قيادات كبيرة تستعد للتنحي عن مناصبها، هذه أبرز الأسماء.. غزة “تُزلزل” قيادة الجيش الإسرائيلي
تستعد إسرائيل لموجة من الاستقالات في جيش الاحتلال بعد الإخفاق المدوّي للمؤسستين الأمنية والعسكرية في مواجهة “طوفان الأقصى”، وبدأت هذه الاستقالات مع الجنرال أهارون حاليفا، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، في انتظار استقالات أخرى ستعصف بكبار قادة الجيش.
Table of Contents (Show / Hide)
وتزامناً مع التحقيقات الإسرائيلية بشأن إخفاق السابع من أكتوبر، كشفت مصادر إسرائيلية لموقع “عربي بوست” أن كبار الضباط ممن هم في مركز صنع القرار فيما يتعلق بغزة يتلقون استشارات قانونية حول كيفية التعامل مع مستقبلهم العسكري: الإقالة أو الاستقالة.
كما يكشف هذا التقرير عن أبرز الأسماء التي ستطالها مقصلة الإقالة وأسماء قادمة ستتحمل مسؤولية كبيرة في قيادة جيش الاحتلال، وخاصة على مستوى الاستخبارات العسكرية التي تعرضت لانتقادات كثيرة عقب الفشل في توقع “طوفان الأقصى”.
أهمية استقالة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية
منذ الساعات الأولى لهجوم “طوفان الأقصى” كان واضحاً أن هناك سلسلة من الرؤوس الإسرائيلية الكبيرة سيتم الإطاحة بها، في ضوء الاتهامات الموجهة إليها بالتسبب في وقوع هذا الإخفاق المدوّي، وتركزت الاتهامات نحو قادة المؤسستين الأمنية والعسكرية، دون استثناء المستوى السياسي.
بينما أرجأ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة تقديم المتهمين بالتقصير والفشل لاستقالاتهم بزعم أن الدولة تخوض “حرباً وجودية”، وأن أي زعزعة بهيكلية الجيش سيكون لها تأثير سلبي على الجبهة الداخلية، ويبعث برسائل ضارّة تستفيد منها المقاومة الفلسطينية، لكن ذلك لم يمنع من إعلان مسؤولين كبار استقالاتهم دون انتظار نهاية الحرب.
وشهدت الأيام الأخيرة استقالة الجنرال أهارون حاليفا، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، المعروف اختصاراً باسم “أمان”، الذي يوصف بأنه “المقدّر القومي”، لأنه دأب على إصدار التقديرات الاستخبارية بصورة دورية.
وتؤخذ تقديراته دائماً بعين الاعتبار بوصفها واحدة من محددات القرار السياسي والعسكري في إسرائيل. وبجانبه أعلن قائد القيادة الوسطى في جيش الاحتلال المسؤول عن الضفة الغربية، يهودا فوكس، أنه ينوي التقاعد من الجيش.
حاليفا قدم خطاب استقالته لقائد جيش الاحتلال الإسرائيلي، اللفتنانت كولونيل هآرتسي هاليفي، ووجد الخطاب طريقه إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية التي اعتبرته بمثابة “قنبلة” ألقاها المسؤول العسكري.
وجاء في الاستقالة اعتراف بالفشل، وقال: “جهاز الاستخبارات تحت قيادته أخطأ بسبب وقوع هجوم حماس الذي أسفر عن تدهور الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، ولم يرق الجهاز إلى مستوى مهمته. إنني أحمل معي ذلك اليوم الأسود، يومًا بعد يوم، وليلة بعد ليلة، وسأحمل معي إلى الأبد آلام الحرب الرهيبة”.
فيما اعتبر كثير من الأوساط الإسرائيلية استقالة حاليفا أمراً ضرورياً بالنسبة للمجهود الحربي الجاري في غزة، لأن بقاءه، وسواه من القادة المسؤولين عن ذلك الفشل، سيكون له تأثير سيئ على القتال الدائر.
كما اعتبرت أن الوقت قد حان لإجراء تغيير كبير في المنظومة الاستخبارية والأمنية، لأنه لم يعد سرّاً أن استقالة حاليفا تقلب الساعة الرملية لرؤساء الأجهزة الأمنية، وتقرّب من استقالاتهم بصورة متدحرجة.
