المسلمون أهم من إسرائيل.. صحيفة عبرية تهاجم رؤية روسيا للنظام العالمي الجديد
طوال سنوات حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ترسخت فكرة الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، حتى تطورت إلى مبدأ يسترشد به التصور الروسي للنظام العالمي، كما تعكسه وثائق تصور السياسة الخارجية الروسية.
Table of Contents (Show / Hide)
وبحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن الانشغال بنظام عالمي متعدد الأقطاب ازداد بشكل أقوى مع الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
ومع ذلك، فإن الفحص الدقيق للخطاب الروسي الرسمي يكشف -حسب المعهد- أن مفهوم النظام العالمي متعدد الأقطاب غامض وجزئي وغير متسق، وبه ثغرات وتناقضات داخلية.
ورغم هذه الصعوبات، يحدد لنا هذا التقرير الخطوط العامة لهذا المفهوم الذي يوجه السياسة الخارجية الروسية تجاه إسرائيل ويحدد مركزية العالم العربي الإسلامي في الصراع الروسي ضد الغرب من أجل إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب.
فكرة قديمة
يستهل المعهد تقريره بالقول: "في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام العالمي ثنائي القطب بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وجدت النخبة الروسية نفسها في عالم أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة".
"بعد ذلك، في منتصف التسعينيات، ركزت روسيا على الانتقال من نظام عالمي أحادي القطب إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب"، وفق ما ورد عن المعهد الإسرائيلي.
ويعتقد المعهد أن هذا التوجه "ساعد في تصوير تدهور مكانة روسيا في النظام العالمي كجزء من اتجاه عالمي واسع، وليس نتيجة لضعفها الداخلي".
وبتتبع خروج مصطلح "عالم متعدد الأقطاب" تاريخيا، يقول معهد الأمن إن "أندريه كوزيريف، أول وزير خارجية لروسيا (1990-1996)، استخدم مصطلح "عالم متعدد الأقطاب" عدة مرات وجادل بأن النظام العالمي المستقبلي لن يكون ثنائي القطب ولن تقوده الولايات المتحدة".
وفي الوقت نفسه، دعا كوزيريف إلى التقارب مع الغرب، حيث لم يكن الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب خلال فترة وجوده جزءا من الأجندة التي روجت لها النخبة الروسية.
يفغيني بريماكوف، الذي كان صاحب وجهة نظر محافظة ولم يتحرر تماما من المفاهيم السوفيتية، حل محل كوزيريف في يناير/ كانون الثاني 1996 كوزير للخارجية، بعد أن شغل منصب رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية.
وبعد ذلك، وفق ما ذكره المعهد، فقد نشر يفغيني بريماكوف مذهبه في عام 1996.
زاعما -خلافا لسلفه في المنصب- أن "أحد الاتجاهات الرئيسة للنظام الدولي يتلخص في الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، وأن روسيا تلعب دورا حاسما في هذا النظام العالمي".
وهنا يلفت المعهد إلى أن بريماكوف "سعى إلى تعزيز علاقات روسيا مع الدول غير الغربية على حساب تنمية علاقاتها مع الغرب، وعمل على تعزيز سيطرة روسيا على دول الاتحاد السوفيتي السابقة".
وبالفعل، في عام 1997، تمكن بريماكوف من الحصول على إعلان صيني روسي مشترك حول موضوع عالم متعدد الأقطاب وإنشاء نظام عالمي جديد.
وفي عام 1998، بعد تعيينه في منصب رئيس الوزراء، اقترح إنشاء آلية تعاون ثلاثية بين روسيا والصين والهند كخطوة عملية لإضفاء الطابع المؤسسي على التعددية القطبية العالمية، وفق المعهد.
ومع وصول بوتين إلى منصب رئيس روسيا في عام 2000، أصبح التطلع إلى إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب أحد الركائز الأساسية لمفهوم السياسة الخارجية الروسية.
وبشأن التحولات في العلاقة بين روسيا والغرب، يقول المعهد الإسرائيلي: "لقد أدت هذه التحولات إلى تغيرات في تصور الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب".
فقد تزايد التوتر في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تدريجيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد أحداث مهمة ألقت بظلالها على العلاقات.
ويضيف المعهد أن هذه الأحداث تتمثل في انسحاب الولايات المتحدة عام 2002 من معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية والغزو الأميركي للعراق في عام 2002.
بالإضافة إلى الشكوك الروسية بشأن تورط الولايات المتحدة في الثورات الملونة في جورجيا عام 2003 وفي أوكرانيا عام 2004 وتوسع حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وتحت تأثير هذه الأحداث، يذهب المعهد إلى أن "التغيير في موقف روسيا تجاه الولايات المتحدة بدأ يتشكل في الفترة بين عامي 2005 و2006"، عادّة إياها "دولة غير صديقة".
