هكذا يخلص تحليل لمركز "أسباب"، مؤكدا أن أن تصريحات قادة الاحتلال تعكس وقع الصدمة، وأزمة الثقة التي تهز الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
وينقل التحليل تصريحات وزير الدفاع في حكومة الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت، حين قال إن من أهداف عمليتهم العسمرية، "إنشاء نظام أمني جديد في غزة، يخلق واقعا جديدا لمواطني إسرائيل وقاطني المناطق المجاورة.
وانبثقت نظرية الأمن الإسرائيلية الحالية، من أطروحة زئيف جابوتنسكي (1880-1940)، الأب الروحي لليمين الإسرائيلي، والذي رأى أن التوصل إلى اتفاق مع العرب غير ممكن، لأنهم لن يتخلوا عن أرضهم وحقوقهم، وبالتالي فإن الصراع معهم حتمي، وهو ما يتطلب إقامة جدار حديدي يستند إلى بناء قوة عسكرية رادعة بما يكفي لتوليد اليأس في قلوب العرب ودفعهم للتنازل عن فلسطين.
ويقول التحليل إنه فور تأسيس دولة الاحتلال عام 1948، أشرف رئيس الوزراء الإسرائيلي وزير الدفاع آنذاك ديفيد بن جوريون، على بلورة نظرية أمن قومي منبثقة من أطروحة جابوتنسكي، واعتمد نموذج "كل الشعب جيش" والذي يجعل جيش الاحتلال أكبر جيش في العالم من حيث حجمه، الذي يعتمد على قوات الاحتياط مقارنة بعدد السكان.
ويضيف: "بُنيت نظرية الأمن الإسرائيلية على 3 مرتكزات، أولها الردع، عبر امتلاك قوة عسكرية، متفوقة، تثني الخصوم عن مهاجمة إسرائيل خوفا من التعرض للتدمير على يد جيشها".
أما ثاني النرتكزات، فهو التفوق الاستخباري، والذي يهدف إلى توفير إنذار مبكر يتيح إحباط التهديد بشكل استباقي، كما يوفر الفرصة لتعبئة الاحتياط في الوقت المناسب للتصدي للتهديدات.
وثالث هذه المرتكزات، وفق التحليل، هو الحسم السريع، بواسطة الدفاع الصلب على امتداد الحدود لمنع الخصم من السيطرة أي جزء من الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ونقل الحرب دوما إلى أرض (العدو) في أسرع وقت ممكن، وامتلاك سلاح جو قادر على تقديم المساعدة للقوات البرية من أول ساعة قتال، وشن هجوم استباقي في حال وجود خطر جسيم أو محتمل، والقضاء على التهديدات في أسرع وقت ممكن لمنع حشد قوات الاحتياط لوقت طويل.
ويلفت التحليل إلى أن هذه النظرية ومرتكزاتها وضعت لمواجهة قوات نظامية وقت صراع دولة الاحتلال مع الجيوش العربية، ولكن عقب اتفاقيات السلام مع مصر ثم الأردن، وغزو العراق عام 2003، تراجعت التهديدات من الدول العربية، وبرزت ضمن التهديدات حركات وتنظيمات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحزب الله في لبنان.
ولذلك، صك الاحتلال مصطلحات جديدة ضمن عقيدته الأمنية مثل "كي الوعي"، و"جز العشب"، و"المعركة بين الحروب"، والتي تقوم على اتخاذ تدابير هجومية استباقية تعتمد على معلومات استخباراتية عالية الجودة بهدف ردع (العدو) وإبقاء القتال خارج أراضي إسرائيل، وإضعاف الخصوم دون الاضطرار إلى خوض حرب واسعة معهم.
ولكن، والحديث للتحليل، فقد ضربت عملية "طوفان الأقصى" مرتكزات نظرية الأمن الإسرائيلية، فلم تردع القوة الإسرائيلية كتائب القسام عن التفكير في شن هجوم واسع يشمل عشرات المستوطنات والمواقع الإسرائيلية.
ويضيف: "كما لم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من الحصول على أي معلومات مسبقة عن الهجوم، ونجح المقاتلون الفلسطينيون في السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي المحتلة للمرة الأولى".
ويتابع التحليل: "أيقظ هذا الانهيار مجددا هواجس احتمال انهيار دولة الاحتلال في ظل صمود الفلسطينيين وصلابتهم رغم القمع والحصار، كما قوّض الشعور بالأمان والاستقرار الذي أتاح المزيد من عمليات الهجرة والاستيطان خلال العقود الأخيرة".
ويخلص التحليل بالقول: "النموذج الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي السابق انتهى، وهو ما يعني أنها بصدد البحث عن فرض نموذج جديد، وبناء نظرية أمن جديدة، ترمم جاذبية إسرائيل وسمعتها المنهارة كملاذ آمن لليهود من أنحاء العالم".
ويختتم: "لكنّ هذه مهمة لا تبدو بسيطة أو قريبة المنال، بغض النظر عن مآل الدمار الحاصل في قطاع غزة".