من سيخلف “حاليفا”؟
طرحت استقالة حاليفا وغيره من كبار المسؤولين علامة استفهام متزايدة أمام هاليفي الذي سيجد صعوبة في إعادة تجميع هيئة الأركان العامة، ثم الاستقالة من تلقاء نفسه.
في انتظار المزيد من الاستقالات في صفوف الجيش من المتوقع أن يتخلى ثمانية مسؤولين آخرين على الأقل في الجيش والجهاز الأمني عن المفاتيح بسبب مسؤوليتهم عما يصفها الإسرائيليون بـ”كارثة أكتوبر”.
وبعد استقالة حاليفا، سيُطلب من الجيش تعيين قائد جديد لجهاز الاستخبارات خلال الحرب، وتحدث وسائل إعلام عبرية عن مجموعة من الأسماء المرشحة لخلافته.
ومن بين المرشحين قائد لواء العمليات في هيئة الأركان العامة العميد شلومي بيندر، واللواء نيتسان ألون، الذي ينسق الجهود الاستخباراتية لإعادة المختطفين، واللواء ليئور كرملي رئيس هيئة تكنولوجيا المعلومات والسايبر، ورئيس قسم الاتصالات والدفاع السيبراني اللواء إيران نيف، دون تأكيد أن هاليفي هو من سيعين الرئيس التالي لـ”أمان”، نظرًا لمسؤوليته الشخصية عن الإغفال الذي أدى لهجوم أكتوبر.
الاستقالات في جيش الاحتلال الإسرائيلي
استقالة حاليفا لن تكون الأخيرة لجنرال كبير مُتسبب في إخفاق السابع من أكتوبر، رغم أنه أول عضو في هيئة الأركان العامة يعلن تقاعده المبكر، لكن هناك ضباطاً كباراً آخرين، بينهم قادة كبار على مستوى قادة الوحدات الميدانية أبلغوا رفاقهم بنيتهم الاستقالة.
فيما أبلغ مسؤولون كبار في الجيش المراسلين العسكريين أنه بعد عطلة عيد الفصح هذه الأيام، من المتوقع أن يعلن المزيد من كبار الضباط عن تقاعدهم مثل حاليفا، من أجل السماح بإجراء جولة جديدة من التعيينات في القيادة العامة للجيش.
الاستقالات في جيش الاحتلال ستشمل قائد فرقة غزة العميد آفي روزنفيلد، الذي وقع تحت إشرافه اجتياح مقاتلي حماس لمنطقة النقب الغربي، وبجانبه اللواء يارون فينكلمان، قائد القيادة الجنوبية المسؤولة بالفعل عن تفاصيل الحرب الجارية في غزة، ومعهما العميد عاميت ساعر، رئيس قسم الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان.
إلى جانب رئيس قسم الاستراتيجية الرائد إليعازر توليدانو، رئيس قسم العمليات الرائد عوديد بسيوك، قائد الوحدة 8200 من اللواء العاشر، ورئيس جهاز الأمن العام- الشاباك رونان بار، وقبلهم جميعاً سيكون نائب رئيس الأركان الجنرال أمير برعام، بعد أن كان يُنظر إليه كمرشح مهم ليحل محل رئيسه هاليفي بعد استقالته المتوقعة.
وتبقى التهمة الرئيسية التي تحيط بهؤلاء المرشحين للاستقالة أنهم جميعاً يتبنون نظرية “حماس المردوعة والضعيفة”، ويؤخذ عليهم أنهم لم يعدّوا خططًا لمناورة برية كاملة في أراضي قطاع غزة، وكانت خططهم التنفيذية التي أعدّوها محدودة.
وجاء هجوم السابع من أكتوبر ليكشف أن وجهة نظرهم قاصرة، بعد أن دأبوا على الإعلان أنه لا داعي لأن يصل الجيش لأماكن عميقة مثل مستشفى الشفاء وحي الرمال، أو غرب خان يونس أو مخيم النصيرات وسط القطاع.
