انزعاج الغرب والعرب من الحاضنة الشعبية للمقاومة
تعد الحاضنة الشعبية سببا رئيسا لصمود المقاومة في غزة طوال الشهور العشرة الأخيرة، وهي الحاضنة الشعبية التي تفخر بالمقاومين وتمدهم بالمقاتلين كلما سقط منهم شهداء، وتجهض كل المحاولات الغربية والعربية والإسرائيلية لإحداث شرخ بينها وبين المقاومة، ولا تستجيب للفتن المتكررة من قبل وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية والإسرائيلية وغيرها للوقيعة بينها وبين قوى المقاومة.
Table of Contents (Show / Hide)
وها هي صور الصمود الشعبي الغزاوية العديدة، ما بين أمهات يفخرن بما قدمنه من شهداء، وصل إلى أربعة أبناء في حالات عديدة مع وعد بإكمال الأحفاد الطريق، وأُخريات لم يقهرهن قصف البيوت وخسارة الأهل والمتاع والمال والسكن، واضطررن جبرا إلى النزوح أكثر من مرة، مُقدمات المزيد من الشهداء والجرحى مع كل نزوح، نتيجة غدر العدو وقصفه للأماكن التي نصح بالنزوح إليها باعتبارها آمنة.
ويصمد الجميع نساء ورجالا، كبارا وصغارا أمام حصار التجويع والتضييق على الوصول لمياه الشرب، وقصف المستشفيات ومنع الدواء وتخريب المرافق والطرق، وانقطاع الكهرباء وارتفاع حرارة الجو، وضيق أماكن السكن المفتقدة لأساسيات الحياة والتي لا تقي من حر الصيف الشديد أو برد الشتاء القارس، متحملين الحصار من العرب والإسرائيليين والأوروبيين، والخذلان بل والتواطؤ ضدهم من قبل الكثير من الحكام العرب، الذين ينسقون بشكل مستمر مع الأمريكان والإسرائيليين لسرعة إنجاز مهمة القضاء على المقاومة، ويجهزون للمشاركة فيما يسمونه اليوم التالي للحرب بدون حماس.
وبدلا من أن يكون هذا الصمود لعشرة أشهر سبقتها سبعة عشر عاما من الحصار الاقتصادي والسياسي مدعاة للفخر، تحول الأمر إلى المزيد من الحنق على هؤلاء لاستمرار صمودهم وعدم استسلامهم، خشية أن ينتقل النموذج إلى مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي، يقتلع النظم العميلة والمتآمرة ويحاكم أفرادها على ما اقترفوه من خيانة وتآمر وتعاون مع العدو، بما يمثله ذلك من خطر على الكيان الإسرائيلي.
إبعاد الناس عن الدين أولوية غربية عربية
وهكذا اجتمعت أهداف الغرب والعرب على عدم تكرار النموذج الغزاوي بوجود حاضنة شعبية، قائمة على قيم الإسلام من صبر وجهاد وتكافل وتعاون وإصرار، ولهذا نتوقع المزيد من التنكيل والتشدد مع الفصائل الإسلامية في دول العالم الإسلامي والتي كان يتم منحها بعض الحرية للحركة، مع تبين أن العامل الرئيس لصمود غزة هو التطبيق العملي من أهلها لتعاليم الدين، لهذا سيكون التركيز على إبعاد الناس في المجتمعات العربية والاسلامية عن تعاليم الدين، وعن سير المجاهدين على مر التاريخ، وجذب شرائح منهم إلى مُلهيات أخرى كالحفلات الغنائية والمباريات الرياضية والإدمان وتعاطى الخمور والمخدرات وتسهيل الدعارة، ومحاربة رموز الحركة الإسلامية وتشويه صورتها إعلاميا.