وفي رأي المعهد، يُعد الدليل القاطع على تفاقم هذا الموقف ومعاملته للولايات المتحدة كقطب معادٍ هو "خطاب بوتين الشهير في مؤتمر ميونيخ للسياسة الأمنية في فبراير/ شباط 2007".
حيث أشار بوتين إلى الولايات المتحدة بوصفها "دولة معادية" ووصفها بأنها "تقود نظاما عالميا أحادي القطب ينتج الصراعات والحروب ويعزز سباق التسلح النووي".
ومنذ ذلك الوقت، اشتدت حدة الخطاب الروسي تجاه الولايات المتحدة والغرب، والذي عُبر عنه من خلال التركيز بشكل بارز على الرغبة في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، تلعب فيه روسيا دورا حاسما.
الأقطاب كما تراها روسيا
بتحليل الخطاب الروسي في العقود الأخيرة، يسلط المعهد الإسرائيلي الضوء على عدة أقطاب مذكورة في هذا الخطاب؛ مثل القطب الأوراسي بقيادة روسيا والقطب الغربي وقطب شرق آسيا بقيادة الصين والقطب الإسلامي والقطب العربي والقطب الإفريقي.
ويعرف المعهد القطب الأوراسي بقيادة روسيا بأنه "قطب أساسي في النظام العالمي الجديد، وهو الذي يوحد الفضاء الأوراسي بأكمله تحت قيادة روسيا".
ومن المرجح أن "يكون الطموح الروسي هو قيادة دول الاتحاد السوفيتي السابق، حيث سيضم هذا القطب على الأقل بيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وطاجيكستان وقرغيزستان، وهي أعضاء، إلى جانب روسيا، في منظمة معاهدة الأمن الجماعي".
وفي هذا السياق، يلاحظ المعهد أنه "لا توجد إشارات صريحة إلى مكانة أوكرانيا في النظام العالمي الجديد".
لكن في المقابل، يقول المعهد إن "حرب روسيا ضدها يمكن أن تشير إلى كونها جزءا من مجال النفوذ الروسي من وجهة نظر روسيا، وبالتالي يمكن النظر إلى الحرب على أنها محاولة من موسكو لإعادة أوكرانيا إلى "مكانها الطبيعي" تحت حماية روسيا؛ أي جزء من القطب الأوراسي الذي تقوده".
أما بشأن القطب الغربي أو الأنجلوسكسوني، يشير المعهد الإسرائيلي إلى أن "استخدام مصطلح "الدول الأنجلوسكسونية" يؤثر على الموقف من القطب الذي تقوده الولايات المتحدة".
جدير بالذكر أن الأنجلوسكسونيين هم مجموعة ثقافية عاشت في إنجلترا منذ القرن الخامس الميلادي بعد هجرتهم من أوروبا القارية.
وفي هذا الإطار، يلفت المعهد إلى عدم وجود إجابة قاطعة على سؤال "ما إذا كانت الولايات المتحدة هي زعيمة المعسكر الغربي بأكمله أم أنها ستقف على رأس الدول الأنجلوسكسونية فقط، وستكون أوروبا قطبا منفصلا في حد ذاتها؟".
وبالنسبة لقطب شرق آسيا بقيادة الصين، يذهب المعهد إلى أن "تكوين القطب الصيني يكتنفه الضباب أيضا".
ويوضح أنه "لا توجد إشارة في المفهوم الروسي إلى مسألة ما إذا كان هذا قطبا سيشمل الصين فقط، أو ما إذا كانت دول جنوب شرق آسيا ستكون جزءا منه كذلك".
ويتحدث المعهد الأمني بعد ذلك عن القطب الإسلامي أو القطب العربي قائلا إن "هذا القطب له أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا، خاصة بعد غزو أوكرانيا".
وبهذا الشأن، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مارس/ آذار 2023، إننا "ندعو مع أصدقائنا من الدول الإسلامية إلى إنشاء نظام عالمي أكثر ديمقراطية وعدالة ومتعدد الأقطاب، على أساس مبادئ الأمم المتحدة".
وينوه المعهد أنه في الخطاب الروسي، كان مصطلح القطب العربي سائدا في الماضي، لكن في السنوات الأخيرة أصبح مصطلح القطب الإسلامي هو الأكثر شيوعا.
ولهذا الاختلاف تأثير حاسم على تركيبة القطب وطبيعته، لأن القطب العربي لن يضم إيران وتركيا وغيرهما من الدول الإسلامية غير العربية.
