لرفضهم الإبادة الجماعية في غزة.. كيف قيدت أوروبا وأميركا حرية التعبير وعاقبت كل من ينتقد إسرائيل؟
بسبب رفضهم الإبادة الجماعية في غزة، واجه طلاب وموظفون وصحفيون ونواب في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إجراءات عقابية لقمعهم وإسكاتهم ونشر الخوف بينهم، بعد البدء بتجريم كل من ينتقد جرائم إسرائيل.
Table of Contents (Show / Hide)
أروقة الجامعات والمدارس في الغرب بات يملؤها الخوف من الكلام وجرى قمع حرية التعبير عن الإبادة الجماعية في غزة، وسط إجراءات إدارية عقابية وجهت للطلاب والأساتذة معا، إذا عبروا عن رأي مخالف لحكومات بلادهم.
صحفيون ممن قالوا الحقيقة عن الإبادة الصهيونية في غزة يتم إيقافهم عن العمل، ورياضيون تم فسخ عقودهم، وكُتّاب ودور نشر تُشن عليهم حملات بتهمة "معاداة السامية"، لمجرد رفضهم الإبادة أو المطالبة بوقف إطلاق النار.
ومن حاولوا التظاهر قُمعوا بشدة، كما منعت حكومات غربية المظاهرات التي تخرج رافضة للعدوان الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أو التضييق عليها.
ووصل الأمر للإعلان عن سن قوانين جديدة لممارسة رقابة دائمة على حرية التعبير حتى إن وزيري الداخلية في بريطانيا وفرنسا تعهدا بوضع قوانين تُجرم من يتعاطف مع غزة.
ومع هذا وحين طالب رئيس الوزراء ريشي سوناك، ووزيرة الداخلية في بريطانيا سويلا برافرمان (الاثنان من أصول هندوسية) بحظر مظاهرات دعم فلسطين، رفض قائد شرطة لندن وأمر باستمرار المظاهرات.
كما أكد أنه "ليس هناك أي قانون يعطي الشرطة الحق بمنع المسيرة المؤيدة لفلسطين".
وهو ما دعا سوناك للقول إنه "سيحاسب" قائد الشرطة بعد رفضه منع مظاهرة كبرى مؤيدة لفلسطين في 11 نوفمبر 2023، بحسب ما قالت صحيفة "الغارديان" في الثامن من ذات الشهر.
جنون العنصرية
وقالت الناشطة اليهودية زوهار تشامبرلين ريجيف، لوكالة "الأناضول" التركية في 8 نوفمبر 2023 إنه "لا توجد حرية تعبير على الإطلاق في الغرب في موضوع فلسطين".
ووصفت قمع السلطات المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بأنه "يشكل تهديدًا لحقوق الإنسان في جميع أنحاء أوروبا"، مشيدة بسماح تركيا بمظاهرة حتى أمام قاعدة إنجيرليك العسكرية التي تضم قوات أميركية ومشاركتها فيها.
قالت: أعيش في فرانكفورت (ألمانيا)، ويُمنع علينا ارتداء الكوفية، وحمل العلم الفلسطيني، والتظاهر، وحتى الاحتجاج بصمت على الأشخاص الذين يُقتلون في غزة"، والشرطة تتدخل وتعتدي عليها.
ويقول محللون إن حكومات الغرب نسفت بهذه الإجراءات كل ما تدعي تبنيه من المنظومة الحقوقية والإنسانية، وحتى حرية الفكر والتعبير، لأنها واجهت أي دعوة لرفض الإبادة الجماعية في غزة بإجراءات عقابية.
جنون الغضب الرسمي على من رفضوا الإبادة الصهيونية في غزة وطالبوا بوقف قصف القطاع، وما واكبها من انقسام في الآراء، وصل لحد الانتقام من أصحاب الرأي في أميركا واعتقال الشرطة الأوروبية لهم.
موقع "أكسيوس" الأميركي ذكر في 6 نوفمبر 2023 أن تهديد من يرفضون إبادة غزة، وصل إلى لقمة العيش.
أوضحت أن الموظفين العرب والمسلمين خصوصا باتوا يخشون الانتقام منهم في العمل لمجرد تعبيرهم عن رأيهم في الاحتلال في بلاد الحريات.
منظمة المناصرة "فلسطين القانونية"، ومقرها الولايات المتحدة، قالت إنه وصلها أكثر من 260 شكوى بشأن استهداف "سبل عيش أو وظائف" لأنهم عبروا عن آرائهم على مواقع التواصل بشأن رفضهم ما يجري في غزة.