ولهذا لا نتوقع تحركا إيجابيا في ملف المعتقلين الإسلاميين بمصر أو تونس أو غيرها في الفترة الحالية، وكذلك التدخل في المناهج التعليمية لحذف كل ما له صلة بالتذكير بروح الجهاد أو سير المجاهدين، والتدخل في العمل الدعوى في المساجد لشغل الناس بالقضايا الفرعية كنواقض الوضوء ومبطلات الصيام، وحتى تتحول خطب الجمعة إلى موضوعات روتينية شكلية مفروضة لاستكمال شكل أداء الطقوس، ونفس الأمر مع البرامج الدينية بوسائل الإعلام التي يتم توظيفها لتعضيد مكانة ولاة الأمور.
سيتحرك الجميع، عربا وإسرائيليين وأوروبيين، وفي أذهانهم الحرص على عدم تكرار نموذج الشيخ أحمد ياسين، الذي جمع بين العمل الدعوي والعمل الاجتماعي واستخدم الأنشطة الرياضية والترويحية للوصول للشباب، واهتم بالتربية الإسلامية لتنشئة جيل جديد من الشباب والشابات، واستخدم المساجد لتلك التربية الإيمانية للمجتمع الغزاوي، ولهذا سيتم إجهاض أي نموذج مشابه تحت أي مسمى.
سعي مستمر للوقيعة بين السكان والمقاومة
وستقوم وسائل التواصل الاجتماعي بحذف أي مضمون يمكن أن يعزز معاني التضحية والجهاد والصمود، من خلال استمرار من فقدوا أطرافهم على الدرب، أو إصرار من فقدوا أسرهم على إكمال مسيرتهم، وستقوم وسائل الإعلام الدولية والمحلية بتجاهل أخبار المجازر اليومية التي تتم تجاه سكان غزة، والتعامل مع ضحاياها كأرقام، وتجاهل ما تسفر عنه عمليات الإبادة الجماعية من شهداء وجرحى ومعاقين، وغض الطرف عن تدمير المستشفيات والمدارس والملاعب والمساجد والكنائس والمرافق والطرق، وتجاهل مظاهر المجاعة ونقص مياه الشرب، والسعي بكل الوسائل لنشر روح اليأس بين سكان غزة من خلال تبني الرواية الإسرائيلية للأحداث، والتوسع في نشر صور الإحباط من خلال تصريحات قيادات السلطة الفلسطينية التي تشكك في المقاومة وتتهمها بالمشاركة في الإبادة الجماعية، وكذلك بث آراء المرتزقة من شيوخ السلاطين والإعلاميين والمثقفين العرب الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس، لإثارة المزيد من البلبلة والإحباط والقنوط والتشكيك.
لكن غاب عن هؤلاء أن حسابات أهل غزة تختلف عن حساباتهم المادية، فإذا كان هؤلاء قد باعوا دينهم وضمائرهم مقابل عطايا مادية أو تدرج في المناصب أو وعد بذلك، فإن أهل غزة قد نذروا أنفسهم وأموالهم ومساكنهم لله، وشتان من يطلب منافع دنيوية ومن يتاجرون مع الله، والذين تربوا على قصص الجهاد والتضحيات التي قدمها أجدادهم وآباؤهم وأقاربهم وجيرانهم خلال العقود الماضية، وسمعوا أيضا عن العديد من قصص الخيانة لقضية فلسطين من قبل الكثيرين، ولهذا لم يكن ما حدث من خذلان وخيانة لهم مفاجئا.
فلقد تجرعوا عبر تلك العقود آثار الانحياز الغربي والشرقي للعدو الإسرائيلي، والذي أمدوه بالمال والسلاح والرجال، ومنعوا اتخاذ أي إجراء مضاد له في المحافل الدولية، وأرغموا العديد من الدول العربية والإسلامية على الاعتراف به والتعاون الاقتصادي والسياسي بل والعسكري معه، وما زالوا يصرون على القضاء على المقاومة وعقاب سكان غزة بالمزيد من التجويع والحصار بمختلف صوره.
ولهذا ورغم ما قدموه من شهداء وجرحى ما زالوا يصرون على المضي في طريق الصمود، وهم يرون قيادات المقاومة تقدم أولادها وأقاربها قربانا لقضية تحرير الأقصى، ليلتقي الطرفان على الهدف المشترك لتحرير فلسطين وهو الهدف الذي يستحق كل تلك التضحيات.
المصدر: عربي 21