تطبيع أم دور بغزة.. ماذا يطبخ بلينكن وغراهام ووارنر في خيمة ابن سلمان؟
في فترة قصيرة جدا، تقاطر على السعودية في 6 و7 و8 يناير/ كانون الثاني 2024، ثلاثة مسؤولين أميركيين بارزين، أولهم السيناتور مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ وأعضاؤه الخمسة.
Table of Contents (Show / Hide)
ثم السيناتور الجمهوري اليميني المتطرف ليندسي غراهام، وأخيرا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ما أثار تساؤلات حول ما الذي يجرى طبخه بين الأميركيين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي استقبل ضيوفه في خيمة عربية تراثية بمحافظة العلا.
محللون ربطوا بين هذه اللقاءات الأميركية السعودية المكثفة، وبين استئناف خطط التطبيع مع إسرائيل، والتي عرقلها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خاصة أن اثنين من الضيوف الأميركيين صرحوا بذلك.
فيما ربطها آخرون ببحث واشنطن عن دور للسعودية في غزة مستقبلا، حيث يجري التخطيط لإبعاد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عن إدارة القطاع والتخطيط لقيام دول عربية مع الأمم المتحدة بإدارة مؤقتة للقطاع.
غراهام والتطبيع
لم يرشح الكثير عن أهداف لقاء ولي العهد السعودي ورئيس وأعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، بحكم طبيعة عمل اللجنة، في عدم التصريح حول ما جرى بحثه.
وإن كان مراقبون رجحوا أن تكون المناقشات دارت حول مستقبل غزة، ودور المملكة في ذلك، حسبما ألمحت صحف أميركية.
لكن لقاء السيناتور غراهام في 7 يناير 2024 مع ابن سلمان، والذي حضره سفيرا البلدين، ريما بنت بندر بن سلطان، ومايكل راتني، كان من الواضح أن هدفه "إحياء التطبيع" بين الرياض وتل أبيب.
فقبل وصوله المملكة قادما من إسرائيل، قال غراهام، بعد لقائه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن "إسرائيل لديها نافذة (فرصة) حتى يونيو/حزيران 2024 للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية".
وزعم أن "الحملة العسكرية لتدمير حماس لا تتعارض مع التطبيع، وأن أسوأ شيء بالنسبة لابن سلمان ودول الخليج والأنظمة العربية هو بقاء حماس على قيد الحياة"، وذلك حسبما قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 4 يناير 2024 وأكده غراهام نفسه عبر حسابه على منصة "إكس".
وعقب تصريحات بلينكن ظهر أن ولي العهد السعودي لا يزال مهتما بتطبيع العلاقات مع إسرائيل حين تسمح الظروف، حسبما نقلت عنه وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 9 يناير، غرد غراهام على "إكس" قائلا إنه يشاركه "نفس التقييم، وأعتقد أنه بعد زيارتي الأخيرة لإسرائيل، أصبح لدى الإسرائيليين نفس التفكير".
وتابع: "سأواصل مساعدة إدارة الرئيس جو بايدن، للدفع نحو هذه المصالحة التاريخية بين زعيم العالم العربي (يقصد ابن سلمان) وإسرائيل".
وكان غراهام أكد في لقاء مع قناة "سي إن بي سي" الأميركية في 15 أكتوبر 2023 أن "السعودية مع إسرائيل ولن تسمح للفصائل الفلسطينية بهدم ما بنته من علاقات طيبة شارفت على التطبيع بين البلدين".
وكانت المفارقة أن يذهب غراهام إلى المملكة ويستقبله ابن سلمان بحفاوة بعدما هاجمه عام 2018 بسبب قضية مقتل الصحفي خاشقجي، وقال السيناتور إنه "لن يذهب للسعودية طالما هو مسؤول فيها!".
ويبدو أن هذا الموقف تغير بعد أن اقتنع السيناتور أن "ابن سلمان حليف إستراتيجي وخادم وداعم رئيس للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة العربية".
وربط محللون بين سفر هذا السيناتور الداعم بقوة للاحتلال لأسباب توراتية (ينتمي للتيار الإنجيلي المؤمن بدعم إسرائيل لتعجيل حرب نهاية العالم) للمملكة التي وصلها قادما من تل أبيب، وبين استئناف خطط التطبيع مع إسرائيل التي عرقلها العدوان على غزة.
وحين بدأ العدوان، قال غراهام: "نحن في حرب دينية وأنا مع إسرائيل".
وأضاف مخاطبا الاحتلال الإسرائيلي: "قوموا بكل ما يمكن للدفاع عن أنفسكم سووا المكان بالأرض"، وكان يقصد غزة، حسب ما صرح به آنذاك لقناة "فوكس نيوز”.