وأكد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في 25 أكتوبر 2023 أنه تلقى 774 شكوى بشأن حوادث معادية للإسلام في السابع من نفس الشهر على خلفية انقسام المجتمع الأميركي بشأن حرب غزة.
وكان غريبا على بلد يدعي أنه يحمي الحريات والحقوق ملاحقة طلاب وتعرضهم لمضايقات بوصفهم "مسلمين" و"ملونين" وتهديدهم بهدم مستقبلهم ومنع الشركات الأميركية من توظيفهم لمجرد أنهم وقفوا ضد إبادة غزة وطالبوا بوقف إطلاق النار.
العنصرية والكراهية والعداء لمن ناصروا غزة ضد البربرية الصهيونية طالت أيضا العديد من طلاب كليات القانون الذين جرى إلغاء عروض توظيفهم في شركات محاماة تؤيد إسرائيل، بعد انتقادهم العلني للإبادة الإسرائيلية.
وصل الأمر لمطالبة رجال أعمال أميركيين منهم الملياردير "بيل أكمان" ممن يقدمون هبات للجامعات بالكشف عن أسماء طلاب وقعوا على بيان مؤيد لفلسطين في جامعة هارفارد.
وهددوا بإدراجهم على قوائم شركاتهم السوداء، حتى لا يتم توظيفهم عقب التخرج، وفقاً لمجلة فوربس الأميركية 2 نوفمبر 2023.
كما ظهرت "قائمة الإرهاب الجامعي" على الإنترنت والتي نشرت المعلومات الشخصية للطلاب الموقعين عليها، كنوع من التهديد لهم وخسارة فرص العمل بسبب التعبير عن مواقف تتناقض مع التوجهات الأميركية الداعمة للاحتلال.
ودفع هذا اتحاد الحريات المدنية الأميركي (ACLU) لإرسال خطاب إلى مديري الجامعات، يحذرهم فيه من التحقيق مع الطلاب فيما يتعلق بحرية التعبير لأن هذا يحميه التعديل الأول بالدستور، وانتقدهم مؤكدا أن "قيم حرية التعبير على المحك".
انقسام عام
لم يسلم حتى نواب الكونغرس الأميركي ونواب في البرلمان الأوروبي قالوا إن ما يجري إبادة جماعية. ووجهت اتهامات لنائبة الكونغرس من أصل فلسطيني "رشيدة طليب" بالدعوة إلى "تدمير إسرائيل.
وقال أكسيوس في تقرير آخر 4 نوفمبر 2023 إن "أميركا تنقسم على نفسها بشكل صارخ بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس"، في حرم الجامعات، وأماكن العمل، وشوارع المدن، وداخل مبنى الكابيتول والبيت الأبيض، والفجوة آخذة في الاتساع.
أوضح أن هذه الانقسامات العميقة تعكر صفو المجتمع وقد تؤثر على إعادة تشكيل السياسة الأميركية.
صحيفة "بوليتيكو" أكدت أيضا أن العدوان على غزة والإبادة الجماعية، أثار انقساما في الرأي العام وأدى إلى سلسلة من عمليات الفصل من العمل.
كما دفعت الحرب إلى تنفيذ إجراءات عقابية من أصحاب الأعمال ضد آراء موظفيهم حول الصراع خاصة ممن يرفضون العدوان على غزة.
"بوليتيكو" ذكرت في 4 نوفمبر 2023 أنه جرى طرد رئيس تحرير Artforum، ديفيد فيلاسكو، من جانب مديره "بانسكي ميديا" Penske Media، لأنه نشر رسالة مفتوحة على الموقع تدعو إلى وقف إطلاق النار وتشير إلى أن إسرائيل مسؤولة عن الإبادة الجماعية.
كما جرى إبعاد مايكل آيسن (يهودي) من منصب رئيس تحرير المجلة العلمية eLife بعد إعادته تغريد مقالا ساخرا ينتقد إسرائيل وعدم الاهتمام بحياة المدنيين الفلسطينيين.
أيضا استقالت المديرة التنفيذية في شركة المواهب في هوليوود Creative Artists Agency، مها دخيل، من دورها القيادي في الشركة.
وجاء ذلك بعد إعادتها نشر قصة على موقع إنستغرام تشير ضمناً إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، حسبما ذكرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" 22 أكتوبر 2023.
كما جرى هجوم حاد على سميرة نصر، رئيسة تحرير مجلة هاربر بازار، وتهديدها بالفصل بعد أن أعربت عن قلقها بشأن الفلسطينيين في غزة عندما قطعت إسرائيل إمدادات المياه في البداية، واضطرت للاعتذار عما كتبته، حسبما ذكرت صحيفة "الغارديان" 21 أكتوبر 2023.
