بين الميدان والمفاوضـــات.. كواليس الصفقة
خمسة أسابيع من المحادثات وصفها المندوب الأمريكي في لجنة الخلية المسؤولة عن ملف التفاوض بشأن إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة في قطاع غزة، وكأنها خلع للأسنان حتى وصلنا إلى إتفاق متعدد الصفحات.. توصيف يعكس صلابة مقاومة صمدت وتفوقت في الميدان فأرضخت العدو لشروطها.
Table of Contents (Show / Hide)
في كواليس الاتفاق رسمت المقاومة خطوطها وقالت كلمتها، كادت الأمور أن تصل إلى الخواتيم لكن تعنت الإحتلال ووحشيته أفشل الوصول إلى إتفاق خاصة بعد إقتحام مستشفى الشفاء.
موقع بوليتيكو الأمريكي، قال إنه خلال زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى تل أبيب قام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بإمساك ذراع أحد مستشاريه هامسا “نحن أحوج إلى إتفاق مع حماس لإخراج المختطفين” ليرد المستشارالأمريكي سنبذل ما بوسعنا لذلك.
وقتها زار وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الدوحة، وأبلغ القيادة القطرية موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على طلبها بإنشاء ما يسمى بالخلية، تضم كبار المستشارين لدى البيت الأبيض ووفدا صهيونيا وفريق رئيس الوزراء القطري، تكون مسؤولة عن المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى المقاومة.
الثمرة الأولى للجهود القطرية كانت في 23 تشرين الأول/أكتوبر، عندما قامت كتائب القسام بإطلاق سراح مواطنتين أميركيتين هما ناتالي وجوديث رانان، ما أعتبره البيت الأبيض إشارة إلى أن عمل هذه الخلية يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إطلاق سراح المزيد من “المحتجزين” فأعطيت صلاحيات أوسع.
اقترحت المقاومة الفلسطينية على الخلية في اليوم التالي أي في 24 من تشرين الأول/أكتوبر، أنها مستعدة للإفراج عن عدد من النساء والأطفال الأسرى لديها، لكن على الجانب الصهيوني تأمين عبور آمن لهم إلى خارج القطاع، فكان الرد أن هذا الأمرلا يمكن تأمينه إلا إذا تم تأخير الغزو البري، ما اعتبرته القيادة العسكرية الصهيونية مناورة من قبل المقاومة الفلسطينية لكسب الوقت.
دخلت الخلية خلف الأبواب المغلقة في الدوحة بمساعدة تركية مصرية، وبدأت وضع الملامح الأولى للصفقة التي بدأت تتضح معالمها شيئا فشيئا. ظلت المحادثات تتأرجح وفق معطيات الميدان، الذي كان لصالح المقاومة ما ساعدها في فرض شروطها، وبعد أخذ ورد والموافقة على إعادة عمل شبكة الإتصالات في غزة وإدخال بعض المساعدات الطبية، قدمت المقاومة معلومات عن 50 من الأسرى لديها، وجرى إتصال هاتفي بين أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الأمريكي جو بايدن وكان التاسع من أصل أربعة عشر إتصالا خلال خمسة أسابيع، أوضح خلاله الجانب القطري لبايدن أن ثمة إمكانية لإخراج 50 أسيرا في القطاع. لينقل الرئيس الأميركي وجهات نظره لنتنياهو في اتصال هاتفي أجراه معه في 14 من تشرين الثاني/نوفمبر، فوافق الأخير على ذلك طالبا مهلة لتمرير الأمر في مجلس وزراء العدو.
وبحسب بوليتيكو، فإن نتنياهو سارع الى الإتصال بمسؤول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، وأخبره بمدى أهمية إنجاز “إسرائيل” للاتفاق، فقد أصبح يرى فيه ضرورة سياسية لضبط غضب اهالي الأسرى في الداخل الإسرائيلي.
المجازر التي قام بها العدو الصهيوني في جباليا ووسط القطاع وخانيونس، جعلت المقاومة تهدد بإيقاف المفاوضات، ليشعر بايدن أن الوقت لتحقيق شيء ما بدأ ينفد، وفي 17 من تشرين الثاني/نوفمبر، حط ماكغورك في الدوحة لإعادة الزخم للجنة الخلية ومراجعة النص النهائي لاتفاقية الصفقة، وكانت القيادة القطرية قد تلقت في وقت سابق تعليقات المقاومة على الصفقة المقترحة.