وفيما يخص القطب الإفريقي، تجدر الإشارة إلى أن "وجود القطب الإفريقي في المفهوم الروسي يكاد يكون معدوما".
ومع ذلك، زعم بوتين، في مقال نشره قبل الاجتماع الروسي الإفريقي عام 2023، أن "إفريقيا ستكون جزءا مهما من خلق النظام العالمي الجديد، وبالتالي ستحرر نفسها من إرث الاستعمار الجديد".
مكانة إسرائيل
منذ فبراير/ شباط 2022، وغزو أوكرانيا يشكل نقطة تحول دراماتيكية في روسيا، ويؤثر أيضا على تصميم سياستها الخارجية، حيث يُنظر الآن إلى النظام الدولي حصرا من خلال منظور الحرب، وفق المعهد الأمني الإسرائيلي.
وحتى قبل بدء الحرب، يشير المعهد الإسرائيلي إلى أن الحكومة الروسية زعمت أن "الولايات المتحدة كانت تخلق الفوضى في الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على النظام العالمي أحادي القطب".
وبعد غزو أوكرانيا، ترددت هذه الادعاءات بشكل متكرر للغاية، وقُدمت الحرب في أوكرانيا كجزء من بداية مرحلة جديدة في الصراع من أجل نظام عالمي متعدد الأقطاب، يتميز بـ "الصراع المفتوح وعصر طويل من النزاع".
وكما ذكر المعهد، وفقا لوجهة النظر الروسية، فإن "الولايات المتحدة تحرض على الصراعات في أماكن إستراتيجية للحفاظ على هيمنتها والنظام العالمي الأحادي القطب، مثل الصراع بين الصين وتايوان أو الثورات الملونة".
كما ادعى بوتين أن الحرب بين إسرائيل وحماس هي أيضا جزء من هذا النهج، قائلا إنه "يجب أن نفهم من يقف حقا وراء مأساة الشعوب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، ومن ينتج هذه الفوضى القاتلة، ومن الرابح منها".
وبشأن التصور الروسي لإسرائيل كمحمية وذراع تنفيذية للولايات المتحدة، يصف المعهد الحرب بين إسرائيل وحماس كـ "جزء من الصراع ضد الولايات المتحدة من أجل النظام العالمي، والذي يشكل إلى حد كبير السياسة الروسية تجاه إسرائيل بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
وفي هذا السياق، يقول المعهد إن "تفاقم سياسة موسكو تجاه إسرائيل بعد غزو أوكرانيا يعبر عن تصعيد في السياسة تجاهها، وذلك في إطار محاولة تحقيق الهيمنة على النظام الإقليمي وتوثيق العلاقات مع الدول الإسلامية بعد الحرب، وخاصة مع إيران".
ويرى أن هذا النهج "يتيح لروسيا نطاقا واسعا من العمل، مع الاستفادة من الفرص المتاحة في المنطقة لتعزيز المصالح الروسية في إطار تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب".
وأردف: "وبينما توضع إسرائيل في الخطاب الروسي في المعسكر الغربي المعادي لروسيا، فإن أعداء إسرائيل، ومن بينهم إيران، يوضعون في القطب الإسلامي الذي يُقدم في الخطاب الروسي كقطب صديق يقاتل معها ضد النظام العالمي".
وتابع: "وعلى الرغم من أن هناك جهات فاعلة في العالم العربي والإسلامي عملت وتعمل ضد المصالح الروسية، إلا أن وجهة النظر الروسية لا يمكنها الفصل بين تعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة لاحتياجات الحرب، وتصور العالم الإسلامي كقطب مشارك في الصراع من أجل العالم الجديد".
وفي نهاية التقرير، يلخص المعهد المنظور الروسي، الذي يقتضي أن "الولايات المتحدة ودول المعسكر الغربي تزرع الدمار والفوضى حول العالم من أجل الحفاظ على هيمنتها والحيلولة دون قيام نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب".
ووفقا للتوجه الروسي، فإن "إسرائيل جزء من القطب المعادي الذي يجب محاربته، في حين أن أعداء إسرائيل -إيران وسوريا وحماس وغيرهم- يُوضعون في المعسكر الصديق لروسيا".
ولذلك، يعتقد المعهد الأمني أن "إسرائيل يجب عليها أن تستوعب تصور النظام العالمي في موسكو وأن تحدد سياستها تجاه روسيا وفقا لذلك".
ولأن روسيا لاعب مهم على الساحة الدولية، يحذر المعهد إسرائيل من احتمالية استمرار تدهور العلاقات مع روسيا، لا سيما في ظل التعزيز الملحوظ للعلاقات بين روسيا وإيران بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
المصدر: الاستقلال