هيئة حماية المبلّغين: لحماية “عملاء الدولة” والتحريض على التجسس
في خطوة تحريضية جديدة أعلنت السلطات السعودية على الملأ حمايتها للجواسيس والواشين، ذلك تحت مسمّيات من قبيل “المبلغين والشهود والخبراء والضحايا” تؤمن من خلال ذلك غطاءً وحماية لجواسيسها ومخبريها الذين يتعاونون مع جهاز أمن الدولة لتشرعن عبره عمل هؤلاء، فتحوّل المهمة من جهات وهيئات تابعة رسميّا للدولة إلى مواطنين عاديين لا يمكن التعرّف عليهم.
Table of Contents (Show / Hide)
فأعلنت ما تُسمّى بـ”هيئة الرقابة ومكافحة الفساد” عن إنشاء مركز “برنامج حماية المبلّغين والشهود والخبراء والضحايا” في السعودية، زاعمة أنه يهدف إلى “توفير الحماية لأولئك الأشخاص، ومنع تعرضهم لأي خطر أو ضرر قد ينالهم”.
هكذا خبر كان ليمرّ مرور الكرام لو أنه أُقرّ في أي بلد له قوانينه الواضحة والمنصفة ومحاكمه المستقلة التي تطلق أحكامها وفقاً للعدل والمنطق والقانون البيّن الصريح، وأما في ظل حكم شبّيحي القوانين فكلّ هذا يسقط.
ففي معرض تعريفها للمُستهدفين من عمل الهيئة، تصف “الرقابة ومكافحة الفساد” المبلّغ بأنه “مَن يُدلي طواعية بمعلومة أو يقدّم أيَّ إثباتٍ يبعث على الاعتقاد بارتكاب أو احتمال ارتكاب جريمة من الجرائم المشمولة بأحكام النظام، أو كشفَ عن مرتكبيها”، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام من سيتم التعامل معهم كمرتكبي جرائم، في وقت بات فيه عدم إبداء الإعجاب بـ”وليّ العهد” يُعدّ جرماً.
وضع المواطنين في مواجهة بعضهم
هذا الجديد يُعيد إلى الأذهان أساليب تجسس ومراقبة كانت قائمة لعقود، كـ “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، فإلى جانب ما كانت تشكّله من “عين السلطات” على الأرض كانت تشارك، بالتنسيق مع هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في حجب بعض المواقع الإلكترونية كجزء من سياسة أوسع لرقابة المحتوى عبر الإنترنت.
وسبق أن خطت السعودية خطوة مشابهة عبر وضع المواطنين في مواجهة بعضهم، حين حثّت المواطنين والمقيمين فيها على الإبلاغ عن أي أنشطة تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام تطبيق على الهواتف المحمولة وذلك في إطار حملة واضحة على معارضيها المحتملين قبل “مظاهرات دعت لها رموز معارضة تعيش في المنفى”.
ولكن من يحمي المبلّغين عن فساد الحكم والحكّام والإدارات الرسمية؟ وهل يجرؤ أحد على الإبلاغ بأكثر من انتقاد طال “الملك” هنا وتشكيك في “رؤيا” 2030 هناك؟ ل
ا يمكن لعين أي عاقل أن تنظر لهذه الهيئة أقل من أنها كيان مشرعن قائم بذاته لاستجلاب “عملاء” داخليين فعليين يمكن أن يتحوّلوا إلى أعين وآذان السلطات في الشوارع والمقاهي وربما المنازل، لتصبح البلاد أقرب إلى نظام “صدّامي” أكثر فأكثر.
بالأسلحة السيبرانية: حكم قائم على القمع والتجسس
وفقًا لبيانات الشركات الصادرة عن ويكيليكس، فقد طلبت المخابرات السعودية أدوات من شركة “Hacking Team” الإيطالية في عام 2013 يمكنها اختراق أجهزة آيفون وآيباد، وفي عام 2015 سعت إلى وصول مماثل إلى هواتف أندرويد.
نقلاً عن هيومن رايتس ووتش، حدد باحثون أمنيون مستقلون، في تقرير بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2014، برنامج مراقبة صنعه “فريق القرصنة” يبدو أنه يهدف إلى استهداف أفراد في القطيف، مدينة الاحتجاجات المستمرة ضد السياسات الحكومية المختلفة منذ عام 2011.
إلى ذلك سبق أن اكتشف باحثون أمنيون في Citizen Lab في تورونتو نسخة ضارة ومعدلة من تطبيق “القطيف اليوم” لنظام أندرويد، والذي يوفر الوصول عبر الهاتف المحمول إلى الأخبار والمعلومات حول مدينة القطيف. وإذا تم تثبيت هذا التطبيق المعدل على الهاتف، فإنه يصيبه ببرامج تجسس تم إنشاؤها عن طريق القرصنة، وفقا للتقرير نفسه.
علاوة على ذلك، تتيح البرامج الضارة للسلطات عرض رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية والملفات من تطبيقات مثل Facebook أو Viber أو Skype أو WhatsApp وجهات الاتصال وسجل المكالمات على الهاتف. كما يسمح للسلطات المسؤولة عن برامج التجسس بتشغيل كاميرا الهاتف أو الميكروفون دون أن يلاحظ المالك ذلك، مما يسمح لهم بالتقاط الصور أو تسجيل المحادثات.
وفي حزيران/يونيو 2021، كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أنّ شركة “كوا دريم” تُقدم خدمات سايبر هجومية للنظام السعودي، وهي واحدة من شركات السايبر الهجومية الإسرائيلية التي تعاقد معها النظام السعودي.
وتابعت الصحيفة، أن “كوا ريم” زوّدت خدماتها للحكومة السعودية منذ العام 2019، “وتكنولوجيتها معروفة لجهات أمنية تعتبر موالية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان”.
وفي تموز/يوليو 2021، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أنّ وزارة الأمن الإسرائيلية، أصدرت تصاريح تصدير رسمية لأربع شركات تعمل في مجال البرمجة والهايتك الإسرائيلية، من بينها شركة “كوا دريم” لبيع برمجياتها الخاصة بالتجسس والقرصنة، للسلطات في السعودية.
وذكرت أنه “منذ العام 2017 دخل إلى السعودية العشرات من الإسرائيليين الضالعين في الشأن الاستخباراتي، ومعظمهم من وحدات سيبرانية”.
ولا يمكن في ظل الحديث عن تطور أساليب التجسس السعودية عدم التطرق إلى “ذا لاين” كأداة مستحدثة قائمة على جمع البيانات والمعلومات. ومنذ الإعلان عن كيفية عمل المدينة ظهرت صرخات دولية تنبّه من كون المدينة تُعدّ أسلوب تجسس ضخم. يكمن هذا بما يتطلبه الانتقال إلى هذه المدن من تقديم للبيانات الشخصية، وبما تدمجه في حياة الأفراد اليومية من أحدث التقنيات، سواء باستخدام أجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء، والمراقبة البيومترية، والذكاء الاصطناعي، لهدف أسياسي هو توسيع نطاق مراقبتها. وتعتمد “المدن الذكية” في جوهرها على جمع ومعالجة البيانات الشخصية على نطاق واسع، والتي يتم تنفيذها عادة دون علم الأفراد أو موافقتهم. ويتم إضافة كل معلومة جديدة عن الشخص إلى “هويته الرقمية”.
المصدر: مرآة الجزيرة