وصل ماكغورك إلى القاهرة يوم 19 تشرين الثاني/نوفمبر للقاء رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وبينما كانا يتحدثان، دخل أحد مساعدي كامل حاملا رسالة مفادها أن قادة حماس في غزة قبلوا تقريبا كل ما تم التوصل إليه في الدوحة في الليلة السابقة.
ليغادرماكغورك القاهرة متوجها إلى تل ابيب، وحضر جلسة مجلس الوزراء الحربي الصهيوني، وفور خروجه من الجلسة أبلغ المسؤولون في البيت الأبيض أن الصهاينة وافقوا على الاتفاقية مع بعض التغييرات الطفيفة فقط.
ماكغورك أرسل التعديلات إلى القيادة القطرية التي بدورها أرسلتها إلى قيادة حركة حماس، 48 ساعة من الجولات المكوكية ذهابا وإيابا.
وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر، أعطت المقاومة الضوء الأخضر. ولم يتبق سوى موافقة مجلس الوزراء الصهيوني بكامل هيئته على الصفقة، التي توقع كل فرد في الخلية حدوثها.
فالبنود الأساسية للصفقة تنص بحصول الكيان الغاصب على إطلاق سراح 30 طفلا و8 أمهات و12 امرأة أخرى، وتحديد المقاومة عدد وحالة النساء والأطفال الذين ما زالوا في أيدي مجموعات أخرى أو أفراد في قطاع غزة.
في المقابل، سيستفيد اهالي غزة من وقف لإطلاق النار لمدة 4 أيام، يصاحبه وقف لإطلاق المسيّرات الإسرائيلية 6 ساعات يوميا فوق شمال القطاع، وطيلة اليوم في جنوبه، والإفراج عما لا يقل عن 150 امرأة وقاصرا فلسطينيا، كما سيسمح الاتفاق لـ230 شاحنة مساعدات إنسانية بالدخول يوميا إلى غزة، إضافة إلى توفير الوقود والمساعدات المالية. كل ما تقدم كان بحسب موقع بوليتيكو الأمريكي القريب من دوائر القرار في البيت الأبيض.
أما ما جرى في جلسة مجلس وزراء العدو يمكن معرفته مما سرب في الصحف الصهيونية، إذ أعلنت أن وزير الحرب الصهيوني ورئيس أركان جيش الإحتلال أدركا أن التعويض عن فشل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لن ينتهي باحتلال الأراضي واغتيال الإرهابيين – كما كتب المحلل عاموس هاريل- ولكن أيضا ببذل جهد لإعادة الأمهات والأطفال.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، تفاصيل جلسة الحكومة الصهيونية التي استمرت 8 ساعات للمصادقة على قرار الهدنة الإنسانية في قطاع غزة، وصفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية.
وصوَّت 35 وزيرا إسرائيليا لصالح قبول اتفاق الهدنة، فيما عارضه ثلاثة وزراء، وهم من حزب “عوتسما يهوديت” بقيادة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير.
ممثلو حزب “الصهيونية الدينية”، بقيادة سموتريتش، وصفوا الاتفاق بالسيء، لكنهم في نهاية المطاف صوتوا مجبرين لصالح الهدنة.
وبحسب الصحيفة أيضا، فقد أثار رئيس حزب الصهيونية الدينية، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش والوزيرة أوريت ستروك، مخاوف من أن الصفقة قد تثبط العزيمة، لكن قادة الأجهزة الأمنية الثلاثة، دافيد برنياع رئيس الموساد، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس هيئة الأركان جيش الإحتلال هرتسي هاليفي، أوضحوا أن هذه هي الصفقة الممكنة والصحيحة في اللحظة الحالية، وأوصوا بقبولها.
وخلصت الصحيفة إلى أن الخلاف داخل مجلس الوزراء الصهيوني سيؤثر حتما على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كما أنه يثير قلقا كبيرا لدى الأميركيين.
حسن خليفة
المصدر: المنار