السعودية وليبيا.. خجل عربي من التطبيع
ظهر رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو الثلاثاء 29 آب/أغسطس في حديث مصوّر مقتضب، نشره حساب رئاسة الوزراء الرسميّ على موقع "إكس" مدلياً بتصريح قال فيه:
Table of Contents (Show / Hide)
"أود التعبير عن بالغ تقديري لمعاملة السلطات السعودية الدافئة للمسافرين الإسرائيليين الذين مرت طائرتهم في أزمة فاضطرّت للقيام بالهبوط في جدة. ويسعدني أن الجميع يعودون إلى بيوتهم سالمين، إنني أثمّن عالياً حسن الجوار".
هل هذا الحدث يستدعي أن نقف عنده في معرض تحليل السياسة السعودية مع موضوع التطبيع؟
ثمة أقوال في هذا المجال:
الأول: أن الاضطرار الذي لجأت إليه الطائرة "الإسرائيلية" مما دفعها للنزول في جدة هو حادث مفتعل لتأكيد أن ثمة اتصالات وتنسيقات بين السعودية والكيان الصهيوني، وأن الخطى على درب التطبيع ماضية ولم تتوقّف أو تتلكأ.
الثاني: أن "الطائرة الإسرائيلية" فعلاً اضطرت إلى النزول الاضطراري بسبب عطل فني، وتعامل المملكة العربية السعودية جاء من باب إنساني، وهذا يحدث حتى بين الدول التي لا تربطها علاقات دبلوماسية.
الثالث: أن الحادث اضطراري فعلاً، لكنّ تضخيم كيان العدو له جاء في سياق الاستثمار له، والدليل أن حوادث النزول الاضطراري لطائرة بلد ما لا تضطر رئيس الدولة أو رئيس الحكومة للخروج وشكر البلد الذي نزلت فيه الطائرة.
لا يمكن الوثوق في السيناريو الأول لأنه سيجرّنا إلى شبهة "نظرية المؤامرة" التي يصنّفها البعض على أنها عقدة نفسية تفسّر الظواهر الخارجية بالهواجس الداخلية للنفس ومخاوفها.
أما السيناريو الثاني فلا يصمد أمام التأمل، لأن الطيران فوق المملكة بحد ذاته تطبيع، والنزول الاضطراري هو تحصيل حاصل.
ويبدو أن السيناريو الثالث هو الأكثر ملاءمة للواقع، كون أن الحدث الاعتياديّ ضُخّم بطريقة البروباغندا، وكأنّ في هذه الدعاية رسائل مبطّنة تقول إن ثمة استجابة سعودية باتجاه التطبيع، مع أن وكالة الأنباء السعودية (واس) لم تذكر الخبر بتاتاً لا من قريب ولا من بعيد.
ما يمكن استظهاره من هذه الحادثة وغيرها من الوقائع على المستوى الإعلامي أو السياسي أن السعوديّ يتجه للتطبيع لكن بخطى بطيئة، وكأنه يعتقد أن الأمر يحتاج إلى نار هادئة لتنضيج هذا الموضوع الكبير، مع استثماره لمطالبه الأمنية والسياسية من الولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً مقابل التطبيع.
إلا أن الإسرائيلي مستعجل كثيراً، وهو يحاول أن يجمّع نقاط التطبيع مع الدول العربية ظناً منه أنه مكسب على جميع الأصعدة (الاقتصادية والأمنية والسياسية) في ظل تغيرات جيوسياسية بفعل نزول قوى كبرى لكسر هيمنة أميركا وتغيير معادلات ما بعد الحرب الباردة الأولى.
وأدل على ذلك الخبر الذي تكشّف عن لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين مع وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش في روما الأسبوع الماضي، وسارعت "هارتس الإسرائيلية" لنشر الخبر معللة اللقاء ببحث التعاون الاقتصادي والسياسي بين "البلدين".
بل وانتشر تصريح رسمي للوزير الإسرائيلي بقوله: "إن اللقاء تمّ بواسطة رئيسة وزراء روما، وأكد أنه بحث مع المنقوش سبل التعاون وإمكانية فتح علاقة دبلوماسية، وإمكانية مساعدة "إسرائيل" ليبيا، والحفاظ على التراث اليهودي الليبي.
فيما نفت حكومة ليبيا أن اللقاء كان مخططاً له، وأصدرت وزارة الخارجية الليبية بياناً قالت فيه: "نؤكّد التزامنا الكامل بالثوابت الوطنية والوزيرة رفضت عقد لقاءات مع أيّ طرف ممثّل للكيان "الإسرائيلي"، وما حدث في روما هو لقاء عارض غير رسمي وغير معدّ له مسبقاً، واللقاء لم يتضمّن أي اتفاقيات أو مباحثات أو مشاورات".
ويأتي الارتباك الرسمي الليبي متزامناً مع موجة غضب عارمة من الشارع في عدة مدن ليبية، حيث وصف الليبيون اللقاء بالعار، وطالبوا بإقالة الوزيرة".
المشهد في مضمونه يتكرّر بين الدول العربية، تمنّع شعبيّ وخجل رسميّ وتردّد في الإقدام على خطوة التطبيع، مع وجود كلّ المؤشّرات على النوايا الرسمية في المضي بهذا الاتجاه.
لكن السؤال، هل التقادم الزمنيّ كفيل بكسر هذا الخجل ورفع ذاك التردّد؟ أم أن المواقف الشعبية للدول العربية بمثابة الضامن لمنع انتشار لوثة التطبيع؟
*عباس الجمري كاتب وباحث بحريني