التطبيع هدف
عقب لقائه مباشرة مع ابن سلمان، خرج وزير الخارجية الأميركي ليؤكد إن "السعودية لا تزال مهتمة بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل".
لكنه قال إن "هذه الخطوة ستتطلب إنهاء القتال في غزة واتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية".
بلينكن، أفاد بأن "الزعيم السعودي أخبره أن إقامة اعتراف دبلوماسي بين المملكة وإسرائيل لا يزال ممكنا، لكنه يتطلب إنهاء الحرب في غزة واتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق السلام والدولة الفلسطينية"، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" في 8 يناير.
وشدد الوزير الأميركي على أن "هناك اهتمام واضح في السعودية بمتابعة ذلك (التطبيع)، وهناك مصلحة واضحة وراء ذلك".
تصريحات بلينكن كانت بمثابة أقوى إعلان رسمي حتى اللحظة بأن شرارة تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل لا تزال مشتعلة، تحت رماد نار إبادة غزة، والأغرب أن التصريحات ألمحت للربط بين وقف العدوان والتطبيع.
ونقل موقع شبكة "بي بي سي" الإنجليزية عن السفير السعودي في لندن، خالد بن بندر بن عبد العزيز، في 9 يناير 2024، تأكيده لما قاله بلينكن، إن بلاده "لا تزال مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل بعد انتهاء الحرب على غزة".
وكشف أن "الوضع كان قريبا من عقد اتفاقية تطبيع" قبل بدء "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 9 يناير أنه بعد مرور أكثر من 3 أعوام على توقيع اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دولة عربية (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب)، ورغم العدوان المتواصل على غزة، "صمدت" هذه الاتفاقيات ولم تُقطع العلاقات.
وذكرت أن "السعودية كان من المفترض أن تدخل حظيرة التطبيع، لكن العملية تجمدت في أعقاب أحداث غزة، وقد تعود عندما لا يكون هناك وجود لحركة حماس في المنطقة".
وزعمت الصحيفة العبرية أن السعودية ودول الخليج تعد العلاقات مع إسرائيل "مهمة لها لأسباب اقتصادية وأمنية، ومن المرجح أن تتغلب هذه المصالح على الدعوات إلى قطع العلاقات".
وفي سبتمبر/أيلول 2023، وقبل "طوفان الأقصى"، قال ابن سلمان، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، إن تطبيع السعودية مع إسرائيل "يقترب كل يوم أكثر فأكثر".
وبالتزامن، أكد نتنياهو، من منبر الأمم المتحدة، أن بلاده على "عتبة" إقامة علاقات مع المملكة الخليجية".
وفي أكتوبر 2023، قال بايدن إن "جزءا من أهداف هجوم حماس على إسرائيل كان لإحباط جهود إسرائيل لتطبيع العلاقات مع السعودية".
اللمسات الأخيرة
كان من الواضح أن اختتام اللقاءات مع ابن سلمان، بلقاء بلينكن مقصودا، لوضع اللمسات الأخيرة، والخروج باتفاق واضح سواء فيما يتعلق باستئناف التطبيع مع إسرائيل أو مستقبل غزة أو ضرب مليشيا الحوثيين في اليمن حال تقرر ذلك.
وتحدثت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن "دور سعودي مهم"، و"خطة أميركية" بالشرق الأوسط لمرحلة ما بعد وقف العدوان على غزة، لكن ربطت هذا الدور بالتطبيع السعودي الإسرائيلي.
وأشارت المجلة في عددها الصادر في 8 يناير، إلى سعي الإدارة الأميركية لوضع خطة تؤسس لتسوية مستدامة في الشرق الأوسط بعد العدوان، تلعب السعودية "دورا مهما" فيها.
وفقا لـ"فورين بوليسي"، يريد بايدن من الرياض أن تستأنف المحادثات بشأن الاعتراف بالكيان، مقابل "ضبط النفس الإسرائيلي" في غزة والضفة الغربية، والتعهد باستيعاب المصالح الفلسطينية، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، أو على الأقل درجة ما من السيادة.
ونقلت عن نمرود نوفيك، المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، شيمون بيريز، إن "ابن سلمان يبدو حاليا ضمن تحالف عربي واسع متحد في شروطه، إن لم يكن يقوده، للمساهمة في إستراتيجية اليوم التالي التي تنتهجها واشنطن".
لكن "فورين بوليسي"، أوضحت أن كل تلك الجهود "لا تزال في مرحلة البداية"، ولن يتم المضي قدما خلال أي وقت قريب في ظل الشروط العربية و"المقاومة المستمرة من قبل حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة، لأي شيء يشبه الدولة الفلسطينية".