الاستقالة أم انتظار الإقالة؟
فيما كشفت مصادر إسرائيلية لـ”عربي بوست” أن العشرات من كبار الضباط ممن هم في مركز صنع القرار فيما يتعلق بغزة يتلقون في هذه الآونة بالفعل استشارات قانونية حول كيفية التعامل مع مستقبلهم العسكري: الإقالة أو الاستقالة.
وذكرت التقارير المحلية أن هناك إجماعاً شبه كامل في أوساط الجمهور الإسرائيلي على تحميل المسؤولية للجيش والجهاز الأمني عن كارثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتعتقد نسبة 63% من الإسرائيليين أن الوقت قد حان لاستقالتهم.
وتعكس استقالة حاليفا، والاستقالات في جيش الاحتلال في قادم الأيام، شعوراً شديداً بالذنب في قمة قيادة جيش الاحتلال.
مع العلم أن الإسرائيليين لديهم عرف تراثي وثقافة مفادها أن الضابط أو السياسي الذي يقع تحت مسؤوليته خطأ بهذا الحجم الذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول، لابدَّ أن يدفع ثمنه الشخصي، لأنه مذنب أيضاً.
وهذا يستدعي منه الاستقالة خشية أن يتصرف لاحقاً انطلاقاً من اعتبارات دخيلة، في محاولة منه لتبرئة اسمه، أو إصلاح الفساد الذي تسبب به، أو إثبات أنه غير مذنب، وهذه وصفة لاتخاذ قرارات خاطئة، كما يقوم بذلك اليوم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة شخصياً.
وقد وصلت أصداء استقالة حاليفا إلى الحلبة السياسية، حيث زعم وزير المالية اليميني بيتسلئيل سموتريتش أنه “من الجيد أن رئيس “أمان” استقال، لكن لا يمكن أن يكون هاليفي مؤهلاً لإيجاد بديل له، لأننا بحاجة لقيادة جديدة في الجيش، ولا يجب أن يكون رئيس الأركان من يعين البدلاء الذين سيكونون على شاكلته وصورته”.
أما شريكه في الائتلاف ماتان كهانا فأكد أن “التغيير الحقيقي والتصحيح لن يكون إلا بعد أن يتحمل المستوى السياسي الفاشل المسؤولية، ويستقيل، من الجيد استقالة حاليفا، هذه فرصة للتغيير الحقيقي والتصحيح في هيكل القيادة العليا في الجيش، هناك حاجة لقيادة جديدة من بين القادة الذين أثبتوا أنفسهم تحت النار من أجل إنشاء جيش كبير وهجومي ومميت”.
تأجيل الحساب لما بعد “الانتصار”
رغم أن استقالة قادة الجيش والاستخبارات المسؤولين عن إخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعتبر مطلباً إسرائيلياً واسع النطاق، لكن هناك من يرى أن تحمُّل المسؤولية لا يعني الإقالة الفورية، أو الوقوف أمام لجنة تحقيق، وليس إلقاء خطابات عاطفية حول “المسؤولية الشخصية”، ولا تقتصر على “عودته للمنزل”، لأن كل هذا مؤجل لليوم التالي للحرب.
لكن طالما أن الدولة تعيش في حالة الطوارئ، فإن مسؤولية القيادة أولاً وقبل كل شيء تحقيق الانتصار في ساحة المعركة، وهي غزة اليوم، مستعينين بما حصل في تجارب تاريخية سابقة.
ويرى أصحاب هذا التوجه أن مسؤولية القائد، في هذه المرحلة، ليست موجهة للماضي وأخطائه فحسب، بل إلى المستقبل بشكل رئيسي، لأن التاريخ مليء بأمثلة القادة السياسيين الذين فشلوا، وتحملوا مسؤولية الفشل، ثم تمكنوا من قلب الدفّة في ساحة المعركة في اليوم التالي للفشل.
وتعتقد المحافل الإسرائيلية أن استقالة حاليفا، ومن سيأتي بعده في الأيام والأسابيع القادمة تستدعي إجراء تغيير تنظيمي واسع في المنظومة الأمنية والعسكرية، ويفرض عليها تحديات غير مسبوقة ستكون مضطرة لأن تواجهها.
لأن تحسين المنظومة تتطلب بالدرجة الأولى إخلاء المكان من جميع المخطئين في فهم توجهات عمل وأفكار حركة حماس وقدراتها.
