ماذا يعني تصريح تركي الفيصل؟
حماس لم تكن (أبدا) عدوا لأي بلد عربي ولو اختلفت مع سياساته أو قيادته بل ترحب بالتواصل مع كل الأنظمة العربية، وبأي دعم أيا كان نوعه وقدره..
Table of Contents (Show / Hide)
في خضم احتفالات الرياض الصاخبة بالعام الميلادي الجديد، ظهر صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، على قناة "الإخبارية" السعودية الحكومية، الموجهة للداخل السعودي بالأساس؛ ليقول بحق "منظمة حماس" -كما سماها- ما لم يقله أي مسؤول سعودي على أي مستوى، خلال العشرية المنصرمة على الأقل..
ورغم قِصَر تصريح الفيصل الذي جاء في سياق قراءته لأحداث العام المنقضي (2023)، إلا أنه يستحق الوقوف عنده، لما يحمله من دلات تستحق الوقوف عليها، والتنبيه إليها.. هكذا أظن وليس كل الظن إثم..
قال الفيصل صاحب الثمانية والسبعين عاما بهدوئه المعهود لمحاوره الشاب:
"الحمد لله.. في هذا العام، وفي آخر شهرين أو ثلاثة، أصبحت القضية الفلسطينية هي المحور الذي يدور حوله اهتمام العالم، بصفة عامة، وليس فقط اهتمام المملكة العربية السعودية.. ما قامت به منظمة حماس من هجوم على "إسرائيل"، والطريقة التي استطاعت بها أن تغزو الحصن الحصين الذي أقامته "إسرائيل" حول منطقة غزة، أدى إلى تداعيات كبيرة جدا.. منها أولا وقبل كل شيء [أخذ يعدد على أصابعه]: تحطيم الصورة التي كانت لدى الكثير من الناس في العالم عن "إسرائيل" كونها المانع المنيع أمام أي قوة يمكن أن تنافسها، أو تجاريها، أو تتحداها، في المنطقة.. ثانيا، القضية الفلسطينية حية ولم تمت، كما ادعى البعض خلال السنوات الماضية.. أن فلسطين أصبحت نسيا منسيا، ليس للعرب اهتمام بها، ولا حتى للفلسطينيين اهتمام بها، ولا قدرة لديهم على فعل أي شيء يغير هذه الصورة.. فهاتان النتيجتان اللتان أتت بهما هذه الحادثة التي حدثت منذ ثلاثة شهور [طوفان الأقصى] أيقظت العالم ونبهته، ليس هناك فقط قضية فلسطينية، ولكن هناك أيضا اضطهاد وظلم، وهناك ضيم يُمارس ضد هذا الشعب [الفلسطيني] من قِبَل محتل يشبه الاحتلالات الاستعمارية في القرن التاسع عشر التي كانت تمارسها دول أوروبا، في مناطق مختلفة من العالم، إن كان في آسيا، أو في أفريقيا، أو في أمريكا اللاتينية".. (انتهى التصريح).
* تصريح منافٍ تماما لموقف المملكة العربية السعودية من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تصنفها السعودية والإمارات "منظمة إرهابية"!
* تصريح مفعم بالفخر بما أنجزته حماس، وينطوي على شماتة بالكيان الصهيوني!
* بدأ التصريح بحمد الله على إحياء القضية الفلسطينية من جديد، وهي القضية التي بشَّر، أو توَّعد، أو تعهد المطبعون العرب بمحوها من الأجندة الدولية!
* حماس غزت "الحصن الحصين" التي أقامته "إسرائيل" حول منطقة غزة!
* حماس حطمت صورة "إسرائيل" من حيث كونها المانع المنيع أمام أي قوة يمكن أن تنافسها، أو تجاريها، أو تتحداها، في المنطقة!
* هجوم السابع من أكتوبر على غلاف غزة أيقظ العالم ونبهه إلى القضية الفلسطينية، والاضطهاد والظلم، والضيم الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني!
تصريح في غاية القوة، يصدر من شخصية وازنة كانت ولا تزال تتمتع بقدر كبير من الأهمية والاحترام في بلادها التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التطبيع مع العدو الصهيوني، لولا طوفان الأقصى.. شخصية تربطها علاقات وطيدة بالكيان الصهيوني، ودائمة التردد عليه!
