كيف ينظر الشارع السعودي إلى التطبيع مع إسرائيل.. “صمت الخوف”
بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي أطلقتها "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والعدوان الإسرائيلي الذي تلاها، سلطت تقارير عبرية الضوء على علاقة إسرائيل والسعودية، في ضوء الأحاديث المتصاعدة عن قرب عقد اتفاق تطبيع بينهما.
Table of Contents (Show / Hide)
وقال معهد "دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي في مقدمة ورقة أعدها إن "السعودية وفي محاولتها للترويج للتطبيع مع إسرائيل، تواجه معارضة في الرأي العام لهذه الخطوة التي تتوسع بعد (العدوان على غزة)، لكنها لم تتجلَّ بعد في احتجاج شعبي".
وأوضح أن هذه المعارضة الشعبية لها ثلاثة أبعاد، البعد الديني الذي يعد الاتفاق مع إسرائيل مخالفا للشريعة الإسلامية، والبعد المؤيد للفلسطينيين الذي يعد رفض التطبيع تعبيرا عن الولاء للفلسطينيين، وبُعد ليبرالي يحذر من أن العلاقات مع إسرائيل ستعزز قدرة النظام السعودي على انتهاك حقوق الإنسان.
وفي غضون ذلك، لفت المعهد إلى أن "الخطاب الإسرائيلي حول العلاقات مع السعودية يركز على الشراكة الأمنية ضد إيران، في حين يظهر الجمهور السعودي عدم اهتمام بهذه الشراكة، مهتما بدلا من ذلك بالجانب الاقتصادي للعلاقة".
خلفية تاريخية
قبل نحو أسبوعين من العدوان الإسرائيلي على غزة، أعلن ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان، في مقابلة مع وسائل إعلام أميركية، أن احتمال الاتفاق مع إسرائيل يبدو "جديا للمرة الأولى".
وفي هذا الإطار، قال المعهد إن "اندلاع الصراع في قطاع غزة لم يعرقل عملية التطبيع هذه".
فبعد ثلاثة أشهر من التجميد، أشار إلى "استئناف المحادثات الأميركية السعودية في يناير/ كانون الثاني 2024، حتى لو ألمحت الرياض -على الأقل بشكل علني- أنها لن توافق على التطبيع مع إسرائيل دون وقف إطلاق النار في غزة وإقامة دولة فلسطينية".
وبحسب المعهد الإسرائيلي، فإن "نهج ابن سلمان البطيء، ولكن الحاسم تجاه التطبيع مع إسرائيل، يثير تساؤلات حول كيفية استقبال الجمهور السعودي لمثل هذه الخطوة".
ورأى أن "الرياض واحدة من أكثر الدول واقعية في العالم العربي فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل".
ووفقا للمعهد، "ظاهريا، لم يُثِر التغير في موقف الحكومة تجاه إسرائيل واليهود أي احتجاجات أو معارضة عامة في جميع أنحاء السعودية".
وأضاف أن "التغييرات الثورية الأخرى التي أجراها ابن سلمان في الأعراف الدينية والاجتماعية قُبلت دون معارضة عالية".
وهو ما يوحي -بحسب المعهد- بـ"قدرته على الاستمرار في رؤيته فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل".
صمت منطقي
ومع ذلك، يعتقد أن السؤال الذي يبقى قائما هو "هل ينبع هذا الصمت من الدعم الحقيقي لابن سلمان وأفعاله، أو من الخوف من انتقاد سياساته؟".
وفي هذا الإطار، أوضح المعهد أنه "في نظام ملكي مطلق مثل السعودية، التي تقيد حرية التعبير بشكل ملحوظ أكثر من الدول الأخرى في المنطقة، من المستحيل قياس الرأي العام والمزاج العام فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل".
ولكن رغم ذلك، يشير النشاط على شبكات التواصل الاجتماعي إلى "وجود مقاومة لدى الجمهور للتطبيع، يصعب تقدير حجمها وتأثيرها بشكل موثوق".
فعلى سبيل المثال، اكتسب حساب على منصة "إكس" يحمل اسم "سعوديون مع الأقصى"، ما يقرب من 300 ألف متابع في وقت قصير.
