الصدع يتعمق.. 3 ساحات لاحتدام التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات
سلط مركز "ستراتفور" الأمريكي، المتخصص في البحوث السياسية، الضوء على احتدام التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات، مشيرا إلى أن التوترات المتزايدة بين البلدين ستؤدي زيادة المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية والدفاعية، ما يجعل من الصعب على بعض الشركات العمل في البلدين معا، ويؤدي إلى تفاقم المخاطر الأمنية في دول مثل السودان واليمن.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر المركز، في تقدير ترجمه "الخليج الجديد"، أن تصريحات ولي العهد السعودي، التي نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، مؤخرا بشأن توتر العلاقات مع الإمارات، "تحركها المنافسة بين نماذج التنمية الخاصة بهما وسياساتهما الخارجية المتباينة".
وأشار إلى تنافس الرياض وأبو ظبي بشكل متزايد على الاستثمار والسياح والعمالة الماهرة والسمعة كمركزي أعمال إقليميين، حيث تتداخل نماذج التنويع الاقتصادي الخاصة بكل منهما. ولدى البلدين أيضًا سياسات خارجية متضاربة، بما في ذلك الخلافات طويلة الأمد حول كيفية التعامل مع الحرب في اليمن والانقسامات الأخيرة حول الجهة التي تتلقى الدعم في الصراع الأهلي المستمر بالسودان.
ونمت علاقات السعودية والإمارات بشكل وثيق بعد صعود الأمير محمد بن سلمان إلى سدة السلطة في السعودية عام 2016، حيث أدرك البلدان تهديدات متبادلة من إيران وقطر والإسلام السياسي، وفي ذلك الوقت رأت الرياض وأبو ظبي في انتخاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، فرصة لتعزيز علاقاتهما مع واشنطن، وبالتالي إعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية للمنطقة لصالحهما.
وضغط البلدان معًا لدعم خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتدخلا في الحرب الأهلية اليمنية ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وحاصروا قطر في الفترة من 2017 إلى 2021.
لكن برامج التنمية لمرحلة ما بعد النفط في دول الخليج العربي بدأت في التداخل بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، وهاك أوجه تشابه واسعة بين رؤية السعودية 2030 وبرامج التنويع الاقتصادي المختلفة لدولة الإمارات، بما في ذلك أهداف زيادة السياحة، وجلب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحويل المدن إلى محاور تكنولوجية ومالية، وإنشاء مشاريع ضخمة لدفع عجلة التنمية.
وفي عام 2021، أعلنت السعودية أن الشركات الدولية ستكون مطالبة بنقل مقارها الإقليمية الرئيسية إلى المملكة بحلول عام 2024 أو أن تخاطر بفقدان سناد أي عقود حكومية لها، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة قوية لإجبار الشركات على الانتقال من الإمارات.
تنافس اقتصادي
وهنا يرجح "ستراتفور" أن تظل المنافسة المتزايدة بين الإمارات والسعودية متركزة في المجال الاقتصادي، مشيرا على أن الإمارات ستتحمل الكثير من المخاطر للتنافس مع السعودية اقتصاديًا، باعتبارها البلد الأصغر.
وفي حين أن أبو ظبي الثرية لديها قدر أكبر من القدرة على تحمل المخاطر، إلا أن الأمر نفسه لا ينطبق على دبي والإمارات الشمالية، اللتين لا تملكان احتياطيات نفطية يمكن الاعتماد عليها وتحتاجان إلى بيئة جيوسياسية مستقرة لمواصلة تنميتهما.
ودفعت الاحتياجات التنموية للإمارات الأفقر الدولة إلى الاستفادة من نقاط القوة الاجتماعية ونمط الحياة الفريد لجذب العمال والاستثمارات، عبر السماح بنشاط المقامرة، لتكون بذلك الدولة الأولى خليجيا في هذا المضمار، إضافة إلى سعيها لمنع المحاولات السعودية لاستبدالها كمركز إقليمي للنقل واللوجستيات.
وبحسب تقدير "ستراتفور"، قد تشمل الإجراءات الإماراتية حرمان شركات الطيران السعودية من حقوق الهبوط، أو منع رسو السفن المملوكة للسعودية في أوقات التوتر، وهو ما فعلته الإمارات مع تركيا قبل تحسن العلاقات بينهما.
ويتوقع التقدير ذاته ان تواجه السعودية مثل هذه التحركات الإماراتية بـ "الجزرة والعصا"، ما يخلق بعض عدم اليقين فيما يتعلق بظروف العمل.
وتتمثل العصا في رد الرياض بحزم في بعض الأحيان، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الأسلوب الحاكم لولي العهد والثقل الاقتصادي والجغرافي الأكبر للمملكة.