فمن هو الأمير تركي الفيصل؟
من الأهمية بمكان أن نتعرف (بإيجاز) على هذه الشخصية؛ لندرك أهمية ما صرحت به..
تركي الفيصل (مواليد 1945) من أوائل أمراء آل سعود الذين تحصلوا على تعليم متميز، وتأهيل عال، في تلك السنوات البعيدة، فبعد أن اجتاز المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في مدارس الأمراء بالطائف، التحق بمدرسة "لورنسفيل" الراقية الخاصة بولاية نيوجيرسي الأمريكية، وأنهى فيها تعليمه الثانوي عام 1963. ثم التحق بجامعة "جورج تاون" في واشنطن العاصمة، وتخصص في الآداب، وتخرج في العام 1968.
في عام 1973 عيَّنه والده الملك فيصل بن عبد العزيز مستشارا خاصا له، ثم رئيسا للاستخبارات العامة السعودية في عام 1977، وظل في هذا المنصب حتى عام 2001 (ربع قرن تقريبا)، ثم عيَّنه الملك فهد سفيرا للسعودية لدى المملكة المتحدة، ثم سفيرا لبلاده لدى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2005، خلفا لابن عمه بندر بن سلطان بن عبد العزيز.
إذن نحن أمام شخصية صاحبة خبرة عريضة، لديها مصادرها واتصالاتها في داخل المملكة وخارجها، ولديها أيضا قراءتها وتقييمها لهذا الحدث العظيم (طوفان الأقصى) وتداعياته على الساحات الدولية والإقليمية والمحلية.. ولذا، فإن تركي الفيصل شخصية مؤثرة، حتى وإن لم تكن صاحبة القرار في بلادها..
إن تصريح تركي الفيصل المفاجئ والغريب على الموقف السعودي الراهن له عدة أوجه:
الوجه الأول: المقاومة الفلسطينية (بقيادة حماس) انتصرت، و"إسرائيل" تعرضت لهزيمة مُذلة، وانتهى الأمر، وما نشاهده اليوم في غزة يشبه تلك الهزات التي تعقب أي زلزال كبير مدمر، ستستمر لبعض الوقت. وفي تقديري، فإن هذه النتيجة ليست استنباطا ولا استنتاجا من الفيصل، وإنما "معلومة مؤكدة لا تقبل الشك" مصدرها شخصيات مهمة ومطلعة وفاعلة دخل الكيان الصهيوني تربطها علاقات وثيقة بالفيصل.. ومن ثم، فإن كل ما يهذي به نتنياهو والإدارة الأمريكية من تصريحات "عنترية" بالقضاء على حماس وقدرات حماس، ليست سوى "بروباجندا فارغة" تحاول (في يأس) الحفاظ على ما تبقى من ماء وجه الكيان الصهيوني، إذا كان لا يزال فيه ماء، ولململة بقايا كرامته التي هشمتها سواعد المقاومة.
الوجه الثاني: تمهيد سعودي للتعامل مع القضية الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، وفق رؤية جديدة (إيجابية) فرضها الفلسطينيون على العالم بدمائهم وأرواحهم.. وبالفعل، فإن الفيصل بتاريخه ووزنه وعلاقاته هو الشخص الأنسب لإعلان هذا التوجه الجديد، وليس أي شخص آخر، حتى لو كان وزير الخارجية..
الوجه الثالث: نصيحة لـ"ولي الأمر" يسديها أو يهديها إليه خبير عتيق لديه من العلاقات والاتصالات الكثير، مفادها أن الوقت قد حان لإصلاح خطأ المملكة العربية السعودية بحق حماس، ذلك الخطأ الذي لم يكن له أي مبرر في الحقيقة.. فحماس لم تكن (أبدا) عدوا لأي بلد عربي، سواء اختلفت مع سياساته أو قيادته، بل كانت ولا تزال ترحب بالتواصل مع كل الأنظمة العربية، وبأي دعم أيا كان نوعه وقدره..
هذا والله أعلم..
*أحمد عبد العزيز كاتب وباحث مصري
المصدر: عربي 21