وعلقت قائلة إن مقتل 1,200 إسرائيلي وأسر 232 آخرين أدى لوقوف العالم “عملياً” مع إسرائيل، ودعم كل الإسرائيليين “عملياً” لحكومة نتنياهو، بل ودعا الأخيرُ منافسَه بيني غانتس للانضمام إلى حكومة الحرب.
وقالت إن الشعب وحّده الحزن للدفاع عن نفسه ضد ما وصفتْه بـ “أسوأ جريمة معاداة للسامية منذ الحرب العالمية الثانية!”، وكرجل مثير للانقسام فقد حصل على دعم في الداخل لجلب الأسرى وتحييد “حماس”.
ولم يعد هذا هو الحال، فالتظاهرات الحاشدة في إسرائيل، والتي شارك فيها آلالاف الإسرائيليين الداعين لعزل نتنياهو من منصب رئيس الوزراء تكشف عن مدى المعارضة له ولحربه القاسية في غزة.
وتعكس استطلاعات الرأي في إسرائيل اليأس الذي عبر عنه المتظاهرون من طريقة إدارة الحرب. ورئيس الوزراء لا يحظى بشعبية. وقتل أكثر من 32,000 فلسطيني، وجرح 74,000، عدد ضخم منهم أطفال ونساء، حسب وزارة الصحة في غزة.
كما أدى النزاع للإضرار بالاستقرار الإقليمي وأمن إسرائيل وعزلها دولياً. وأكثر من هذا، بحسب وجهة نظر المتظاهرين، وهم عائلات الأسرى الذين لا يزالون في غزة، ومات الكثيرون منهم، وقتل بعضهم بنيران نفس القوات التي أرسلت لإنقاذهم. وهو وضع لا يمكن التسامح معه، ولا يبدو أن نتنياهو يستطيع حلّه. وعلى الرغم من تجويع المدنيين الفلسطينيين، والأطفال الذين يتَّمتْهم الحرب، والمستشفيات التي تحولت إلى أنقاض متفحمة والعوز وعشرات الآلاف الذين ماتوا، إلا أن نتنياهو يخسر الحرب. ولم يقتل من قادة “حماس” سوى العدد القليل، وخلق جيل جديد من الفلسطينيين المظلومين في غزة، ولديه استعداد للقيام بجولة جديدة من القتال. واستطاع نتنياهو تنفير أهم وأقوى حليف لإسرائيل، وهي الولايات المتحدة.
ومن العدل القول إن الغضب على الحكومة الإسرائيلية في الغرب والعالم الإسلامي ليس مسبوقاً. والهزيمة الصادمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات البلدية نابعة من عدم الرضا عن سياسته تجاه إسرائيل.
وعندما يصبح رئيس الولايات المتحدة ورئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتحدثان إلا قليلاً، فقد حان الوقت لكي يفهم سكان إسرائيل الضرر الذي تسبب به نتنياهو على بلدهم. وهناك عدد كبير من قادة الغرب يناقشون الحد من الدعم لإسرائيل لكي يشعروا بالراحة.
وقالت الصحيفة إن نتنياهو لو ترك وصية لخليفته لو حصل الأسوأ له (إثر إجرائه لعملية جراحية تطلبت تخديراً كاملاً)، فهي مواصلة الحملة على رفح.
ونتنياهو العنيد دائماً، لا يضع نفسه في مواجهة حماس فقط، ولكن ضد المدنيين الأبرياء في غزة والرأي العام الغربي، والآن مواطنيه.
ولن تصدق “حماس” نفسها، وأنها، وبعد ستة أشهر من الهجمات، أوقعت نتنياهو في فخها، وهي لا تهتم، على حدّ زعم الصحيفة، برفاه شعبها كنتنياهو، وهذه مأساة فلسطينية أخرى.
إلا أن نتنياهو غير قادر، على ما يبدو، على فهم الحقيقة الأساسية، وحقيقة أنها لن تستسلم له مهما مات من الفلسطينيين. و”حماس” مهتمة بعدم الاستقرار وخلق التشوش خدمة لمصالحها. ونجحت “للأسف” في هذا، ولديها حلفاء جدد في اليمن، عصابات الحوثيين التي أجبرت الملاحة البحرية على حرف طرقها عن قناة السويس. وخربت “حماس” الجهود الدبلوماسية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها من المغرب إلى الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت الحالي أصبحت اتفاقيات أبراهام ميتة، وتلاشى حلم نتنياهو بكتلة إقليمية اقتصادية معها.
وتشعر أمريكا بالقلق من عودة النفوذ الإيراني والنشاطات الإرهابية التي تدعمها في المنطقة، وكذا علاقتها القريبة مع روسيا. وتناقش الدول الغربية طرقاً لدفع إسرائيل نحو وقف إطلاق النار ويكون في مصلحتها، حتى لو قدموا تنازلات لـ “حماس” وديمومتها. وتزعم الصحيفة أن “حماس” لا تريد توقف الحرب التي تخدم مصالحها الجيوسياسية. ومرة أخرى يسهل نتنياهو على الجماعة المتشددة رفض شروطه.
وترفض أمريكا الآن استخدام الفيتو بشكل أوتوماتيكي لحماية حليف ترى أنه خرج عن السيطرة. وعلى إسرائيل، ولأول مرة، الإجابة على اتهامات الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية. وانتفض الإسرائيليون الآن ضد حكومتهم.
وترى الصحيفة أن حقيقة عدم انتشار النزاع إلى الضفة الغربية ولبنان تنقذ نتنياهو وشعبه من توسع خطير للحرب.
ومن الناحية التكتيكية يقود نتنياهو شعبه نحو طريق دموي مسدود. والمشكلة العميقة هي أنه ليست لديه رؤية لتشكيل إطار تعايش سلمي مع الفلسطينيين، وهو يرفض حل الدولتين. ولا توجد إجابات سهلة للنزاعات في الشرق الأوسط. لكن عدم اهتمام نتنياهو بالحل غير عادي، ولهذا يجب ألا يقود إسرائيل.