ووصلت الانقسامات في الرأي أيضا إلى معقل السينما الأميركية (هوليوود) وانقسم الممثلون بين مؤيد للفلسطينيين ورافض للإبادة الصهيونية، ومؤيدين لإسرائيل يجمعون التبرعات لها، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" 29 أكتوبر 2023.
خطة ممنهجة
موقع "ميدل إيست آي" البريطاني رأى في تقرير نشره مطلع نوفمبر أن ما يجرى من تضييق على حرية التعبير والرأي فيما يخص العدوان على غزة وطلاب وموظفين ليس صدفة، ولكنه "يؤشر إلى وجود خطة ممنهجة وراء هذه الحملة".
ذكر أنه منذ أن شنت المقاومة الفلسطينية هجوماً مفاجئاً على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وردت إسرائيل بإعلان الحرب على غزة، احتدمت التوترات في الجامعات والكليات الأميركية بوصفها أماكن تقليدية للنشاط السياسي.
أكدت أن الطلاب في جامعات النخبة مثل هارفارد وكولومبيا وييل، وجامعات أخرى، يقولون إن محاولاتهم للتحدث علناً ضد الفظائع الإسرائيلية التي يتم إطلاق العنان لها في غزة "يتم الخلط بينها وبين معاداة السامية" ويجري عقابهم.
ونقل "ميدل إيست آي" عن طلاب بالعديد من الجامعات الأميركية قولهم إن مجرد دعوتهم إلى وقف إطلاق النار، أو إلقاء كلمة في محاضرة لتسليط الضوء على الاحتلال الإسرائيلي، قوبلت بادعاء أنها "محاولات شريرة لتدمير إسرائيل".
قالت إنه جرى تجريم المطالبين بها أو إحراج أسرهم أو تدمير خططهم لحياتهم المهنية.
وشجع على هذا، إصدار مجلس الشيوخ الأميركي في 3 نوفمبر 2023 بيانا يصف المجموعات الطلابية الفلسطينية في العديد من الجامعات بأنها "معادية للسامية وبغيضة ومحتقرة أخلاقياً".
زعم أنهم "يتعاطفون مع أعمال العنف والإبادة الجماعية ضد دولة إسرائيل ويخاطرون بالسلامة الجسدية للأميركيين اليهود".
هذا الأمر دفع موقع "بوليتيكو" أيضا للقول إن الأفكار حول حرية التعبير تتغير باستمرار في الثقافة الأميركية.
أوضح أنه بعد أحداث 11 سبتمبر، جلبت الحرب على الإرهاب معها اختبارات جديدة حول نوع الخطاب الذي يروج للإرهاب، وما الذي يعد "إرهابا" لو قاله شخص ما؟
أضاف أنه في الآونة الأخيرة، أثارت المناقشات حول "ثقافة الفصل" من الجامعات وأماكن العمل، وآراء أصحابها حول ما يعتقدون بخصوص مناهضة العدوان على غزة، أسئلة مماثلة حول ما هو التعبير المسموح به؟ ومتى تكون العواقب مبررة؟!
ويقول موقع "فوكس" الأميركي 5 نوفمبر 2023 إن الحرب بين إسرائيل وحماس كشفت "كيف ضلت الكليات الأميركية طريقها أمام حرية التعبير".
نقلت عن أليكس موري، مدير برنامج الدفاع عن حقوق الحرم الجامعي في مؤسسة الحقوق الفردية، أن مؤسسات التعليم العالي ابتعدت عن مهمتها، وهي "تعزيز الحوار وحرية التعبير وتدفق الأفكار المختلفة".
قال: لا ينبغي للكليات أن تمنع طلابها من الإدلاء بتصريحات يجدها الكثيرون مزعجة للغاية أو حتى خطيرة.
وبدلاً من ذلك، يجب على الكليات التركيز على خلق بيئة آمنة حيث يمكن مناقشة الأفكار الصارخة أو المؤذية أو العنصرية.
أيضا أصدرت منظمة "هيومان رايتس واتش" بيانا 2 نوفمبر 2023 ينتقد قمع الولايات المتحدة حقوق مواطنيها وطلابها في حرية التعبير وحقهم في الاحتجاج على الحرب، أو دعم الفلسطينيين أو إسرائيل.
قالت إن التقارير عن مثل هذه الحوادث في الولايات المتحدة آخذة في الارتفاع، وهناك تقليص للحق في حرية التعبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك في حرم الكليات والجامعات.
ودعت المسؤولين الأميركيين لحماية حرية التعبير والاحتجاج السلمي، بغض النظر عن وجهة النظر، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.