وقالت إن "نتنياهو المحاصر سياسيا يرى أن معارضته لخطط بايدن هي المفتاح لإبقاء نفسه في منصبه، وربما خارج السجن، وأنه من الصعب أن يتراجع ويقبل دولة فلسطينية وهو الذي كان يقول لأعضاء حزب الليكود إنه وحده القادر على منع إنشاء دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية (بعد وقف العدوان)".
لكن بايدن، بالمقابل، يريد في عام انتخابي يعاني فيه من انخفاض معدلات تأييده، وإدارته تتعرض لانتقادات شديدة داخل الحزب الديمقراطي، لدعمهما الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل، أن يضغط بقوة على نتنياهو لتحقيق أي إنجاز.
لهذا قالت وكالة "رويترز" البريطانية إن "بلينكن حاول الضغط على حكومة نتنياهو بشأن مستقبل قطاع غزة، بناء على ما سمعه في مختلف العواصم العربية خلال جولته الشرق أوسطية".
وألمحت إلى أن "بلينكن حاول إغراء الإسرائيليين بأن إنهاء النزاع في غزة وإيجاد مسار عملي لقيام دولة فلسطين، سيكون مرتبطا بمسألة التطبيع السعودي، وربما العربي الأوسع مع إسرائيل".
وقبل صعوده الطائرة من السعودية والتوجه إلى إسرائيل، قال بلينكن إنه "فيما يتعلق بالتطبيع هناك اهتمام واضح في السعودية، ولكن الأمر سيتطلب إنهاء النزاع في غزة، وإيجاد مسار عملي لقيام دولة فلسطين".
الدور السعودي
وعقب لقائه ابن سلمان وتوجهه إلى تل أبيب، قال بلينكن، إن "أربع دول عربية رئيسة، إضافة إلى تركيا اتفقت على البدء في التخطيط لإعادة إعمار غزة وإدارتها" بمجرد انتهاء العدوان، وفق وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 9 يناير.
وحرص على التأكيد على اسم "السعودية" كأول هذه الدول العربية الأربع، ثم الأردن وقطر والإمارات وتركيا، ما يعني أنه اتفق مع ابن سلمان على دور أكبر للسعودية في "إدارة وإعمار" غزة.
وقال الوزير الأميركي إن هذه الدول وظيفتها "رسم مسار سياسي"، دون أن يكلف نفسه السؤال: كيف سيفعلون ذلك بينما حماس لا تزال تسيطر على غزة؟ وهل يعني ذلك، خاصة مشاركة قطر وتركيا، أن طرح أسماء هذه الدول أمر شكلي لتبرير استمرار حماس، والخروج من مأزق تعهد الاحتلال بـ"غزة بلا حماس"؟!
لكن بلينكن لم يذكر على حسابه عبر "إكس" أنه بحث أمر إدارة غزة واكتفى بذكر "تلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة بشكل عاجل ومنع المزيد من انتشار الصراع"، ربما في إشارة للحوثيين وحزب الله.
ووصف المحلل السياسي الإسرائيلي، تسفي برئيل، في تحليل بصحيفة "هآرتس" العبرية في 8 يناير، زيارة بلينكن لدول الشرق الأوسط، وبينها السعودية، بأنها "لتنظيف الفوضى التي أحدثتها إسرائيل للولايات المتحدة بالمنطقة".
وأشار إلى أن "القادة العرب أبلغوا بلينكن أنه لا يكفي أن يكون دوره هو إطفاء الحرائق المشتعلة في جنوب لبنان والبحر الأحمر لعدم توسيع الحرب دون التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، لأن إسرائيل تستغل ذلك في عدم تحديد أهدافها".
ولفت برئيل إلى أن "بلينكن ربما سمع أن منح الولايات المتحدة، إسرائيل موافقة دائمة على إدارة حالة (العدوان) الدائم يزيد التهديدات، ويفرض ثمنا اقتصاديا باهظا".
والأهم، كما قال، أن استمرار إبادة غزة "يثير خوف أنظمة عربية من اندلاع ثورات شعبية يمكن أن تُزعزع استقرار أنظمتهم".
ويبدو أن "هناك محاولات أميركية لإخراج إسرائيل من مستنقع غزة بطرق احتيالية تُظهر الأمر على أنه انتصار سياسي أو دبلوماسي بعد فشل الانتصار العسكري على المقاومة".
وربما أغرى بلينكن النظام السعودي بدور "المخلص" أو "المنقذ" لغزة، بالتطبيع، وهو دور يتصور الأميركيون أنه ربما يُهمش دور "محور المقاومة" الذي دعم غزة أيضا.
المصدر: القدس العربي