فقد أدى هذا التوجه إلى الفشل الكبير في ذلك اليوم المشهود، ممن كانوا واثقين من أنفسهم لدرجة أنه لم يخطر ببالهم أن يقع شيء من هذا القبيل، مما يتطلب الحاجة لإجراء تحقيق مكثف للغاية يسفر في النهاية عن جملة إقالات واستقالات واسعة النطاق.
لا بدَّ من دفع الثمن
في الوقت الذي تشهد فيه المؤسستان الأمنية والعسكرية زلزالاً شديداً على وقع الاستقالات السابقة واللاحقة، فإن رئيس الوزراء الذي يقود المؤسسة السياسية ما زال يرفض الاعتراف بأي مسؤولية عن إخفاق أكتوبر/تشرين الأول.
كما أن الانطباع السائد داخل إسرائيل هو أن الحكومة الفاشلة مسؤولة عن تقصير السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولا ينبغي أن تترك التعيينات الحساسة في يدي نتنياهو بعد الاستقالات الجارية، لأنه مطالب بأن يتحمل مسؤولية وعواقب فشله خلال فترة زمنية مناسبة.
فيما ثبت بالفعل أن نتنياهو يتصرف من منطلق اعتبارات حزبية وشخصية، وحرصه على بقائه في منصبه، حتى إن مصلحة الدولة لم تعد بالضرورة أمام عينيه، مما يضرّ بقوة الردع، ويترك آثاره السلبية على صورة الجيش في السنوات القادمة، بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت به في هجوم أكتوبر/تشرين الأول.
في المقابل، فإن هناك حججاً قوية لصالح التقاعد الفوري للمسؤولين عن الفشل على المستوى المهني: أولها استعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي، وهي مورد لا يقل أهمية عن الدبابات والطائرات المقاتلة.
إذ لا يزال الجيش يتمتع بمستوى عالٍ نسبياً من ثقة الجمهور مقارنة بمؤسسات الدولة الأخرى، خاصة الحكومة والكنيست، لكن هذه الثقة تصدعت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خاصة بين سكان غلاف غزة والحدود اللبنانية الذين تأثروا بشكل مباشر.
وطالما يجلس المسؤولون على كراسيهم، سيكون من الصعب استعادة تلك الثقة، وإن الرغبة بمعاقبتهم، تلعب دوراً أساسياً في تدفيعهم الثمن عما اقترفوه من تقصير وإخفاق.
ثاني هذه الحجج أن الجيش ومؤسسات الاستخبارات اللذين فشلا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ما زالا مصرّين على نفس المفاهيم وأنماط العمل التي أدت لذلك الفشل العملياتي والاستخباراتي، لذا من الصواب ضخ دماء جديدة في المنظومة الأمنية.
وهناك حجة ثالثة تتعلق بأن الشعور بالذنب الذي يحمله القادة الفاشلون يثقل كاهلهم، ويؤثر سلباً على قراراتهم، وبالتالي يجب عليهم إخلاء مواقعهم، رغم القاعدة المشهورة القائلة “بعدم تغيير الخيول في منتصف الصعود”.
ومن الأفضل الانتظار حتى انتهاء القتال، بعد إطلاق سراح المختطفين، وعودة المستوطنين إلى منازلهم، رغم أن الرغبة بمعاقبة المسؤولين عن الإخفاق أمر مفهوم، لأنهم تصرفوا عن سوء تقدير نتج عن المبالغة في تقدير قوات الجيش، والتقليل من شأن حماس.
الخلاصة داخل إسرائيل هي أن أن استقالة حاليفا الأولى من نوعها، سيتبعها سلسلة من الاستقالات والإقالات المتلاحقة، الطوعية والقسرية، وستطال مختلف أوساط الجيش وأجهزته الأمنية.
ومن شأن ذلك أن يترك تأثيراته السلبية على هيكلية الجيش، وبنيته القتالية، وصياغة عقيدته العسكرية مستقبلاً، في ضوء المسؤولية الكاملة لهيئة أركانه الأعلى مجتمعة عن فشل وإخفاق أكتوبر/تشرين الأول.
المصدر: عربي بوست