصى بحجمها والصورة التي كونتها أثرت على عمق الشعور بالأمن الشخصي والجماعي الإسرائيلي وجعلته يشعر أنه مهدد وأنه لا جدران ولا تكنولوجيا ولا جيش يستطيع أن يحميه وهذا الأمر دفعه للبحث عن الانتقام وأيضا الهروب".
وأكد منصور أن جزءا كبيرا من الإسرائيليين هاجر أو يفكر بالهجرة٬ أو يبحث عن جوزات أجنبية خاصة بعد الحديث عن إمكانية الإفراج عن الأسرى (في غزة) الذين يملكون جوازات أجنبية.
وهذا دفع عائلات الجنود والمستوطنين الأسرى لدى حماس بأن يفكروا باستخراج جوازات سفر أجنبية لأبنائهم، مما يدل على أنهم لم يعودوا يثقون لا بجنسيتهم الإسرائيلية ولا بوجودهم بأمان داخل الأراضي المحتلة، بحسب منصور.
وبالحديث عن المدة الزمنية المتوقعة لهذه الهجرة، قال: "بالعادة تكون هذه الهجرات مؤقتة حتى يعود الأمن والاستقرار، ولكن أعتقد أن الوضع بعد طوفان أقصى قد يغير الكثير خاصة على صعيد البقاء في المستوطنات القريبة من غزة.