أما الجزرة فتتمثل في العقود الحكومية المربحة، الجذابة للشركات، إذ يمكن للسعودية تكثيف جهودها لإجبار الشركات على نقل المزيد من عملياتها إلى المملكة.
وقد تستخدم السعودية الضرائب أيضا لجذب الشركات بعيدًا عن جيرانها، ما قد يؤدي إلى خفض معدل ضريبة الشركات من 20% حاليا إلى أقل من المعدل الحالي في الإمارات، البالغ 9% أو تقديم إعفاءات ضريبية خاصة لشركات أو صناعات معينة.
وقد توسع السعودية إعفاءات ضريبة القيمة المضافة للسائحين ولسلع وخدمات محددة؛ للتنافس مع المعدل المنخفض في الإمارات.
الدبلوماسية والدفاع
وعلى مستوى السياسة الخارجية، لدى السعودية والإمارات استراتيجيات متباينة وطويلة الأجل لتأمين نفوذهما على طول البحر الأحمر في السودان، ما يؤدي بهما إلى تفضيل جبهة مختلفة في الصراع الأهلي السوداني الحالي.
ولدى كلا البلدين استثمارات كبيرة في السودان، بما في ذلك موانئ ومشروعات زراعية تهدف إلى استخدام البلاد للمساعدة في ضمان أمنهما الغذائي وكسب النفوذ على التجارة الدولية التي تعبر البحر الأحمر إلى قناة السويس.
وتؤثر هذه المنافسة الاقتصادية على نظرة المتنافسين الخليجيين للفصائل المتحاربة في الصراع السوداني، إذ يحاول السعوديون التوسط لوقف التصعيد من خلال نفوذهم على كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
والسعوديون أقرب إلى قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، في حين أن الإماراتيين أقرب إلى قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي".
وفي اليمن، تقترب السعودية من الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يؤيد انفصال جنوب اليمن عن شماله.
وفي كلتا الحالتين، يشعر السعوديون براحة أكبر في العمل مع الدول والقادة والمعترف بهم دوليا لتحقيق أهدافهم، حتى لو كانت هذه الدول غير فعالة أو فاسدة، في حين يبدو الإماراتيون أكثر استعدادًا لاستخدام "وكلاء"، قد يهددون وحدة الدول التي ينشطون فيها، لتحقيق أهدافها.
وفي حين تهدف السعودية إلى تأمين أراضيها من هجمات الحوثيين المدعومين من إيران وتقليص دورهم في اليمن، يركز الإماراتيون بشكل أكبر على تطوير الموانئ اليمنية والسيطرة عليها، واستهداف الحركات الإسلامية السياسية، مثل حزب الإصلاح اليمني، وتطوير جنوب اليمن كشريك اقتصادي محتمل في حال انفصاله.
وفي عام 2019، أفادت تقارير بأن الإمارات أغضبت السعودية عندما سحبت قواتها من القتال ضد الحوثيين للتركيز على مصالحها في الجنوب.
وبدون نهج موحد تجاه اليمن، سيتجرأ المجلس الانتقالي الجنوبي على تحدي الحكومة اليمنية الضعيفة، التي تدعمها السعودية، لزيادة حكمه الذاتي أو حتى إعلان الانفصال.
وبحسب تقدير "ستراتفور"، فإن هذا الانفصال قد يصبح أكثر ترجيحًا إذا أصبحت السعودية عدوانية تجاه الإمارات، مشيرا إلى أن الإمارات عملت على إبلاغ الرياض بمخاطر مثل هذا النهج من خلال تهديد وحدة الجار الجنوبي للمملكة.
وفي السودان، حاولت السعودية التوسط لإنهاء القتال للحفاظ على وحدة الدولة، لكنها تتعارض مع المواقف المتشددة الراسخة على جانبي الصراع، بينما قام الإماراتيون بعدد أقل من المحاولات لاستخدام نفوذهم على قوات الدعم السريع لإنهاء القتال، إذ يعتقدون أن مثل هذه المحاولات قد تؤدي إلى تراجع مكاسبهم في البلاد أو أن استمرار القتال قد يوسع نفوذ قوات الدعم السريع في السودان.
ومن المرجح أن تتشجع قوات الدعم السريع على مواصلة القتال طالما استمرت الإمارات في دعمها المالي والعسكري، وهو الدعم المرشح للزيادة رداً على تهديد السعودية لنفوذ أبوظبي في السودان، وهو ما من شأنه أن يطيل أمد القتال، الذي ربما يتحول إلى حرب أهلية مستمرة.
كما يرجح تقدير "ستراتفور" أيضا أن تستخدم السعودية والإمارات الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لجذب دول مثل تركيا ومصر والأردن وتونس نحو تحالفاتها الإقليمية.