إضافة إلى ذلك، قال المعهد إن "أحد المؤشرات التجريبية النادرة المتاحة لنا هي سلسلة استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط بين الجمهور السعودي، منذ إبرام اتفاقيات التطبيع عام 2020".
فبحسب الاستطلاعات، قبل العدوان على غزة عام 2023، وُجد أن ما يقرب من 40 بالمئة من السعوديين يدعمون العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل إلى الحد الذي سيفيد الاقتصاد المحلي.
ومع ذلك، في نفس الاستطلاع الذي أُجري خلال العدوان في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 2023، انخفض الرقم بمقدار النصف.
بل وأيد 96 بالمئة من المشاركين القطع الفوري للعلاقات من أي نوع التي تقيمها الدول العربية مع إسرائيل احتجاجا على تصرفاتها في غزة، وفق ما ورد عن المعهد.
استياء عام
من ناحية أخرى، أبرز المعهد أن "الجدل الدائر حول التطبيع مستمر أيضا في الفضاء الديني الإسلامي".
وفي حين أن رجال الدين خاضعون للحكومة في الرياض ولقراراتها المتعلقة بالتطبيع، لفت إلى أن "هذا ليس هو الحال بالنسبة للدعاة خارج المؤسسة الرسمية".
وفي هذا السياق، أشار المعهد إلى تيار من رجال الدين السعوديين المعروفين باسم "الصحوة"، الذين اكتسبوا شعبية هائلة في مطالبتهم بتصحيح ما يعدونه "إهمالا دينيا من جانب البيت الملكي السعودي".
وأوضح أن "نهجهم الإسلامي تجاه إسرائيل -الذي يرفض البراغماتية السياسية ومساحة المناورة للحاكم لصالح خط متشدد ضد المصالحة مع إسرائيل- يتردد صداه في الجمهور السعودي ويوجههم إلى إنكار التطبيع على أساس ديني".
وخلص المعهد إلى أن "نتائج الاستطلاع الذي أُجري في المملكة، والتي تظهر المطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل على خلفية الحرب، تعكس استياء الرأي العام السعودي من الموقف الذي اتخذته بلادهم من القضية الفلسطينية".
ومن وجهة نظره، فإن الحكومة السعودية مطالبة بمعالجة هذه القضية "من خلال تقديم رواية مضادة".
وحتى قبل العدوان على غزة، عندما جرت المحادثات السعودية الأميركية بشأن الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل، ظهر خطاب فكري في الصحف السعودية -الموالية للنظام- يصف استعداد المملكة للتطبيع مع إسرائيل بأنه "ليس تخليا عن القضية الفلسطينية، بل على العكس من ذلك، كوسيلة بديلة وفعالة لتعزيزها".
ووفق ما ذكره المعهد، فإن هذه الدعاية أبرزت أن "إسرائيل والولايات المتحدة هما اللتان تتوددان للسعودية في مسألة التطبيع، وهي في المقابل تشترط اتفاقها بتحسين أوضاع الفلسطينيين وتحقيق مكاسبهم الوطنية".
ومن هنا، أوضح المعهد أن النظام السعودي يحاول إبراز حقيقة أنه "لا يوجد تناقض بين دعم الفلسطينيين ودعم التطبيع في الوقت نفسه".
وذهب إلى أن العدوان الذي اندلع في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "لم يؤد إلا إلى تعزيز هذا الخط".
فقد ذكرت أعمدة الرأي السعودية أن "المأساة التي تتكشف في غزة تثبت أكثر من أي وقت مضى أن حل القضية الفلسطينية يكمن في عملية السلام الشاملة، والتي تسعى إليها الرياض من خلال محادثات التطبيع".
وفي ختام الورقة، قال المعهد إنه "من الصعب تحديد مدى نجاح النظام في غرس الموقف في الرأي العام بأن التطبيع مع إسرائيل سيكون لصالح الفلسطينيين، وهو ما يتناقض بشكل واضح مع التصور السائد حول هذا الموضوع".
المصدر: الاستقلال